مصر مركزا للحوسبة السحابية على الخريطة الأفريقية

هواوي تطلق "كايرو ريجيون" لخدمة 28 دولة من القاهرة

Shutterstock
Shutterstock
نموذج لمركز للتحكم في البيانات و"الحوسبة السحابية"

مصر مركزا للحوسبة السحابية على الخريطة الأفريقية

بعدما افتتحت القاهرة مركز "البيانات والحوسبة السحابية الحكومية" الأول من نوعه في مصر وأفريقيا، بحسب وزارة الاتصالات المصرية، دخل عملاق التكنولوجيا الصيني "هواوي" أخيرا باطلاقه "كايرو ريجيون" (Cairo Region)، مستهدفا تقديم خدمات سحابية مبتكرة وموثوق بها وآمنة للأفراد والشركات والجهات الحكومية في مصر و28 دولة أفريقية، ولتحقيق نقلة نوعية في توفير تقنيات حديثة في صناعة الحوسبة السحابية (Cloud Computing) تحديدا.

وتتطلع مصر من خلال استثمار "هواوي" مبلغ 300 مليون دولار في "كايرو ريجيون"، مع غيرها من المستثمرين الكبار في القطاع، أن يضعها ذلك على خريطة التنافسية التكنولوجية في أفريقيا والعالم العربي، وتاليا تعزيز اقتصاد البلاد ومواردها من خلال جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية في هذا المجال، وإحداث تغيير إيجابي ينعكس على مستقبل حياة المصريين كما يأملون.

توفر هذه المنطقة، البيئة التقنية المتقدمة للشركات العالمية التي تبحث عن التوسع في البلدان العربية وقارة أفريقيا، ومن المتوقع أن تساهم المنطقة السحابية في دعم الشركات الناشئة والصناعات المحلية وتطويرها عبر تقديم حلول تكنولوجية متقدمة بتكلفة أقل. كذلك تهدف هذه الخطوة الاستراتيجية إلى تحسين كفاءة وأداء الحكومة الإلكترونية، مما يسهل تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين بشكل أسرع وأكثر فاعلية، ويطرح فرص عمل جديدة في قطاع التكنولوجيا والمعلومات، ويساهم في خفض معدلات البطالة.

يهدف مركز "البيانات والحوسبة السحابية الحكومية"، الذي يمتد على مساحة 23,500 متر مربع، الى تقديم خدمات تكنولوجية متطورة للمواطنين بما يتماشى مع الاستراتيجيا الرقمية الشاملة لمصر 

من أهداف المنطقة السحابية أيضاً تعزيز الأمن السيبراني لحماية البيانات والمعلومات الحساسة، وتسهيل التحول الرقمي في القطاعات المختلفة، مثل التعليم، الصحة، والصناعة، مما يرفع الكفاءة والابتكار في هذه المجالات. وتهدف كذلك إلى دعم الأبحاث والتطوير من خلال تمكين المؤسسات الأكاديمية والبحثية من الوصول إلى موارد حوسبة متقدمة.

هواوي
خلال حفل اطلاق "كايرو ريجيون" في القاهرة 21 مايو 2024

وتعد مصر إحدى الدول الـ170 التي تغطيها الخدمات السحابية من "هواوي"، وتسعى الشركة إلى زيادة حجم استثماراتها بغرض إيصال التكنولوجيا الرقمية إلى شركائها وعملائها بحلول تكنولوجية تضمن أمن البيانات لديها وتلبي متطلبات أعمالهم، تماشياً مع الرؤية الاستراتيجية للتنمية المستدامة، "مصر 2030". كذلك أطلقت "أمازون" رسمياً أولى خدماتها لتسليم المحتوى السحابي "Amazon CloudFront" في القاهرة.

استراتيجيا مصر الرقمية

يأتي افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية "P1" الذي يقع على بعد كيلومترات من القاهرة على طريق العين السخنة ويمتد على مساحة تقرب من 23,500 متر مربع، بهدف إحداث ثورة في الرقمنة والاهتمام بتقديم الخدمات التكنولوجية الأساسية إلى المواطنين بما يتماشى مع الاستراتيجيا الرقمية الشاملة لمصر لتيسير الخدمات المقدمة الى المواطنين، ولا سيما تمكين الشباب للوصول إلى التنافسية العالمية وتعزيز الابتكار داخل البلاد في إطار استراتيجيا مصر الرقمية التي تركز على التحول الرقمي وبناء القدرات ودعم الابتكار الرقمي.

حققت مصر إنجازات مهمة في مجال التحول الرقمي خلال السنوات القليلة المنصرمة، الأمر الذي ساهم كثيراً في إنشاء هذا المركز. فقد جرى استكمال البنية التحتية المعلوماتية المصرية عام 2020 وربط عدد كبير من قواعد البيانات الحكومية، ثم إطلاق منصة مصر الرقمية عام 2022 مما يُعَد اختبارا للإرادة المصرية والاهتمام بالتحديث. وحظيت هذه المنصة التي تقدم مجموعة متنامية من الخدمات الحكومية باهتمام كبير، إذ جرى تسجيل ملايين المواطنين ومعالجة ملايين الطلبات. كذلك أسفرت استثمارات مصر في البنية التحتية الرقمية عن تضاعف سرعة الإنترنت الثابت بمقدار 11 مرة منذ عام 2018.

بلغ حجم سوق الحوسبة السحابية العالمية 602,3 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي يوازي 21,2% من 2024 إلى 2030

شركة الأبحاث والاستشارات "غراند فيو ريسرش"

وتبرز مصر كرائدة في أفريقيا في ما يتعلق بسرعة الإنترنت الثابت وتحقق تقدماً ملحوظاً في تحسين بنيتها التحتية للشبكات المحمولة. وبالإضافة إلى التقدم الملموس في الاتصال، تحقق مصر إنجازات كبيرة في الاهتمام بالذكاء الاصطناعي حيث تقدمت 50 مركزاً في مؤشر جاهزية الحكومة. تؤكد هذه الإنجازات النمو القوي لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر الذي أصبح القطاع الأسرع نمواً في الاقتصاد المصري. ووفقا لشركة الأبحاث والاستشارات "غراند فيو ريسرش"، بلغ حجم سوق الحوسبة السحابية العالمية 602,3 مليار دولار عام 2023، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي يوازي 21,2 في المئة من عام 2024 الى عام 2030.

سوق دولية واعدة

يُذكَر أن "موردور إنتليجنس"، وهي واحدة من كبرى مؤسسات أبحاث السوق والأعمال ومقرها الهند، قدرت سوق "الحوسبة السحابية" عالمياً عام 2024 عند 680 مليار دولار، متوقعة أن يقفز هذا الرقم إلى 1,44 تريليون دولار بحلول عام 2029. وقدرت مؤسسة "ماركتس أند ماركتس" المعنية بأبحاث السوق والأعمال حجم سوق الحوسبة السحابية في منطقة الشرق الأوسط بنحو 21 مليار دولار، العام المنصرم، وتوقعت نموه ليصل إلى 49,5 مليار دولار في 2028 مع توظيف أكبر لتقنيات الذكاء الاصطناعي. 

وتؤكد بيانات أبرز شركات التكنولوجيا الكبرى في الحوسبة السحابية، "أمازون ويب سيرفيسز"، و"مايكروسوفت"، و"غوغل"، و"ميتا" و"أبل"، أن "مايكروسوفت" تمتلك أكبر عدد من مراكز البيانات في العالم، بلغ 300 مركز، تليها "أمازون" بـ215 مركزاً، ثم "غوغل" بـ25 مركزاً، وتأتي بعدها "ميتا" بـ24 مركزاً، ثم "أبل" بـ10 مراكز.

طفرة في التحول الرقمي

ينظر الخبراء إلى الحوسبة السحابية في المنطقة العربية على أنها تطور إيجابي يمكن الشركات والمؤسسات من تبسيط العمليات وتحسين المرونة وإطلاق مستويات جديدة من الكفاءة، مما يوفر حلولاً وخدمات وفرصاً واعدة لنمو الشركات والأعمال، خاصة مع توظيف الحلول التكنولوجية الحديثة كالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وكذلك التعلم الآلي. توفر منصات الحوسبة البنية الأساسية والأدوات اللازمة للشركات وأصحاب الأعمال، التي تمكنهم من الوصول الى كم ضخم من البيانات والتحليلات المعمقة لأعمالهم والتعرف إلى تجارب مختلفة حول العالم، مما يدعم عملية اتخاذ القرار ويعزز الميزة التنافسية للشركات والمؤسسات في الاقتصاد، سواء في القطاع الخاص أو الحكومي.

تأمل مصر في أن تصبح مركزاً إقليمياً للتكنولوجيا، وأن تواكب الدول المتقدمة في تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتطويرها، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية

في هذا السياق، قال الخبير التكنولوجي في الذكاء الاصطناعي وأستاذ علوم الحاسوب الدكتور أشرف درويش لـ"المجلة": "بدأت صناعة الحوسبة السحابية في الازدهار في السوق المصرية مدعومة بإرادة سياسية حقيقية لإحداث نقلة نوعية في التحول الرقمي للبلاد. هي صناعة ذات حجم سوق كبير ستستفيد منه مصر بلا شك وستفيد العالم في سعيها إلى أن تكون مركزاً لتصدير التكنولوجيا وحلولها للمنطقة والعالم. جاء الاهتمام بالحوسبة السحابية والتعاون مع أقطاب تلك الصناعة داعماً لتوفير فرص النمو التكنولوجي وتحقيق مكاسب مالية ومميزات تنافسية في الرقمنة وسعة تخزين البيانات".

دعم الحاضنات والشركات الناشئة

وألمح درويش إلى سعي مصر الى تصدير التكنولوجيا وحلولها إلى قارة أفريقيا والدول العربية، وتعزيز موقعها كمركز تكنولوجي إقليمي، من خلال عوامل عدة وخطوات تدعم هذه الاستراتيجيا، منها تحسين البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك إطلاق المناطق السحابية، مما يعزز القدرة على تقديم خدمات تقنية متقدمة.

.أ.ب
زوار جناح شركة هواوي، خلال المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي، في شنغهاي الصين، 11 يوليو 2024

وحض على الاستثمار في التعليم والتدريب لتطوير المهارات التكنولوجية لدى الشباب المصري، مما يمكنهم من الابتكار وتقديم حلول تكنولوجية متقدمة. ولفت إلى عقد الحكومة المصرية شراكات واتفاقات مع شركات تكنولوجية عالمية للاستفادة من الخبرات الدولية لتعزيز القدرات المحلية. ونوه بسعي مصر إلى تقديم حوافز للشركات التكنولوجية للاستثمار في مصر، بما في ذلك تسهيلات ضريبية وبنية تحتية متقدمة، وكذلك إنشاء مراكز الابتكار والحاضنات التكنولوجية لدعم الشركات الناشئة وتطوير حلول تكنولوجية محلية قابلة للتصدير. وأشار إلى تحديث مصر للقوانين والتشريعات لدعم الابتكار والتكنولوجيا، وتسهيل عمليات التجارة الإلكترونية.

مصر والثورة الصناعية الرابعة

يُشَار إلى أن مصر تأمل في أن تصبح مركزاً إقليمياً للتكنولوجيا، وأن تواكب الدول المتقدمة في تبني وتطوير تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل الذكاء الاصطناعي، وتقنيات سلاسل الكتل (blockchain)، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية. هناك عدة خطوات وإجراءات جرى اتخاذها لتحقيق ذلك، إذ وضعت مصر استراتيجيا وطنية للذكاء الاصطناعي تهدف إلى تطوير القدرات المحلية في هذا المجال وتعزيز استخدامه في مختلف القطاعات. وتتضمن الخطة تمويل المشاريع البحثية في مجال الذكاء الاصطناعي ودعمها وتأسيس مراكز أبحاث متخصصة. وأسست مصر المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي ووضعت ميثاقاً للاستخدام المسؤول لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في مصر. وبدأت الحكومة المصرية في استكشاف استخدامات سلاسل الكتل في القطاع الحكومي لتحسين الكفاءة والشفافية.

لكن في ظل هذه التطورات، تلوح في الأفق أزمة انقطاع التيار الكهربائي وتأثيرها في تشغيل هذه الأنظمة المحوسبة، فهي تحتاج إلى طاقة هائلة، وهذا بدوره سيزيد الطلب على الطاقة بشكل يفوق التوقعات. في هذا السياق، نبه الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور محمد عبد العال في حديث إلى "المجلة"من "أن أزمة الطاقة والنقص في الكهرباء إن حدثت في مصر قد تؤثر في توسع مراكز الأبحاث والإنتاج المرتبطة بالحوسبة السحابية. وهي تتطلب كميات كبيرة من الطاقة لتشغيل الخوادم الكبيرة وتحقيق الأداء المطلوب، وإذا كان هناك نقص في الكهرباء فقد يؤدي ذلك إلى خفض قدرة تلك المراكز على توفير الخدمات بشكل كامل أو فاعل".

font change

مقالات ذات صلة