رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، الذي يوصف بأنه الرجل القوى في العراق، خصّ "المجلة" بحديث شامل ونادر، قدم فيه رؤيته لاستقلالية القضاء العراقي وعلاقته بالقوى السياسية في البلاد، إضافة إلى موقفه من علاقات العراق بمحيطه العربي والإقليمي وأميركا.
يقول زيدان إنه منذ توليه رئاسة مجلس القضاء بداية العام 2017 "نخوض معركة شرسة لبناء قضاء مستقل يرسخ مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في الدستور"، قائلا: "نحن الآن فخورون جدا بما حققناه من كوننا سلطة مستقلة تماما عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا إنجاز ينفرد به العراق بالمقارنة مع الدول العربية ودول المنطقة، وبعد أن تولينا رئاسة مجلس القضاء نجزم وبثقة أن هذه الاستقلالية تامة وبشكل مطلق".
ودافع عن جلوس رئيس مجلس القضاء الأعلى، أو رئيس المحكمة الاتحادية في اجتماع الرئاسات الثلاث في "أحداث تشرين" عام 2019، موضحا: "في أحيان قليلة أخرى يحصل ظرف ذو طبيعة قضائية لذا يعقد اجتماع يحضره إضافة إلى الرؤساء الثلاثة أعلاه رئيس مجلس القضاء الأعلى ويسمى اجتماع (السلطات الثلاث) وليس الرئاسات لكن تختلط التسميات في الإعلام لذا أحيانا يسمى اجتماع (الرئاسات الأربع)".
وأضاف: "حضوري أنا كان يقتصر على الاجتماعات التي تدرج ضمن جدول أعمالها قضية قضائية ومثاله الاجتماعات التي حصلت سنة 2019 وما بعدها لأن هذه اجتماعات كانت تتضمن مناقشة إجراءات القضاء في "أحداث تشرين" من حيث صدور مذكرات توقيف بعض المتظاهرين أو التحقيق في جرائم قتل المتظاهرين أو رجال الأمن والتحقيق في الجرائم التي رافقت المظاهرات وهذه قضايا لا يمكن (للرؤساء الثلاثة) مناقشتها وحدهم بل لا بد من وجود تمثيل للقضاء في هذا الاجتماع بشخص رئيسه لذا كنا نحضر هذه الاجتماعات".
وسئل عن علاقته برئيس المحكمة الاتحادية، فأجاب: "علاقتنا إيجابية شخصيا ووظيفيا كونه عمل تحت إدارتنا لسنوات طويلة، وبحكم هذه العلاقة رشحناه سنة 2021 لتولي منصب رئيس المحكمة الاتحادية، أما الخلاف في وجهات النظر القانونية فمسألة طبيعية ولا يعني وجود خلاف شخصي".
وعن شرط حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب في انتخاب الرئيس أو تشكيل الحكومة، قال زيدان: "شرط الثلثين ليس من اجتهاد القضاء إنما هو نص دستوري ومعمول به منذ سنة 2005 في انتخاب الرئيس الراحل جلال طالباني، ومن ثم الرئيس الأسبق فؤاد معصوم، والسابق برهم صالح، وأخيرا عبداللطيف رشيد".
وأكد عدم اهتمامه بلعب دور سياسي أو ترؤس الحكومة، موضحا: "قبل تشكيل آخر ثلاث حكومات عرض علينا تولي منصب رئيس مجلس الوزراء من جهات متعددة، وفي كل مرة كنا نرفض ذلك لأسباب عديدة أهمها عدم رغبتنا في ممارسة العمل السياسي ورغبتنا في الاستمرار بالعمل القضائي لإكمال رسالتنا في بناء القضاء الذي نطمح إليه". وزاد: "قناعتنا في عدم إشغال منصب رئاسة مجلس الوزراء باقية حتى في حال إحالتنا إلى التقاعد".
وعن علاقة بلاده بالدول العربية والإقليمية قال: "العراق بلد عربي وهذه حقيقة لا يمكن لأحد نكرانها وعلاقة العراق بمحيطه العربي علاقة القلب بالجسد كل منهما مهم للآخر. أما علاقته بدول الإقليم فهي الأخرى علاقة واقعية حتمية يفرضها الواقع الجغرافي والاجتماعي وإزاء هذه الحقائق يحرص العراق على أن تكون علاقاته إيجابية مع الجميع وفق قواعد احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية".
كما دافع عن علاقة بغداد بواشنطن، قائلا: "من خلال لقاءاتنا الشخصية مع القادة السياسيين في العراق وكذلك مع من يمثل أميركا (...) نلمس من خلال هذه اللقاءات أن هناك رغبة متبادلة بين الدولتين في استمرار العلاقة الإيجابية وفق اتفاقات ثنائية تنظم أطر هذه العلاقة مستقبلا". وقلل من أهمية سعي نائب أميركي لممارسة ضغوط عليه، قائلا: "لا ننظر باهتمام إلى ما صدر من هذا النائب الأميركي لأننا نعرف جيدا موقف الإدارة الأميركية وكذلك موقف الكونغرس بشكل عام".
وأضاف: "إننا نعرف الأسباب الحقيقية التي دعت هذا النائب للتصريح بما صرح به وهو بالتأكيد تصريح غير دقيق ومبني على معلومات غير صحيحة مقدّمة له من أشخاص عراقيين متضررين من قرارات القضاء منهم موجودون داخل العراق وآخرون هاربون خارج العراق كونهم مطلوبين للقضاء، وللأسف يعتقدون واهمين أن هكذا تصريحات يمكن أن تؤثر علينا".
وهنا نص الحديث الذي أجرته "المجلة" عبر تطبيق "واتساب":
• كيف تصفون دوركم في مجلس القضاء الأعلى وتفعيل دوره في استقلالية القضاء وحياديته؟
- في بداية عام 2017 تسلمنا منصب رئاسة مجلس القضاء الأعلى وكان هاجسنا الأول تعزيز استقلالية القضاء وحياديته لأن هذا الهاجس هو حلم أي قاضٍ منذ اليوم الأول لعمله في القضاء بأن يكون مستقلا وحياديا وغير مرتبط بأي جهة، لذا حققنا إنجازا في هذا السياق يتمثل في فك ارتباط المعهد القضائي إداريا من وزارة العدل وضمه إلى مجلس القضاء، وحصل ذلك في منتصف عام 2017 بعد أشهر من تولينا المنصب. وكان لهذا الإنجاز أثر مهم في شعور طالب المعهد القضائي بأنه لا يحتاج تزكية أو تدخل حزب باعتبار أن وزارة العدل هي من حصة الأحزاب في تشكيل أي حكومة.
لهذا حرصنا على أن يشعر القاضي منذ اليوم الأول للدراسة في المعهد القضائي بالاستقلالية التامة. كذلك زرعنا في نفوس جميع القضاة الثقة بالنفس وحررناهم من عقدة تدخل الجهات السياسية وغيرها في تغيير أماكن عملهم أو منحهم أو حرمانهم من المناصب القضائية في حال عدم الاستجابة لطلباتهم والآن القاضي يشعر بالقوة والطمأنينة في اتخاذ القرار الذي يقتنع به وفق القانون.