آذر نفيسي لـ"المجلة": معارضتي للنظام الإيراني وجودية

الكاتبة الإيرانية الأميركية تتحدث عن الثقافة والسياسة

Axel Rangel Garcia
Axel Rangel Garcia

آذر نفيسي لـ"المجلة": معارضتي للنظام الإيراني وجودية

آذر نفيسي، كاتبة إيرانية أميركية بارزة وأستاذة الأدب الإنكليزي في جامعة جونز هوبكنز بواشنطن. ولدت في طهران، عام 1955. تقيم في أميركا منذ 1997 وقدمت مساهمات أكاديمية وإبداعية.

يعد كتابها "أن تقرأ لوليتا في طهران" (صدر في 2003) من أكثر الكتب مبيعا وترجم إلى أكثر من 30 لغة بينها العربية. كتبت فيه مذكراتها حول تجربتها في تدريس الأدب لإيرانيات بعد "الثورة". ومن أعمالها البارزة "أشياء كنت ساكتة عنها"، و"جمهورية الخيال: أميركا في ثلاثة كتب"، و"ذلك العالم الآخر". صدر أحدث كتبها، "اقرأ بشكل خطير: القوة للأدب في الأوقات العصيبة" في مارس/آذار 2022.

شغلت مناصب قيادية أكاديمية، بما في ذلك إدارة "مشروع الحوار والمحادثات الثقافية" في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز. وقد نالت أعمالها إشادة من النقاد وحصلت على عدد من الجوائز بينها جائزة "Booksense" لأفضل كتاب غير روائي لعام 2004.

  • نشرتِ مذكراتك وكتبا فكرية تناقش حقوق المرأة الإيرانية وأهمية الأدب والإبداع، بدءا من "أن تقرأ لوليتا في طهران" إلى كتابك الأخير "اقرأ بشكل خطير: القوة للأدب في الأوقات العصيبة". كيف ساهمت هذه الرحلةفي تغييرك؟

"أن تقرأ لوليتا في طهران" كانت مذكراتي عن التدريس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و"أشياء كنت ساكتة عنها" كانت مذكراتي الشخصية عن عائلتي وبلدي. أما باقي كتبي فعبارة عن مزيج من المذكرات ومناقشة الأدب. ساعدتني الكتابة عن تجاربي بشكل عام في فهم نفسي والعالم بشكل أفضل. لقد ساعدني ذلك في فهم والدي، وحلّ الكثير من المظالم القديمة التي كانت لديّ.

القراءة الخطيرة

  • في "اقرأ بشكل خطير"، استخدمت الرسائل الموجهة إلى والدك كأسلوب سردي. ألا تخبريننا بالمزيد عن هذا الكتاب؟

لم أرغب في أن يكون كتابي عبارة عن مقالات مباشرة. أردت طريقة أكثر حميمية وشخصية للتعبير عن نفسي. كان شكل الرسالة حميميا، كما منحني مساحة تُمكنني من خلالها مناقشة أفكاري. اخترت توجيه الرسائل إلى والدي لأنني مذ كنت في السادسة من عمري حين سافر والدي إلى أميركا للدراسة، تبادلت الرسائل معه.

الكتّاب والنساء والأقليات والشعراء والفنانون والصحافيون هم الأهداف الأولى للقمع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية

أثناء وجوده في أميركا كتب لي رسائل عن كل ما فعله أو قرأه. وأخبرني أنني يوما ما سأفهم كل ما كتبه لي. وقال إن هذه الرسائل وسيلة لتسجيل حياتنا، من كنا ومن نريد أن نكون. وعندما كبرت، واصلنا كتابة الرسائل، وتحدثنا عن كل شيء بدءا من الأفكار الفلسفية حتى طعم الآيس كريم! الكثير من الأفكار الواردة في هذا الكتاب كان مبنيا على رسائلي ومحادثاتي السابقة مع والدي.

  • يسلط "أن تقرأ لوليتا في طهران" الضوء على حياة المرأة الإيرانية خلال فترة محددة. كيف ساهمت تجاربك كامرأة وباحثة في عملية الكتابة؟

كما الحال في معظم الدول الشمولية، كان الكتّاب والنساء والأقليات والشعراء والفنانون والصحافيون هم الأهداف الأولى للقمع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لذلك، منذ بداية الثورة، وجدت نفسي، كامرأة وكاتبة وقارئة ومعلمة وأم، معارضة للنظام. ولم تكن هذه المعارضة سياسية فحسب. لم أكن أنتمي إلى أي جماعة أو منظمة سياسية، وكانت هذه المعارضة وجودية، وكان علي أن أقاتل من أجل الدفاع عن القيم والمبادئ التي شكلت هويتي.

معرفة الذات

  •  الكتابة الذاتية تخفف عنا آلامنا وتمنح صدق التجربة بعدا أعمق لدى القارئ، هل تتفقين معي؟ وهل تظل هويتنا الأساسية أصيلة داخلنا على الرغم من بعدنا عن وطننا الأم؟

أعتقد أن الكتابة والقراءة هما طريقتان لمعرفة العالم ومعرفة أنفسنا. الكتابة والقراءة متجذرتان في سمتين إنسانيتين للغاية: الأولى هي الفضول، والثانية هي الرغبة في المعرفة والاستكشاف.

المعرفة الخيالية وسيلة لإدراك العالم والارتباط به وتغييره.لهذا السبب يعدّ الإبداع مهماً، فهو يساعدنا في فهم أنفسنا والعالم

ومن خلال هذا الفضول يجد الكتاب والقراء التعاطف، واكتشاف مقدار ما نتشاركه كبشر بعضنا مع بعض.

رائع أن نعترف بأننا جميعا مختلفون ويجب أن نسعد باختلافاتنا، ولكن في الوقت نفسه، نسعد أيضا من خلال القراءة والكتابة بما لدينا من قواسم مشتركة، بإنسانيتنا المشتركة. القراءة والكتابة تربطاننا بالآخرين، وبالعالم.

  •  تُعرّف كتاباتك دائما بأنهاوسيلة للمقاومة. متى أدركتقوة الأدب وأهميته؟

بدأت علاقتي بالأدب عندما كان عمري ثلاث سنوات ونصف السنة تقريبا. كل ليلة كان والدي يحكي لي قصة قبل النوم. أخبرني قصصا من إيران ومن جميع أنحاء العالم، وكأننا نسافر كل ليلة إلى بلد جديد، ونتعرف إلى أشخاص جدد. في تلك السن المبكرة، لم أكن أجيد التعبير عن رد فعلي تجاه القصص، لكن عندما كبرت أدركت قوة القصص: من خلال القصص كان يأتيني العالم كله وأنا في غرفتي الصغيرة في طهران. من خلال القصص أيضا، يمكنني السفر حول العالم في ذهني وقلبي.

  •  ذكرت في مقابلة سابقة أنه يجب على الإنسان تعزيز الخيال والأفكار في مواجهة المادية والعدوانية اللتين أصبحتا تسيطران على العالم. حدثينا أكثر عن وجهة نظرك في هذا الشأن.

الخيال والأفكار يحدثان هذا التغيير من خلال الفهم وإدراك الحقيقة، وليس من خلال الكراهية أو العداء. يمكننا القول إن الكتب العظيمة تبحث دائما عن الحقيقة، ولا شك أن هذا الأمر تكرهه العقليات الشمولية.

تغيير العالم

  •  تدرّسين علم الجمال والثقافة والأدب، إلى أي مدى تعتقدين أن الإبداع يمكن أن يغير أفكار القارئ؟

أعتقد أن المعرفة الخيالية هي وسيلة لإدراك العالم والارتباط به وتغييره. لهذا السبب يعدّ الإبداع مهما، فهو يساعدنا في فهم أنفسنا والعالم، ويساعدنا في النظر إلى أنفسنا والعالم بطريقة جديدة.

  • كيف تساعدك الكتب النقدية على فهم نفسك كشخص مبدع؟

النقد ضروري في الكتابة، وأنا أرحب به، لأنه وسيلة للنظر إلى نفسي من خلال عيون الآخرين، وطريقة لكشف ما هو مخفي. تخلق القراءة والكتابة مساحة يمكننا من خلالها إجراء خطاب نقدي والتبادل مع الآخرين.

خصوصية الأدب الأميركي تكمن في أن الكثير من أبطال الرواية مواطنون مهمشون، وعلى الرغم من ذلك يتمتعون بالكرامة والإنسانية

  • إلى أي مدى تعتقدين أن القراء العالميين لا يزالون مهتمين بقراءة الأدب المحلي، ولماذا لا نجد حركة ترجمة قوية وعادلة للأدب الشرقي، مقارنة بالترجمات الشرقية للأدب الغربي؟

في الغرب، هناك ندرة في المعرفة الخاصة بالتاريخ والثقافة الغنية لدول الشرق الأوسط. هم يعرفوننا بشكل رئيس من خلال السياسة. على سبيل المثل، مصر وإيران، وهما بلدان قديمان يتمتعان بثقافة غنية تعود إلى آلاف السنين. يعرف الأميركيون القليل جدا عن هذه الثقافة، ولكن عندما يكتشفونها يتفاجأون ويتوقون لمعرفة المزيد. لذلك يجب أن نجد طرقا للوصول إلى العالم من خلال الأدب والفكر. لأنهما يتجاوزان الحدود والقيود. من خلال التاريخ والخيال، نتواصل مع العالم، وبينما نقدر اختلافاتنا، فإننا نقدر أيضا مدى تشابهنا. عندما يقرأ الأميركيون، مثلا، روايات نجيب محفوظ يكتشفون أنهم يشتركون في إنسانيتهم المشتركة. ويكتشفون ما هو مشترك بين المصريين والأميركيين.

جمهورية الخيال

  • "بيبي والصوت الأخضر"، كتابك الوحيد للأطفال. حدثينا أكثر عن هذه التجربة...

هذه القصة مبنية على تجربتي الشخصية. عندما كنت في الخامسة من عمري انتقلنا من المنزل الذي أحببته كثيرا إلى منزل جديد. شعرت بالوحدة لأن أخي كان قد ولد للتو وكانت مربيته تكره الفتيات وتحب الصبيان فقط. لذلك شعرت بالوحدة الشديدة. من تلك التجربة، وبعد ذلك من تجربتي مع الحرب والثورة، تعلمت أن كل ما نسميه الوطن يمكن أن يؤخذ منا. إننا بحاجة إلى عالم محمول، عالم من الخيال والأفكار التي يمكن أن تأخذها معك أينما ذهبت.

Reuters
الكاتبة الإيرانية الأميركية آذر نفيسي
  • اخترت في كتابك "جمهورية الخيال" أن تكتبي عن ثلاثة أعمال من الأدب الأميركي الكلاسيكي، وهي "مغامرات هاكلبيري فين" لمارك توين، و"بابيت" لسينكلير لويس، و"القلب صياد وحيد" لكارسون ماكولرز. ما المعايير التي استخدمتها لاختيار هذه الأعمال؟

أعتقد أن خصوصية الأدب الأميركي تكمن في أن الكثير من أبطال الرواية هم مواطنون مهمشون، وعلى الرغم من ذلك يتمتعون بالكرامة والإنسانية. يعد هاكلبيري فين وجيم عند مارك توين في رواية "مغامرات هاكلبيري فين" أفضل الأمثلة على هؤلاء الأبطال المهمشين. كما تدور أحداث رواية "القلب صياد وحيد" أيضا حول الشخصيات المحرومة ماديا ولكنها تحافظ على إحساسها بالكرامة. وأردت أيضا إظهار الشخصيات المعاكسة لهذه الشخصيات المهمشة. يمثل "بابيت" لسينكلير لويس المادية الأميركية وجشع الشركات. أنهيت الكتاب بخاتمة عن بالدوين، الذي أعتقد أنه يمثل بطل الرواية المهمش في أميركا القرن العشرين.

البلد الذي ولدت فيه، يعتبر كتابة المذكرات الشخصية نوعا من المحرمات، ولم يكن من المعتاد القيام بذلك

  • أخيرا، في ما يتعلق بكتابك "أشياء كنت ساكتة عنها" وهي روايتك الثانية عن والدتك التي ذكرت أنها كانت ذكية وقوية. هل يمكنك أن تخبرينا بالمزيد عن مراحل كتابة النص؟ هل كانت لديك أية مخاوف خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققته روايتك الأولى؟

توفي والداي في وقت متقارب واحدهما بعد الآخر. توفيت والدتي عام 2003، ثم توفي والدي عام 2004. وبصرف النظر عن الحزن الذي شعرت به، فقد شعرت بالذنب أيضا. لم أستطع العودة إلى إيران لأكون معهما وأمسك بأيديهما وأخبرهما أنني أحببتهما دائما رغم كل شيء. أحزنني أنني لم أخبرهما بمشاعري بما فيه الكفاية. لكن الأهم من ذلك كله، أن موتهما جعلني أشعر وكأنني في حاجة إلى محادثة جديدة معهما، محادثة صريحة مهما كانت مؤلمة. كانت كتابة هذا الكتاب من أصعب التجارب التي خضتها على الإطلاق. بالإضافة إلى حقيقة أن البلد الذي ولدت فيه، تعد كتابة المذكرات الشخصية فيه نوعا من المحرمات، ولم يكن من المعتاد القيام بذلك. لكن الكتابة كانت أيضا نوعا من التحرر، لأنها جعلتني أفهم والديّ  ونفسي. حين انتهيت من الكتابة، صرت أكثر فهما لأمي وألمها وحزنها.

font change

مقالات ذات صلة