السياحة المحلية في الكويت... ضرورة الاستثمار والتطوير

أنفق الكويتيون نحو 14.3 مليار دولار على السياحة خارج البلاد في 2023

Shutterstock
Shutterstock

السياحة المحلية في الكويت... ضرورة الاستثمار والتطوير

هل يمكن لأي دولة أن تحفز مواطنيها لقضاء إجازاتهم العادية وغيرها في البلاد بلا سفر وصرف الأموال خارج البلاد؟ ربما لا يمكن أن يتحقق ذلك حتى في البلاد التي تتمتع بمميزات سياحية عظيمة وتتوفر فيها الشواطئ والبحار والجبال والمناطق الخضراء الممتعة وتتيسر فيها السلوكيات الفردية والاجتماعية من دون قيود تذكر.

فما بالك في البلاد التي تعاني من ارتفاع حرارة الصيف والتقاليد الاجتماعية المتزمتة ولا تبذل الجهود الكافية لتطويع التضاريس لتكون مرحبة بالسياح. تتواتر في الكويت الدعوات للمواطنين لقضاء إجازاتهم في البلاد وعدم إنفاق الأموال الطائلة خارجها.

عناصر أساسية للسياحة المحلية

ليس هناك بيانات مدققة، ولكن التقديرات تشير إلى أن الكويتيين أنفقوا ما يقارب 14.3 مليار دولار على السياحة خارج الكويت في عام 2023. لا شك أن الرقم مرتفع عندما نأخذ في الاعتبار عدد سكان الكويت من الكويتيين والذي يقارب 1.5 مليون، كثير من المواطنين لا يغادرون البلاد وهناك من يتسمر في البلاد خلال شهور الصيف، ولذلك ربما لا يزيد من يغادر للسياحة خلال شهور السنة على نصف مليون بناء على البيانات المتوفرة من بلدان الضيافة حيث تحظى تركيا وبريطانيا واسبانيا ومصر والإمارات بأعداد معقولة من الزوار الكويتيين.

تشير التقديرات إلى أن الكويتيين أنفقوا ما يقارب 14.3 مليار دولار على السياحة خارج الكويت في عام 2023

لكن يمكن أن تكون هناك سياحة محلية في الكويت عند الأخذ في الاعتبار كل العوامل الاقتصادية والعمرانية، والبيئية، والمناخية، والاجتماعية.

بدأ المرحوم صالح شهاب عندما كان وكيلاً لشؤون السياحة في وزارة الأعلام بإطلاق مشروع الترويح السياحي. شهاب الذي ولد في عام 1924 وتوفى في عام 1985، نشط في مجال التربية البدنية والرياضة حيث عمل مدرساً منذ 1942 بعدما تلقى تعليمه في البحرين. اهتم بالعمل العام وعمل مع آخرين على تأسيس نادي المعلمين في الكويت عام 1952.

Shutterstock
قرية البحر الترفية في مدينة الكويت.

اهتم بنشر الثقافة والفنون والأعمال المسرحية، وبدأ  بتطبيق أفكاره في شأن الترويح السياحي في عام 1973 بعدما تلقى دعماً معنوياً من المرحوم الشيخ جابر الأحمد، الذي كان ولياً للعهد آنذاك. كان من الأهداف توفير بدائل محلية للسفر خلال موسم الصيف. تبنى مشروع الترويح السياحي إقامة مهرجانات ثقافية وفعاليات مسرحية وغنائية لاستهداف الكويتيين والزوار العرب والأجانب. عزز المشروع دور الفرق الشعبية الموجودة في الكويت منذ عقود طويلة والتي تؤدي الرقصات الشعبية والعرضات.

لم يتوقف عند هذه الفرق، بل عمل على جذب فرق فنية وراقصة من البلدان العربية والأجنبية، ومن هذه فرقة البولشوي للباليه الروسية، وكذلك فرق عربية مثل فرقة "الزاهر" المغربية وهي من الفرق التي تقدم الغناء والرقص بالأساليب المغربية.

ذروة النشاط السياحي في السبعينات

أنشطة الترويح السياحي في الكويت بلغت ذروتها في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي. أقامت لجنة الترويح السياحي حفلاً عامراً في عام 1978 أحيته الفرقة المغربية "الزاهر". كذلك في تلك الأعوام أقامت اللجنة معارض متنوعة، منها معرض للحرف اليدوية الكويتية القديمة، ومعرض لرسوم الأطفال ومسابقات ترتيل القرآن ومهرجانات للشعر.

تغيرت الأوضاع بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في 1991 حيث انتشرت المعتقدات الدينية المتزمتة وغيبت الفعاليات الاحتفالية وزاد التضييق على الحريات الفردية. الأمورحاليا أخذت تتطور لصالح الانفتاح السياحي

لا شك أن تلك الفعاليات جذبت العديد من المواطنين ومكنتهم من الاستمتاع بالسياحة المحلية، كما كان يوصّفها القائمون عليها. لكن الأوضاع في ذلك الحين كانت تتسم بالانفتاح الاجتماعي والمرونة الفكرية والاعتدال السياسي. هذه الأوضاع تغيرت كثيراً بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في عام 1991 حيث انتشرت المعتقدات الدينية المتزمتة وغيبت الفعاليات الاحتفالية وزاد التضييق على الحريات الفردية.

الأمور في الوقت الحاضر أخذت تتطور لصالح الانفتاح السياحي والترويحي، وهناك اهتمام متزايد من الحكومة والمؤسسات الخاصة لتفعيل النشاط المحلي. تظل الأمور غير يسيرة وتتطلب معالجات جادة لتوسيع قاعدة السياحة المحلية وتطوير المنشآت والمنتجعات وتعزيز دور المتخصصين من أجل تحفيز المواطنين وغيرهم للاستفادة من إمكانات البلاد الفنية والترويحية، واستثمار البحر، والبر، بشكل واسع.

مشروعات سياحية ومراكز ترفيهية ونواد بحرية

تأسست شركة المشروعات السياحية في أبريل/نيسان من عام 1976 بهدف إنشاء وتملك مشروعات سياحية ومراكز ترفيهية ونواد بحرية ومدن ملاهٍ وغيرها من منشآت للترفيه والتسلية. تأسست الشركة برأسمال مدفوع بالكامل من الحكومة، أي إنها شركة قطاع عام. أهم المنشآت كانت أبراج الكويت ومدينة الخيران السياحية والمدينة الترفيهية، التي أغلقت قبل عدة عقود.

.أ.ف.ب

كان هناك منتجع فــــــي فيلكا، يتمثل بعدد من الشاليهات التي كان الزبائن يستأجرونها يومياً أو لفترة زمنية أطول، لكن هذا المنتجع تدمر أثناء الاحتلال العراقي للكويت إلى جانب المساكن في فيلكا، ولم يتم حتى الآن، بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على تحرير البلاد، أي تطوير أو إعادة بناء للمنتجع، وأصبحت فيلكا، وهي من أفضل الجزر في البلاد وتصلح للسياحة والاستجمام، خاوية على عروشها. منتجع الخيران يمثل تطوراً مهماً في أعمال شركة المشروعات السياحية وقد أفتتح في فبراير/شباط 1987 ويحوي المنتجع 148 شاليهاً مؤثثاً تأثيثاً كاملاً ويمكن لثمانية نزلاء الإقامة في الشاليه. تتوفر خدمات متنوعة في المنتجع ومنها مطاعم ومقاه ومراكز رياضية وحمامات سباحة، علماً بأن موقع المنتجع على البحر مباشرة في منطقة الخيران جنوب الكويت. وتتفاوت أسعار الشاليهات حسب مساحاتها. هذا المنتجع أصبح يواجه منافسة  القطاع الخاص في مدينة صباح الأحمد البحرية وغيرها من مناطق ساحلية خلال السنوات الأخيرة.

مشروع تطوير جزيرة فيلكا مسألة أشبعت بحثاً ودراسات لإقامة منتجعات ومراكز تسوق ومتاحف وميناء يخوت. يكلف نحو 4 مليارات دولار، لكنه سيوفر 3 آلاف فرصة عمل، ويحقق دخلاً للخزينة 

الاهتمام بالاستجمام والتمتع بالبحر والبر، مسألة متأصلة في المجتمع الكويتي. كان الكثير من أثرياء الكويت يقيمون الاستراحات في مناطق جنوب البلاد ويستخدمونها في نهاية الأسبوع. عدد منهم أقام المزارع في القصيم في السعودية ومزارع النخيل في البصرة في العراق. انتشرت الاستراحات خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، وازدادت عدداً في جنوب البلاد حيث أقامت شركة الفنادق الكويتية شاليهات في منطقة الضباعية ومكنت العائلات الكويتية من استئجارها إيجاراً طويل الأمد. بعد ذلك تمكن العديد من المواطنين من الحصول على حق الانتفاع لاستخدام أراض على ساحل البحر في منطقة بنيدر وجنوبها وإقامة شاليهات على حسابهم الخاص بموجب حق الانتفاع الطويل الأجل، ويدفع المستفيدون تكاليف الكهرباء والمياه بأسعار غير مدعومة. 

ويمكن لأي زائر لهذه المناطق أن يرى العديد من هذه الشاليهات التي تعج بقاطنيها خلال العطل الأسبوعية أو في الأعياد الدينية والرسمية. وتتفاوت المساحات حسب مقدرة الملاك، وهناك شاليهات تتوفر فيها الخدمات الكاملة مثل حمامات سباحة وغيرها من منافع، ومساحاتها كبيرة. هذه الشاليهات متواصلة مع شاطئ البحر بشكل أو بآخر. لكنها تظل غير متاحة لأي مواطن أو مقيم وهي لاستخدام أصحابها فقط. يعني ذلك أن هناك فئات واسعة من المواطنين وغيرهم لا يمكن لهم التمتع بالإقامة في هذه الشاليهات وهم من الذين ينتمون الى الطبقة الوسطى أو ما دونها.

تطوير جزيرة فيلكا لتصبح مزاراً سياحياً

إعادة تعمير فيلكا مسألة أشبعت بحثاً ودراسات منذ بداية هذا القرن. فقد اعتمد موضوع تطوير جزيرة فيلكا لتصبح مزاراً سياحياً جاذباً في المخطط الهيكلي في عام 2006. وأصبح الأمر مطروحاً للإنجاز ضمن خطة الحكومة (2023/ 2027). يهدف المشروع إلى اقامة منتجعات ومراكز تسوق ومتاحف وميناء يخوت. وقد يكلف 4 مليارات دولار حسب التقديرات الحكومية لكنه سيوفر 3 آلاف فرصة عمل، كما أنه قد يحقق دخلاً للخزينة العامة يصل إلى 80 مليون دينار، أو ما يزيد على 250 مليون دولار سنوياً. تعتبر عملية تأجيل إنجاز المشروع معضلة إدارية كويتية بامتياز، حيث تتأخر عملية صناعة القرار، وبعد ذلك تتعطل إجراءات التنفيذ.

مثل هذا المشروع كان يمكن تكليف القطاع الخاص لإنجازه، وتوظيف الأموال الخاصة بعد أن تتوفر كل المتطلبات الإدارية والأراضي اللازمة، وتحدد المعايير اللازمة للمنتجعات وغيرها من خدمات ومنشآت ضرورية. غني عن البيان أن إنجاز المنتجع لا يعني أن الكويتيين سيتوقفون عن السفر إلى الخارج، ولكن المشروع يمكن أن يساهم في توفير منافذ ترويح للمواطنين والمقيمين في مواسم الأعياد والعطل الاسبوعية وغير ذلك من مناسبات. يعول الكثير من الكويتيين على الحكومة الحالية لتطوير جزيرة فيلكا خلال السنوات القليلة المقبلة ويأملون أن يتمكنوا من التمتع بالميزات المتوافرة فيها.

المدينة الترفيهية التي كانت تعد من مدن الملاهي المخصصة للصغار مثل "ديزني لاند" وغيرها من مدن في العديد من البلدان توقفت منذ أكثر من ثلاثة عقود

أما المدينة الترفيهية التي كانت تعد من مدن الملاهي المخصصة للصغار مثل "ديزني وورد" و"ديزني لاند" وغيرها من مدن في العديد من البلدان توقفت منذ أكثر من ثلاثة عقود. أقيمت المدينة غرب مدينة الكويت وافتتحت يوم 13 مارس/آذار، 1984، وتبلغ مساحتها مليون متر مربع. كانت هذه المدينة متاحة للأطفال وصغار السن وشملت مختلف الألعاب التي تتوفر في مختلف مدن الألعاب المعروفة.

وأتُخذ قرار بإغلاق المدينة نهائياً في عام 2016 بعدما تدهورت منشآتها بعد الاحتلال. أخيراً أقرت اللجنة الفنية في المجلس البلدي تكليف الهيئة العامة للاستثمار لإنجاز المشروع. تملك الهيئة الأموال اللازمة ويمكنها المشاركة مع شركات القطاع الخاص لتطويرها. ويعتبر هذا الإنجاز إذا تم، مساهمة مهمة في تعزيز أوضاع السياحة المحلية والترفيه في البلاد. يضم الشعب الكويتي نسبة عالية من صغار السن والشباب الذين يتوقون للترفيه والتسلية والترويح في كل الأوقات، لذلك فإن أي منشأة سياحية ستجد اقبالاً ملائماً وستحقق النتائج المالية الجيدة.

Shutterstock

أجرت جهات متخصصة دراسات عدة حول السياحة في الكويت وبينت  أن السياحة يمكن أن تساهم بشكل جيد في الناتج المحلي الإجمالي. بطبيعة الحال يجب ألا نتوقع أن تكون المساهمة كبيرة، وربما لن تتجاوز في أحسن الأحوال نسبة الخمسة في المئة.

شكوى الفنادق في الكويت

تضم الكويت، أيضا، عدداً من الفنادق من مختلف المستويات تبلغ سعتها 7616 غرفة. أقيمت من أجل استقبال الزوار من رجال الأعمال والسياح، ولكن أصحابها يشكون من إنخفاض نسبة الإشغال، ولذلك هي تعتمد على الحفلات والأعراس والمؤتمرات وخدمات الطعام. تقدم هذه الفنادق في مواسم الأعياد والإجازات عروضا بأسعار مغرية للسكان المحليين للإقامة، لكن إقبال المواطنين والمقيمين على الإقامة في الفنادق يظل متواضعاً. تعتمد الفنادق على الزوار من بلدان الخليج بشكل أساسي، خصوصاً العائلات، عندما تكون هناك مهرجانات تسويق أو حفلات غنائية. مهما يكن من أمر، فإن هذه الفنادق لا يمكنها مضاهاة فنادق دول الخليج الأخرى مثل الإمارات والبحرين وقطر والسعودية التي أصبحت تواجه طلبا متزايد في السنوات الأخيرة. إذاً يتطلب تحريك عملية السياحة المحلية في الكويت إنجاز مشروعات ترويحية تجذب السكان المحليين، كما يتطلب تعديل منظومة القيم بما يشجع الآخرين لزيارة البلاد.

font change

مقالات ذات صلة