شكوك حول خطة الاحتياطي الأميركي

شكوك حول خطة الاحتياطي الأميركي

[caption id="attachment_689" align="aligncenter" width="620" caption="شكوك حول خطة الاحتياطي الأميركي"]شكوك حول خطة الاحتياطي الأميركي[/caption]إذا كان هناك شيء واضح في نتائج قمة الدول العشرين التي اجتمعت في سول في كوريا الجنوبية، فهو أن الولايات المتحدة تركت القمة في وضع أسوأ مما بدأت عليه. عكس رفض الصين وألمانيا القوي للاقتراح الأميركي باستهداف موازنات الحساب الجاري، رغبة هاتين الدولتين النسبية في تحمل "لعبة" تخفيض قيمة العملة التنافسية. في الوقت ذاته، توضح احتجاجات الاقتصادات الناشئة على خطط التيسير الكمي التي أعلنها الاحتياطي الفيدرالي، الثقة الجديدة التي تتمتع بها هذه الدول في تأكيد مصالحها الاقتصادية في مواجهة الولايات المتحدة. ولكن أعلن الاحتياطي الفيدرالي أن خطته لا تستهدف تخفيض قيمة الدولار، وهو ما تخشى الاقتصادات الناشئة من أنه سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار العملات وظهور فقاعات أرصدة في الخارج.

ولكن سدد قرار الاحتياطي الفيدرالي ضربة قوية لاستراتيجية إعادة التوازن الاقتصادي الأميركية. ولم تتضاءل شكوى الصين من خطط المصرف الفيدرالي بالإعلان عشية اجتماع القمة أن فائضها التجاري في أكتوبر (تشرين الأول) قفز إلى 27.1 مليار دولار، بعد أن كان 16.9 مليار دولار في الشهر السابق، على الرغم من احتجاجات المسؤولين الأميركيين وتهديدات الكونغرس بفرض تعريفات جمركية انتقامية لمواجهة تثبيت الصين لسعر العملة.

ولم يذكر البيان الختامي للقمة حتى سياسة العملة في الصين، على الرغم من انزعاج اقتصادات آسيوية أخرى من تحدي الصين لأسعار الصادرات الإقليمية عن طريق انخفاض قيمة اليوان. وفي الوقت ذاته، بدد الرئيس الأميركي باراك أوباما الكثير من رأسماله السياسي بعدم عقده اتفاقية تجارة حرة مع نظيره الكوري الجنوبي لي ميونغ باك، عشية انعقاد القمة. وكل ذلك من أجل خطة تيسير كمي تتفوق مخاطرها على فائدتها غير المؤكدة. ولا يتفق اقتصاديون أميركيون، من بينهم أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي ذاته، على ما إذا كانت الخطة ستنجح أم لا.

ويدعم العديد من الاقتصاديين الأميركيين قول المصرف الفيدرالي بأنه، على الرغم من شكوك السوق الناشئة، فإن التيسير الكمي ليس تخفيضا عمديا لقيمة الدولار. وفي حين من الممكن أن يكون ذلك صحيحا، تبدو فكرة أن هذه السياسة سترفع إجمالي الطلب من خلال تأثير ثنائي مريبة. كما تشير الحجة وراء هذه السياسة، سيزيد التأثير الأول من طلب المستهلك من خلال انخفاض معدلات الرهن العقاري (المدفوع إلى حد كبير بمعدلات وزارة الخزانة طويلة المدى)، والتي تسمح للناس بزيادة القيمة العقارية لمنازلهم من خلال إعادة التمويل. وفي حين تنخفض أرباح السندات طويلة المدى، سيبدأ المستثمرون أيضا في جمع الأسهم ذات العائدات الأكبر، مما يرفع بصورة غير مباشرة من دخل الأسر، وبالتالي يحقق ثقة المستهلك ويزيد من إنفاقه. أما التأثير الثاني فيعتمد على الشركات الأميركية، التي ستستجيب نظريا لانخفاض تكاليف الاقتراض بزيادة الاستثمارات وفرص العمل.

ولكن تفترض هذه الحجة أن السبب الرئيس لارتفاع نسبة البطالة في الولايات المتحدة، وهو ما تحاول خطة الاحتياطي الفيدرالي استهدافه، هيكلي، وليس دوريا. ويعني ذلك أن الشركات المحلية لا توفر فرص عمل إلى حد كبير بسبب انخفاض الطلب على منتجاتها وخدماتها. في خطاب ألقاه في 15 أكتوبر (تشرين الأول)، قال رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي بينجامين برنانك إن المصرف يرى «دليلا ضعيفا على أن إعادة تخصيص العمال عبر الصناعات والمناطق يتعلق خصيصا بفترات أخرى من الركود، مشيرا إلى أن سرعة التغير الهيكلي ليست أكبر من الطبيعي».

وقد أشار علماء الاقتصاد المؤيدون لهذا الرأي إلى دراسة عن الشركات الصغيرة أجراها أخيرا الاتحاد الوطني للشركات المستقلة، والتي كشفت عن أن عددا أكبر من الشركات ذكرت أن أكثر مشكلاتها إلحاحا هو انخفاض المبيعات، وليس جودة العمالة. غير أن رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي في مينابوليس، نارايانا كوتشيرلاكوتا، يقول العكس تماما. إنه يقول إن مشكلة البطالة ترتبط بعناصر أخرى مثل العمال منخفضي المهارات الذين لا يتناسبون مع فرص العمل في الشركات التي تتطلب مهارات عالية.

وتؤيد التغيرات الأخيرة في منحنى بيفيريدج، الذي يستخدم لقياس التغيرات الهيكلية في فرص العمل، هذه النظرية. في المعتاد، يوضح المنحنى زيادة الوظائف الشاغرة في حين تنخفض معدلات البطالة. ولكن أشارت البيانات من يونيو (حزيران) عام 2009 إلى أغسطس (آب) عام 2010 إلى تحول المنحنى، حيث ترتفع معدلات البطالة حتى مع زيادة فرص العمل. وربما يكون معدل البطالة أسوأ مما تشير إليه الأرقام الحكومية، حيث إن الوظائف الموقتة في قطاعات مثل الإنشاء ستنخفض عندما تتضاءل خطة التحفيز المالي الأميركية.

وليس من الواضح كذلك أن خفض تكاليف الاقتراض سيزيد من حجم استثمارات الشركات، حيث إن معدل الفائدة يقترب بالفعل من الصفر، ويمكن للشركات الكبرى فعليا الاقتراض بسهولة من الأسواق الخاصة.

وربما لا تساعد معدلات الفائدة المنخفضة الشركات الأصغر حجما، التي تقدم القدر الأكبر من فرص العمل في الولايات المتحدة وتعتمد بصورة أكبر على الإقراض المصرفي، حيث إنها تحصل على معظم قروضها من مصارف متوسطة الحجم، والتي لا يزال الإقراض فيها مقيدا بديون تتعلق بالرهون العقارية السيئة التي تثقل ميزانياتها.

لقد رد الرئيس أوباما على مخاوف الأسواق الناشئة في ما يتعلق بخطة الاحتياطي الفيدرالي بقوله إن التوسع النقدي الأميركي سيفيد هذه الدول من خلال الطلب الأميركي المتزايد على المدى البعيد لصادرات الأسواق الناشئة. ولكنه لم يعترف بالصعوبات التي ستواجهها هذه الدول على المدى القريب بسبب انخفاض سعر الدولار. وبذلك، تبالغ الولايات المتحدة في تقدير القدرة الاقتصادية للتيسير الكمي، بينما تقلل من قيمة التداعيات السياسية لسياستها الانعزالية المتزايدة، حتى مع محاولتها لحشد التأييد الدولي ضد عملة الصين المقدرة بأقل من قيمتها.



* رويا ويلفرسون - كاتبة في شؤون الاقتصاد في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك. وقد عملت سابقا صحافية في الشؤون المالية في مجلة «سمارت موني» التابعة لـ«وول ستريت جورنال».
font change