في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، أجرى "مركز الدراسات الكردية" في تركيا سبرا خاصا بالمسألة الكُردية، بعنوان "الأكراد وقرن من الجمهورية"، حاول فيه فهم رؤية المجتمع الكردي في تركيا إلى مسألته القومية في البلاد بعد قرن كامل من تشكيل الدولة، ووعي المعضلات الرئيسة التي يعتبرونها منبعا للمظلومية الكردية في تركيا، وأسباب امتناع قضيتهم عن إيجاد حلول موضوعية لنفسها، رغم كل التحولات التي طرأت على الدولة التركية ونخبها السياسية وما يناظرهما من قوى سياسية كردية في البلاد والمطالب التي يعتبرها الأكراد راهنا أسسا لحل قضيتهم، آخذين في الاعتبار كامل ما جرى في الماضي، والأسس الموضوعية لما هو حاصل راهنا.
نشر المركز تقريرا تفصيليا مطولا، مؤلفا من عشرات الصفحات، تضمن خلاصة ما توصل إليه من نقاشات وأجوبة عن تلك التساؤلات، بعد حوارات موسعة أجراها مع أربعين شخصية كردية عامة في تركيا، من مثقفين وأكاديميين وإعلاميين ورجال أعمال وساسة وقادة رأي ومدراء لمؤسسات عامة ومنظمات مدنية ونقابات مهنية. فالاستراتيجية الأساسية للمركز كانت محاولة التفكير في المسألة الكردية بعيدا عن البرامج السياسية للأحزاب من جهة، وبغير آليات استطلاع الرأي العام التي تأخذ القواعد الاجتماعية العامة كعينة من جهة ثانية. فحسب رأي الفريق المشرف، تستطيع النُخبة العليا من المجتمع الكردي تحليل وتوصيف مسألتها بشكل أدق وحيوي.
السبر الذي أشرف عليه باحثون مشهورون على مستوى تركيا، مثل ريها روهافوغلو والدكتور أوجراس أولاش والبروفيسور مسعود يجن، لم يتقصد الدخول في النقاش الأيديولوجي والتاريخي الخاص بالمسألة الكردية في تركيا، مفضلا التركيز على ما يستحضره المجتمع الكردي في تركيا راهنا مثل ذاكرته السياسية وحسه بأوضاعه العامة وما يعرفه ويعتبره جوهر معاناته مع الدولة التركية، وما يظن أنها الآليات التي ستفكك كل ذلك.
يحاور الباحثون أعضاء المجتمع الكردي بداية لمعرفة رأيهم ومواقفهم مع الديناميكية السياسية "الديمقراطية" في البلاد، وإمكانية نجاعتها في إيجاد حلول للمسألة الكردية في تركيا، عارضين آخر جولتين انتخابيتين جرتا في تركيا خلال عام واحد مضى، الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في العام 2023، حيث فاز حزب "العدالة والتنمية" الحاكم فيهما بشكل مفاجئ، فيما خسرت أحزاب المعارضة بقيادة حزب "الشعب الجمهوري" (CHP)، وكان حزب "ديمقراطية الشعوب" (HDP) المؤيد للأكراد يساند فيها أحزاب المعارضة. والانتخابات المحلية التي جرت خلال هذا العام، ومُني بها الحزب الحاكم بخسارة واضحة.
تراوحت آراء ومواقف المجتمع الكردي من الممارسات الانتخابية حسب أربعة مستويات: فالأغلبية المطلقة منهم تشعر بـ"خيبة أمل شديدة" مما يجري، معتبرة ما يحدث من "عمليات انتخابية" غير قادر مطلقا على تحقيق آمال وتطلعات المجتمع الكردي، لأنه في المحصلة ليس سوى أقلية عددية/سياسية، وفوق ذلك تستطيع القوانين ومؤسسات الدولة تقويض ما تحققه قواه السياسية من نتائج في أي وقت.
إلى جانب ذلك، فإن مشاعر القلق والغضب مسيطرة على المجتمع الكردي، وإن بنسبة أقل من الخيبة، فنسبة واضحة منهم لا يثقون في المستقبل السياسي لقضيتهم وتنظيماتهم السياسية، على الرغم مما تظهره الدولة من ممارسة ديمقراطية، تقول إنها تساوي من خلالها بين كل القوى السياسية في البلاد. ويعبر المحاورون عن رأيهم في هذا السياق بما يلي "تضاءلت آمالنا في المستقبل. ولم نشهد أي تغيير في تمثيلنا السياسي. هناك مخاوف من أن تصبح تركيا أكثر استبدادية ومنغلقة على التعددية. ونعتقد أن حزب (العدالة والتنمية) حصل على دعم هش في هذه الانتخابات وسيستخدم هذا الدعم لخلق تركيا أكثر استبدادية. وهناك قلق من أن هذا الوضع سيزيد من تعميق الافتقار إلى التمثيل الديمقراطي في تركيا".
نسبة قليلة من المحاورين قالوا إنهم راضون عما يجري من انتخابات، رغم كل ما يشوبها من قصور، لأنها تسمح للمجتمع الكردي بالتعبير عن رأيه وموقفه من القوى الحاكمة والمعارضة في البلاد، وتُنعش حضور الأكراد في المشهد السياسي.
يوسع القائمون على الاستطلاع الرؤية، ليكون حسب مدى زمني أوسع، فيسألون المحاورين عن رؤيتهم للحياة السياسية التركية منذ أوائل القرن الحالي، ودورها في إفراز طبقة سياسية كردية جديدة، تستطيع أن تكون فاعلا ذا وزن ضمن اللعبة السياسية، وقادرة على التعبير عن تطلعات المجتمع الكردي في تركيا ومصالحه.