أضخم مكتبة شكسبيرية في العالم تحتضن وجهات النظر المتباينة حوله

تضمّ عشرات آلاف الطبعات من أعماله

Shutterstock
Shutterstock
مكتبة فولغر شكسبير في واشنطن

أضخم مكتبة شكسبيرية في العالم تحتضن وجهات النظر المتباينة حوله

ما الذي تفعله أكبر مجموعة من أعمال وليم شكسبير في العالم في واشنطن العاصمة؟

مقابل مكتبة الكونغرس، وفي الجهة المقابلة للمحكمة العليا، تقع مكتبة "فولغر شكسبير". للوهلة الأولى، يبدو المبنى الكبير ذو الطراز الكلاسيكي الجديد والمبنيّ من الرخام الأبيض مبنى حكوميا آخر. ولكن، عند الاقتراب من المدخل، يستقبلك تمثال لـ"بَك،" الجني الشرير من فيلم "حلم ليلة منتصف الصيف"، وعند قاعدة التمثال، كُتِب اقتباس يقول: "يا إلهي، ما أغبى هؤلاء البشر!".

تأسّست المكتبة على يد هنري وإميلي فولغر، وهما من أبرز فاعلي الخير في العصر الذهبي، حيث استثمرا ثروتهما التي جمعاها من صناعة النفط في جمع الطبعات الأولى لكتب شكسبير والمواد النادرة المرتبطة به. وبعد سنوات من حفظ هذه المجموعة في خزائن البنوك، قررا إقامة هذه المكتبة لتكون بمثابة نصب تذكاري لشكسبير في قلب العاصمة الأميركية. وقالت إميلي: "شكسبير هو أحد أعظم مصادرنا، وإحدى الآبار التي ننهل منها نحن الأميركيين فكرنا الوطني، إيماننا وأملنا". وعلى نحو مماثل، كان الآباء المؤسسون يعشقون شكسبير، إذ استلهموا من الطغاة الذين قدّمهم في مسرحياته ضرورة وجود ضوابط مؤسسية على السلطة.

افتتحت مكتبة فولغر شكسبير في عام 1932، ومنذ ذلك الحين وهي تقدم خدماتها لمجموعة متميزة من العلماء وعشاق المسرح. أُغلقت المكتبة في عام 2020 للقيام بعملية تجديد بتكلفة بلغت 80.5 مليون دولار، بهدف جعلها متاحة أكثر للجمهور. وأوضح غريغ بريكمان، مدير المجموعات والمعارض، قائلا: "نسعى لإزالة الحواجز. مهمتنا هي جعل المجموعة متاحة للجميع".

استلهم الآباء المؤسسون من الطغاة الذين قدّمهم شكسبير في مسرحياته ضرورة وجود ضوابط مؤسسية على السلطة

وكانت معظم مقتنيات فولغر - التي تشمل نحو 277,000 كتاب و60,000 مخطوطة - محفوظة في منشأة تخزين ضخمة تحت الأرض. ولزيادة مشاركة هذا الكنز الثمين مع الجمهور، أنشأت المكتبة صالات عرض جديدة، مضيفة مساحة بمقدار 12,000 قدم أسفل القاعة الكبرى والمسرح.

قاعة المعرض

ويأتي هذا التوسع في وقت تتعرض فيه مكانة شكسبير المرموقة في الوعي العام لتهديد متزايد، لا سيما في أميركا. فبالنسبة إلى اليمين السياسي، يُعتبر شكسبير شخصا بذيئا، حيث اختصرت المدارس في فلوريدا مسرحياته بسبب "فجورها." كما يراه البعض في اليسار شخصية استعمارية، عنصرية وذكورية. وتساءل معلمون ما إذا كان شكسبير لا يزال مهما للطلاب، واقترحوا استبدال مسرحياته بأعمال لمؤلفين من ذوي أصول ملونة أو من النساء. ولم يعد العديد من الجامعات الرائدة في الولايات المتحدة يطلب من طلاب الأدب دراسة وحدة دراسية عن شكسبير.

تسعى مكتبة فولغر لإثبات أن شكسبير ينتمي الى الجميع، حتى وإن بدا للبعض باهتا وذكوريا وقديما. تُشكل نسبة السكان السود في واشنطن 44%، ولكن خارج المجال السياسي، هناك حي يضم "أنواعا مختلفة من الأشخاص الذين لم يكونوا على دراية بمكتبة فولغر، لأن فولغر تصرفت وكأنها لم تكن على دراية بهم"، كما تقول بيجي أوبراين، مديرة التعليم في المكتبة.

لذلك، يتناول المعرض الجديد موضوع العرق بشكل مباشر. فهو يتضمن صورة لـ إيرا ألدريدج، الذي أصبح في عام 1825 أول ممثل أسود يلعب دور عطيل، وهو الدور الذي كان يؤديه حتى ذلك الحين ممثلون بيض بوجوه ملونة بالأسود. ويشير العرض إلى أن "شكسبير كان يُعتبر لفترة طويلة ملكية للثقافة البيضاء ودليلا على تفوقها". وتورطت مكتبة فولغر نفسها في هذا التاريخ الشائك. ففي عام 1932، أشاد جوزيف كوينسي آدامز، الذي أصبح أول مدير للمكتبة، بشكسبير باعتباره "حجر الزاوية" للثقافة الأنغلو-ساكسونية، والمفتاح لتشكيل أمة أميركية متجانسة بعدما "أصبحت قوى الهجرة تشكل تهديدا للحفاظ على حضارتنا الإنكليزية القديمة".

في أماكن أخرى، يكمن التحدي في جعل القطع الأثرية القديمة تبدو مثيرة للاهتمام. ففي مركز القاعة، يلقى ضوء خافت على الطبعات الأولى – أبرز ممتلكات فولغر – داخل صندوق زجاجي. في عام 1923، طُبعت نحو 750 نسخة من مسرحيات شكسبير المجمّعة، ولم يبق منها سوى 235 نسخة حتى اليوم، وتمتلك فولغر أكثر من ثلثها. ويمكن للزوار اليوم رؤية جميع النسخ البالغ عددها 82 لأول مرة. تقول أوبراين: "لقد كانت مخزنة في أبعد زاوية من أعمق قبو، والآن هي داخل الباب الأمامي".

The New York Times
مجموعة من الكتب المعروضة في مكتبة فولغر شكسبير في واشنطن

ولمساعدة الزوار على استكشاف المجموعة، استعانت مكتبة فولغر بالتكنولوجيا. إذ يسلط عرض ضوئي تفاعلي الضوء على الخصائص الفريدة للطبعات الأولى. أيها كان الأغلى؟ نسخة اقتناها هنري فولغر في عام 1903 مقابل 48,732 دولارا (ما يعادل 1.7 مليون دولار اليوم). كم منها كان مملوكا من قبل نساء؟ الثلث. يمكن للزوار استكشاف الطبعات الأولى عبر شاشات لمسية. ما بقعة الصدأ الموجودة على إحدى النسخ؟ إنها أثر لنظارات قارئ كان قد ترك نظاراته على الكتاب.

يعتبره اليمين شخصا بذيئا، كما يراه البعض في اليسار شخصية استعمارية، عنصرية وذكورية

وتقوم قاعة عرض أخرى بتدوير الكتب النادرة والمخطوطات، من "حكايات كانتربري" لجيفري تشوسر إلى "هل مات شكسبير؟" لمارك توين. في كتابه القصير، عبّر توين عن رأيه بأن شخصا آخر هو من كتب هذه الأعمال. حيث كتب: "بحسب المعلومات المتوافرة والمثبتة، لم يكتب شكسبير من ستراتفورد مسرحية في حياته. كل ما تبقى من تاريخه الواسع، كما قدمه كتاب السيرة الذاتية، مبني، طبقة تلو الأخرى، على التخمينات والاستنتاجات والنظريات والافتراضات – إنه برج إيفل من الأمور المصطنعة يرتفع عاليا في السماء".

ومن المفارقات أن هنري فولغر كان لديه شكوك مماثلة، إضافة الى العديد من قضاة المحكمة العليا الذين زاروا مجموعة المكتبة. حيث قال جون بول ستيفنز، الذي اشتبه في أن إدوارد دي فير، إيرل أكسفورد، هو المؤلف الحقيقي: "أعتقد أن الدليل على أنه لم يكن المؤلف واضح ولا مجال للشك فيه".  تقول أوبراين: "لدى الناس الكثير من الآراء المختلفة حول شكسبير. وهذا أمر يجب الاعتراف به وقبوله. هذه مسألة مطروحة للحوار" من خلال عملية التوسيع التي قامت بها، أتاحت مكتبة فولغر المجال لوجهات النظر المتضاربة.

font change

مقالات ذات صلة