يبدأ الفيلم بعنوان عريض يخبر المشاهد عن أرض الأحلام والفرص، ثم ينتقل إلى العيش في ولاية ريفية تطغى عليها المشاهد الطبيعية وظروف العيش القاسية. في مثل هذا العالم عاش المرشح لنائب الرئيس طفولته، حيث كان يصطدم في كل لحظة بشتى أنواع القسوة ودرجاتها. كان معرّضا لأن يعثر على سلحفاة جريحة ويقترح عليه أصدقاؤه مداواتها بانتزاع درعها، لكنه كان يعرف أن ذلك يعني موتها، فيتركها للطبيعة مؤمنا أنها ستكون قادرة على الشفاء، وأن تلك القدرة هي سمة أصلية تكمن في المكان وتشكل جزءا من قوته وطبيعته.
درع السلحفاة الجريحة الواقي، يطلق كناية عن العائلة الجريحة والحامية، وعن أميركا بوصفها تجمعا عائليا كبيرا قد تصاب بالجروح، لكنها تمتلك في الوقت نفسه القدرة على علاج نفسها. إنها مكان قاس، لكنه يوفر أيضا الحماية والشفاء. أينما كنت، ومهما فعلت، ستكون في حماية العائلة. يخوض شجارا غير متكافئ ويتعرض للضرب، لكن سرعان ما يجد أفراد العائلة حوله يحمونه ويدافعون عنه.
تمثل العائلة قيمة أساسية في الخطاب الجمهوري، لأنها تحمل معنى التماسك الأميركي الصلب، وتستند إلى أصول راسخة، لذا فإن ما يمكن أن يصيب تلك البنية من صدوع وشروخ لن يكون بسبب خلل ما فيها، بل بسبب الخروج عن نظامها، كما ورد في الكتب المقدسة وفي التعاليم المسيحية، وكما تجسّد في دورة الطبيعة والحياة.
الجدة التي تحمل وهي طفلة مصابة بلعنة الخروج عن القيم، وتنقلها إلى ابنتها والدة البطل، كأنها نسق شؤم أو ثمن لا بد من دفعه. تصبح الأم مدمنة مخدرات، وتخوض سلاسل علاقات مرضية وغير ثابتة، وتقوم بتصرفات طائشة ومجنونة تعرض الابن للخطر، ولكن ذلك كله لا يحرمها من تلك الصفة الأصلية الثابتة التي تستحق الدفاع عنها وصونها مهما كلف الأمر، وهي صفة الأم.
التماهي مع السلطة
تصرفات الأم الخطرة والمؤذية تبدو مستقلة عن تلك الصفة أو بمثابة خلل عابر لا يمكنه تفكيك عناصر الصلابة. الخطاب الجمهوري في هذا المقام يبث رسالة تدعو إلى التماهي مع عنف السلطة الأميركية الأم، وقبوله، لأنه لا يمكن تصنيفه على أنه أصلي ومنهجي، بل لا ينشأ إلا بسبب مرض أو خطأ. فالمؤسسات الشرطية، بما تمارسه من عنف واسع، لا تفعل ذلك كنسق منظم ومقصود، بل نتيجة مرض ما قد يطرأ على البنية الأمومية التي تتصف بها. من هنا، فإنه لا بد من الحكم على سلوكياتها، حتى إذا كانت خطرة وقاتلة، انطلاقا من هذا المعنى المتأصل.
عندما تجنّ الأم المدمنة وتعرض حياة الولد للخطر، سيكون، بعدما فرّ ولجأ إلى منزل سيدة، محتميا، واتصل بالعائلة وطلب الشرطة، مطالَبا بتأكيد أنه لم يتعرض لأي أذى، وأن يمتنع عن توجيه أي اتهام. أكثر من ذلك، نجده يركض صارخا معترضا على اعتقال الشرطة للأم التي كانت في حالة من فقدان كامل للسيطرة على أفعالها وسلوكها، ولا شك في أنها تمثل مصدر خطر على نفسها وعلى الآخرين.
لا بد من أن تسامح الأم لأنها عظيمة وطيبة، إنها الكناية الجمهورية عن صورة أميركا التي، وإن كانت تستند الى الجانب الأمومي، تفخخه بخطاب ذكوري حاد وعنيف. الأم تمتلك عمليا صفات، ولكنها لا تصنع أفعالا، فالفعل كله للذكور على مستوى القيم والشخصيات. العائلة تصفح عنها وتحميها، والولد الذكر حامل الإيجابية، يقود الفعل إلى المسامحة والغفران، الذي يترجم بوصفه خلاصة للحب، لكنه أيضا يضيء على القيم الأميركية التي تحض على الانطلاق والجهد والمسؤولية عن صناعة النجاح.