حيفا- "الحرب الأخيرة" (Last War) أو "الحرب الممتدة" (Continuous War) هي فكرة محورية أحاول تقديمها للقراء، وهي تعني أننا، ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وارتباطا بما سبقه من تطورات الصراع، أمام حرب قد تستغرق سنوات، بوتائر مختلفة من الصدام، بما في ذلك حرب استنزاف متبادل ومستمر لسنوات، ولن تنتهي عمليا إلا بالوصول إلى وضعية أو صفقة تاريخية مختلفة عما حدث حتى الآن، أي وصول الشعبين في فلسطين إلى وضع جديد يترتب على تنفيذ واحد من السيناريوهات أدناه، والتي أعتقد أنها كلها غير قابلة للتنفيذ في المدى المنظور، أي خلال السنوات القريبة، وبذلك فإن "وضع الحرب" سوف يمتد لسنوات، وحتى لعقود قادمة.
أولا، التقسيم المستند إلى مصالحة تاريخية تفضي إلى دولتين مستقلتين في فلسطين، هذا الحل يعني الوصول إلى دولتين منفصلتين كاملتي الاستقلال وقادرتين على التحكم في السياسات الداخلية والخارجية لهما بغير تدخل من الطرف الآخر، وذلك بصورةٍ مغايرة عن حالة "الدولة الفلسطينية المقطوعة" والتي تتحكم فيها إسرائيل وتشكل استمرارا للواقع الكولونيالي، أو ما أطلق عليه اسم "المحمية الاستعمارية"، حتى لو سُميت دولة فلسطينية، وهي الحالة نفسها التي يجري نقاشها منذ عقدين وأكثر في دوائر مختلفة، بما فيها من نخب وقيادات فلسطينية كانت على استعدادٍ لقبول هذا الخيار.
إن تطبيق حل الدولتين، بما يترتب على ذلك من إقامة لدولة فلسطينية كاملة السيادة ومستقلة، ممكن فقط من خلال رزمة شاملة لتسوية تُفرض على الطرف الإسرائيلي وتشمل ضمانات دولية من قبل دول مركزية في العالم، على رأسها الولايات المتحدة، لتنفيذ مثل هذا الحل. وفي رأيي أن هذه الإمكانية غير مقبولة في الوضع الإسرائيلي الحالي، ولا يوجد استعداد دولي لفرضها على الطرف الإسرائيلي، وبذلك فإن إمكانيات تحقيق هذا السيناريو ضئيلة وشبه معدومة، والأفكار المتداولة حاليا والوعود من قبل جهات دولية، بما في ذلك من الإدارة الأميركية، لا تصل إلى ذلك، بل تصب في الاتجاه الذي ذكرته آنفا، وهي إقامة دولة فلسطينية تكون عبارة عن "محمية استعمارية" إسرائيلية، وذلك يعني إيجاد ترتيبات تديم الصراع ولا تنهيه.
ثانيا، الدولة الواحدة وتقاسم القوة في دولة مشتركة، أي إلى تعظيم واقع "الدولة الواحدة" بحيث يكون المخرج الوحيد تطور أحد أشكال حل الدولة الواحدة على أساس عملية إنهاء وضع الاستعمار- الكولونيالي والأبارتهايد في فلسطين التاريخية. هذا الحل لا يُفرض دفعة واحدة، إنما يبدأ بتعمق الوعي بأن حل الدولتين هو حل وهمي وغير حقيقي، وأن استمرار الصراع سوف يستنزف الطرفين ولن ينتهي أبدا، وبذلك فإن إنهاء الاستعمار الكولونيالي والأبارتهايد في فلسطين التاريخية هو الحل الوحيد الممكن، لكنه حل مبني على تغييرات تدريجية وليس حلا يُفرض فرضا، من أعلى، على الشعبين.
عملية التغيير باتجاه مجتمع أو دولة مدنية– ضمن سيرورة مشابهة لما جرى في جنوب أفريقيا- هي بالتأكيد عملية معقدة وسوف تمتد لسنوات، وربما لعقود، إلا أن هذا التوجه سيُبنى على أساس فهم أو تفاهم بين النخب في الشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني، بأننا نرمي للوصول إلى إدارة الصراع من خلال تسوية مبنية على أساس الانتقال نهائيا إلى القبول بحل "دولة واحدة" قد تتشكل في الواقع من ترتيبات مدنية وقومية أساسها الشراكة في دولة مدنية واحدة في فلسطين التاريخية، بين النهر والبحر.