ليست الحروب على أنواعها استثناءً في المنطقة أو أمرا طارئا عليها، وهو ما لا يمكن إغفاله عند قراءة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتداعياتها الخطيرة والمستمرة. صحيح أن هذه الحرب لها سياقها الخاص ولها أسبابها التاريخية ضمن الصراع المديد بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن الصحيح أيضا أن كل حروب المنطقة كانت أيضا وإن بتفاوت بينها امتدادا لهذا الصراع أو بسببه. وهو ما يدفع إلى إقامة رابط بين هذه الحرب وحروب المنطقة المتنقلة بين بلد وآخر وفي حقبات زمنية مختلفة، ولاسيما منذ غزو العراق عام 2003 ثم مع "حروب الربيع العربي" منذ مطلع العقد الماضي.
وفي استنتاج أولي يمكن القول إن المنطقة التي شهدت حروبا عديدة وطويلة على مر تاريخها الحديث يمكنها أن تتأقلم مع الحرب الحالية وأن تبني حياتها كما لو أن هذه الحرب ستستمر لسنوات، وهو ما يلوح به الإسرائيليون أصلا بين حين وآخر، وكأنهم يقولون إنهم في حالة حرب دائمة مع الفلسطينيين وأن الحرب الحالية ليست سوى محطة جديدة في تاريخ الصراع الطويل والمفتوح.
هذا ما يدفع بالتالي إلى النظر للمفاوضات الحالية بين "حماس" وإسرائيل بشيء من الحذر عندما يتم التعامل معها سياسيا وإعلاميا بقدر من التفاؤل وكأنه آن للحرب أن تنتهي، أي كأن نهايتها القريبة حتمية باعتبار أن طرفيها المتقاتلين لا يستطيعان الاستمرار في القتال إلى ما لا نهاية، أو أن استمرارها خطير لأنه قد يؤدي في لحظة معينة إلى توسعها لتتحول إلى حرب إقليمية.
وإذا كان لا يمكن من حيث المبدأ وبالنظر إلى الإطار الجيوسياسي لهذه الحرب تشبيه مفاوضاتها بتلك التي تسعى إلى حل للنزاع الأهلي السوري الذي دخل عامه الثالث عشر أو بتلك التي كانت تسعى في فترة الثمانينات إلى حل للصراع الأهلي اللبناني الذي استمر 15 عاما، فإنه لا يمكن أيضا اعتبار أن فشل هذه المفاوضات أو استغراقها وقتا طويلا هو أمر غير ممكن وغير مسموح به إقليميا ودوليا وبالأخص أميركيا.
بعبارات أخرى فإن الرغبة الدولية والإقليمية المعبّر عنها بانتهاء الحرب لا تعني بالضرورة أن الحرب ستنتهي أو أنها ستنتهي قريبا، ما دامت الرغبة في مواصلة الحرب هي الدينامية الراجحة في تل أبيب رغم كل الأصوات الإسرائيلية الداعية إلى الاستفادة من "الفرصة الذهبية" التي توفرها المفاوضات. أي إن الانقسام الإسرائيلي حول الحرب أو إدارتها والضغوط الدولية على الحكومة اليمينية الإسرائيلية ليست سببا كافيا للاعتقاد بأن هذه الأخيرة ستضطر إلى وقف الحرب في غزة ومنع توسعها على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ما دام بنيامين نتنياهو يرى أن مصلحته السياسية ومصلحة إسرائيل بحسب الرؤية اليمينية هي في استمرارها.
وهو ما يحيل إلى السؤال عن مدى تأثير الضعوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية، بل عما إذا كانت هذه الضغوط وبوتيرتها الحالية هي سبب من أسباب استمرار الحرب بالنظر إلى عدم شعور نتنياهو بضرورة الانصياع لها. وهو ما يمكن أن يُفسّر في قراءة راديكالية على أن ما يجري نوع من التواطؤ يسمح باستمرار الحرب على قاعدة أن التناقض حول كيفية خوضها لا يعني التناقض حول أهدافها النهائية. وهذا ما يدفع إلى التفكير في التناقض الرئيس بين السردية الغربية وبالتحديد الأميركية بشأن "اليوم التالي" ومسار حل الدولتين وبين ما يجري في الميدان من تقويض إسرائيلي لأسس حل الدولتين، وكأن الهدف الإسرائيلي الحقيقي من هذه الحرب هو القضاء على حل الدولتين نهائيا.