اللاجئون السودانيون في إثيوبيا... معاناة بلا حلول وتقاعس أممي

تتعلل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمماحكات بيروقراطية

أ ف ب
أ ف ب
متطوعون في جمعية خيرية يقدمون طعاما في مخيم للنازحين في مدينة القضارف السودانية في 13 يوليو

اللاجئون السودانيون في إثيوبيا... معاناة بلا حلول وتقاعس أممي

على مدى أكثر من شهرين ونصف الشهر، تستمر معاناة أكثر من 6000 لاجئ سوداني أُجبروا على اللجوء إلى غابة صغيرة في منطقة أولالا، في إقليم الأمهرا في إثيوبيا مفتقرين إلى أي نوع من أنواع الدعم الإنساني. وبدأت فصول هذه المأساة في الأول من مايو/أيار 2024.

وكانت السلطات الإثيوبية قد وزعت اللاجئين السودانيين على معسكري أولالا وكومر في إقليم الأمهرا بعد دخولهم من السودان إلى إثيوبيا فرارا من نيران الحرب. ولكن لم تستقر أوضاع اللاجئين في هذه المعسكرات بعد تعرضهم لعدد من الهجمات المتتالية من المجتمع المحلي والتي تراوحت بين السرقات، والنهب المسلح، والاعتداءات الجسدية المباشرة بالإضافة إلى ورود عدة تقارير عن حوادث تحرش جنسي واغتصاب. وهو ما دفع اللاجئين إلى اتخاذ قرار بمغادرة المعسكر والتوجه إلى مكاتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في مدينة قوندر بحثا عن حل لمشكلاتهم. لكن السلطات الإثيوبية اعترضتهم ومنعتهم من مواصلة الطريق، ما اضطرهم إلى اللجوء إلى دغل صغير في منطقة أولالا.

ويبلغ عدد اللاجئين المعتصمين في هذا الدغل ستة آلاف وثمانين سودانيا وسودانية، أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال. بالتحديد يبلغ عدد الأطفال 2135 طفلا، غير كبار السن الذين يتعذر عليهم التنقل لمسافات طويلة. في حين ظل نحو 2000 من اللاجئين الآخرين موجودين في معسكر كومر بعد أن استعصت عليهم مغادرته.

أصدر اللاجئون عدة بيانات لمخاطبة الجهات المختصة، وبالتحديد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وطرحوا قبولهم بأي من الخيارات الممكنة لحل قضيتهم وإنهاء هذه المعاناة. فإما تحويلهم ونقلهم لموقع آمن غير المعسكرات التي تعرضوا فيها للاعتداءات، وإما نقلهم خارج الحدود الإثيوبية، أو مساعدتهم في تأمين طريق عودتهم إلى السودان، وهو الذي يمر مجددا بالمناطق غير الآمنة في إقليم الأمهرا التي فروا منها بالأساس. ولم تقدم المفوضية أي معونات للاجئين في دغل أولالا، واقتصر الدعم على حملة تطوعية واسعة انتظمت فيها مجموعات واسعة من السودانيين حول العالم لمحاولة تقديم أي نوع من أنواع العون لمواطنيهم الهاربين من جحيم الحرب إلى معاناة التشرد. ولكن حتى هذه تواجهها معوقات الوصول إلى الإقليم المضطرب وشح المؤونة والدعم الذي يستطيع السودانيون توفيره في ظل هذه الظروف.

عوضا عن ذلك، قام مكتب المفوضية السامية للاجئين بتسجيل زيارتين فقط لهؤلاء اللاجئين طوال الفترة الماضية، وأصدرت المفوضية بيانا مليئا بالمغالطات حول عدد اللاجئين مدعية أنه لا يتجاوز الألفي لاجئ- وكأن العدد يصنع فرقا في حالة المعاناة التي يعيشونها أو يصنع اختلافا بشأن القصور في أداء المفوضية للدور الموكل إليها– بدلا عن تقديم معونات أو طرح حلول لتنفيذ مطالب اللاجئين السودانيين هناك. واشترطت مفوضية اللاجئين أن يعود اللاجئون إلى معسكرهم الأصلي قبل الشروع في إيجاد أي حلول للمشاكل التي طرحوها.

بلغ عدد اللاجئين المعتصمين في هذا الدغل ستة آلاف وثمانين سودانيا وسودانية، أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال. بالتحديد يبلغ عدد الأطفال 2135 طفلا، غير كبار السن الذين يتعذر عليهم التنقل لمسافات طويلة

تحدد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين دورها ومهمتها بأنها "توفر الحماية للأشخاص المجبرين على الفرار من ديارهم وكذلك الأشخاص عديمي الجنسية" بالإضافة إلى تقديم "المساعدة المنقذة للحياة خلال حالات الطوارئ"، وحماية "حقوق الإنسان الأساسية"، والمساعدة "في إيجاد حلول طويلة الأجل حتى يتمكنوا من العثور على مكان آمن ليستقروا فيه". هذا هو النص التعريفي الوارد على موقعها على الإنترنت. وهو- كما هو واضح- لا يشترط على اللاجئين تعريض أنفسهم للخطر بالعودة إلى أماكن لا يأمنون على أنفسهم فيها، خصوصا مع وجود تقارير عن تعرضهم لأخطار وانتهاكات مؤكدة. بل إن مثل هذه الأوضاع كان ينبغي أن تكون دافعا أكبر للمفوضية للتعجيل في أداء دورها وتنفيذ مهامها بتقديم المساعدة الضرورية التي يحتاجها السودانيون المجبرون على هذه الظروف.

وبشكل أكثر تحديدا، تفصل اتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وبروتوكولها الإضافي لعام 1967- وهما الوثيقتان القانونيتان الأساسيتان اللتان تحددان جوهر عمل وواجبات المفوضية السامية- في حقوق اللاجئين والعون والخدمات التي ينبغي تقديمها لهم. كما حددت بوضوح مهمة المفوض السامي بالإشراف على تطبيق الاتفاقات الدولية التي تكفل حماية اللاجئين. والمبدأ الأساس لعمل المفوضية يقوم على "ضمان وصول اللاجئين إلى بر الأمان وعدم إعادتهم إلى أوضاع تكون فيها حياتهم أو حريتهم في خطر". وهو الأمر عينه الذي تشترطه المفوضية حاليا على اللاجئين السودانيين لتقديم أي خدمات او معونات لهم تعالج الأزمة التي يعيشونها.
ومنذ أبريل/نيسان 2024، لا تسيطر الحكومة الإثيوبية بشكل كامل على الأوضاع في إقليم الأمهرا. حيث اندلعت مواجهات مسلحة بين الجيش الحكومي الإثيوبي وميليشيات "فانو" التي برز دورها بشكل كبير خلال الحرب الأهلية الإثيوبية التي اندلعت بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير التيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. كما أن انفجار الأوضاع الأمنية في إقليم الأمهرا المجاور للحدود السودانية، جعل اللاجئين السودانيين إلى تلك المناطق كالمستجيرين من رمضاء الحرب السودانية التي دمرت بلادهم وشردتهم من ديارهم، بنيران حرب ونزاع مسلح في دولة خارجية حاولوا الاحتماء بها. وفي خضم كل هذه الظروف والتعقيدات، تتعلل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمماحكات بيروقراطية غير ذات صلة بالواقع ولا بالقوانين والقواعد المنظمة لعملها لتبرير تقصيرها في أداء الأدوار الموكلة لها، خصوصا في ظل عدم تمكن الحكومة الإثيوبية المضيفة من السيطرة على الأوضاع الأمنية.

 أ ف ب
سودانيات نازحات وأطفالهن خارج خيمة في مدينة القضارف في 14 يوليو

تتلخص الحلول التقليدية والمستدامة التي تقدمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بحسب القانون الدولي في ثلاثة خيارات: العودة الطوعية، أو الاندماج المحلي، أو إعادة التوطين في بلد ثالث. ولم تخرج مطالب اللاجئين السودانيين الذين أكملوا يومهم الخامس والسبعين في دغل بالعراء في منطقة أولالا عن هذه الخيارات الثلاثة. بل إن أوضاعهم تزداد سوءا مع تردي الأوضاع في المنطقة، حيث وردت تقارير عن اختطاف مجموعات مسلحة لبعض اللاجئين- بلغ عددهم حتى الآن 48 مخطوفا- ومطالبتهم بفدية لإطلاق سراحهم. وقد وصلت هذه المطالبات لحوالي 300 ألف بر إثيوبي- وهو ما يعادل 5200 دولار أميركي- مقابل كل مخطوف.

تتلخص الحلول التقليدية والمستدامة التي تقدمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بحسب القانون الدولي في ثلاثة خيارات: العودة الطوعية، أو الاندماج المحلي، أو إعادة التوطين في بلد ثالث

تقصير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمجتمع الدولي بأسره في تناول ومعالجة مشاكل اللاجئين السودانيين لا يتوقف على أوضاع اللاجئين في إثيوبيا فحسب، فتقاعس المفوضية في تسجيل اللاجئين السودانيين في مصر أصبح مثارا للتندر بعد أن تأخر منح اللاجئين السودانيين مجرد مواعيد لمقابلة المفوضية والتسجيل بشكل مبدئي يساعدهم في تقنين أوضاعهم في الدولة المضيفة لتواريخ تقارب منتصف العام المقبل 2025، ناهيك عن تقديم أي نوع من أنواع الدعم أو الإعانة.

وعلى الرغم من أن كارثة السودان تم تصنيفها منذ وقت مبكر بأنها أكبر كارثة للاجئين حول العالم في زمننا المعاصر- حيث يقارب عدد الذين تم تشريدهم من منازلهم قرابة 12 مليون مواطن مقارنة مع نحو 7.2 مليون مواطن من سوريا و6.4 مليون مواطن من أفغانستان و6 ملايين من أوكرانيا- فإن الاهتمام الفعلي بها لم يكن بحجم الكارثة. حيث لم نسمع ببرامج معاملة خاصة للاجئين السودانيين كالخطة الإقليمية لتعزيز ودعم اللاجئين السوريين التي ترعاها وتتبناها الأمم المتحدة  عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية السامية للاجئين أو مبادرة إعادة توطين اللاجئين السوريين التي قامت بها الحكومة الكندية أو برنامج إعادة توطين السوريين المعرضين للخطر الذي أعلنته الحكومة البريطانية أو المبادرة اليابانية لمستقبل اللاجئين السوريين أو الخطط الشبيهة التي أعلنتها حكومات ألمانيا والولايات المتحدة والنمسا وهولندا استجابة للكارثة الإنسانية في سوريا. لكن ما يبدو جليا في الحالة السودانية أنها ليست عالمية وشاملة بحيث تنطبق على الجميع بالقدر نفسه.
ليس ثمة خلاف أو جدل في أنه ورغم التدخلات الخارجية الإقليمية التي ما فتئت توقد نيران الحرب وتحاول الاستفادة منها لخدمة مصالحها، فإن أزمة الحرب السودانية الحالية هي أزمة سودانية خالصة تسببت فيها جهات سودانية هي المسؤول الأول عن هذه المعاناة الواقعة على شعبنا الآن، ولكن التزامات المجتمع الدولي التي غزلت نسيج القانون الدولي الإنساني ليست مكانا للتبرير والتنصل من التعهدات التي قطعتها الإنسانية على نفسها في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وهي أيضا بالطبع ليست موضع امتنان أو محض عمل خيري بقدر ما هي حقوق والتزامات واجبة الدفع ورد دين لما شهده تاريخ العالم من استغلال استعماري على مدى سنين طويلة أوقف التطور الطبيعي للدول والمجتمعات في دول الجنوب العالمي.
ما يحدث من تقاعس في مواجهة الكارثة الإنسانية في السودان لا يقتصر على مفوضية اللاجئين ولا الأمم المتحدة فحسب، بل هو يمتد ليشمل وكالات الأمم المتحدة الأخرى والمجتمع الدولي بأسره، والذي برغم مؤتمرات التعهدات التي تم عقدها في برلين وباريس، لا يزال عجزه عن تغطية ميزانية الاحتياجات الإنسانية للسودان يبلغ 82 في المئة وفي كل الأحوال، يجد المفوض السامي لشؤون اللاجئين السيد فيليبو غراندي- الذي تتلخص مهمته بحسب المادة الأولى من الفصل الأول (الأحكام العامة) من النظام الأساسي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على تأمين حماية دولية، تحت رعاية الأمم المتحدة، للاجئين الذين تشملهم أحكام هذا النظام الأساسي- نفسه في مواجهة إثبات أن جميع اللاجئين تحت ولاية مهامه تتم معاملتهم بالتساوي، وأنه ليس ثمة لاجئون أكثر أهمية من لاجئين آخرين. خصوصا أنه عمل سابقا في السودان، وقد يتذكر أن السودان وشعب السودان كانوا على الدوام دولة مضيافة للاجئين من الإقليم والعالم.

font change

مقالات ذات صلة