تقوم فكرة هذه المقالة على أن الصراع الأميركي الصيني وصل مرحلة جديدة أبعد من مسألة الحرب التجارية التي سبق أن أعلن عنها رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترمب، خلال حملته الانتخابية، حين كرس حملته لمسألة التراجع الاقتصادي الأميركي لصالح الصين، وذكر ضمن ما ذكر، أن التبادل التجاري بين البلدين مائل بشكل لا يمكن السكوت عنه لصالح الصين، آملا في تصحيح المسار، عبر إعادة التوزان إلى الميزان التجاري من خلال استعادة المصانع الأميركية في الصين، والضغط على الحلفاء من أجل شراء البضائع الأميركية الصنع مع حظر تصدير التقنية الحساسة للشركات الصينية، حينها برز أمام أنظار العالم مصطلح: الحرب التجارية.
إن أوجه الصراع الجديدة توسعت بشكل لافت وشملت مجالات حيوية غير تلك المعهودة في حالات التنافس التجاري بين بلدين، وقمت خلالها بتحديد أوجه الصراع، منها ما هو اقتصادي بشكل أساسي، ومنها ما هو أيديولوجي، ومنها ما هو مؤسساتي.
مسارات التنافس بين القوتين
في المسار الاقتصادي، توجد مسألة التنافس الاقتصادي في الصراع بين الدول الكبرى.
في المسار الأيديولوجي، لا بد من إيضاح محورية الصراع بين الليبرالية الغربية والاشتراكية الشرقية في تعبئة الجمهور العام، كما أن هذه الفلسفة لها انعكاسات مهمة على بناء التحالفات الدولية، ويدعم الصراع الأيديولوجي فكرة تقسيم العالم إلى دول ديمقراطية تقودها الولايات المتحدة، ودول استبدادية تدخل ضمنها روسيا والصين، كما يؤثر في طريقة إدارة الدولة، والفارق هائل بين النتائج التي تنتج عن دولة تتبنى الليبرالية بشتى صنوفها، وبين مجتمع أو دولة تتبنى الاشتراكية، وكيف ينعكس الانقسام الأيديولوجي على الصراع الأميركي الصيني. ونحن إذ نشير إلى هذا الفارق، لا ينبغي أن نغفل عن أن الاقتصاد الصيني نما وتطور عبر تبني أفكار رأسمالية غربية المنشأ، لذا فإن الصراع الأيديولوجي، وإن كانت عناوينه تقليدية ليبرالية مقابل اشتراكية، أو يمينا مقابل يسار فإنه أكثر تعقيدا لأن الصين أكثر مرونةً وانفتاحا على استعارة بعض أدوات الليبرالية الغربية من سابقها الاتحاد السوفياتي.
في المسار المؤسساتي، من المعروف أن الولايات المتحدة الأميركية نجحت في تأسيس مؤسسات دولية كبرى، مثل صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة الحرة، وغيرها من المؤسسات التي حافظت على مصالح القوة المهيمنة، إلا أن الصين لم تعتبر هذا الأمر محسوما بالكامل، فقد شرعت فعليا في تأسيس مشروعها الاستراتيجي الثوري (طريق الحرير الجديد)، وعملت مصارفها ذات الطبعة العالمية بالتوازي مع المؤسسات الغربية في ضخِّ القروض الميسرة للدول القريبة منها سياسيا. معلنةً بذلك، منافستها للمؤسسات الدولية المنضوية تحت عباءة واشنطن. خذ على سبيل المثال لا الحصر، نماذج بعض دول أفريقيا أو باكستان، سنجد تحولا هائلا في العلاقات بين هذه المناطق، وبين الولايات المتحدة والصين لصالح الأخيرة.
واليوم، تنضم ساحات جديدة، أو لنقل ارتقى الصراع إلى ساحات أكثر شمولا من خلال عقد مجموعة من التحالفات قامت بها الولايات المتحدة في الجغرافيا السياسية القريبة من حدود الصين: ومنها على سبيل المثال التحالف الرباعي "كواد" (Quad) الذي يضم الولايات المتحدة، واليابان، والهند، وأستراليا، كما أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا عن اتفاق أمني خاص لتبادل تقنيات عسكرية متقدمة في محاولة لمواجهة الصين تسمى "أوكوس" (AUKUS)، وهو ما يفرض علينا واقعا جديدا، يُعرف بـ"الحرب الباردة الجديدة"، لكن طرفها الآخر هو الصين هذه المرة، لذا لا بد لنا من إجراء إعادة تقييم لهذا الصراع، بحيث تشير معظم القراءات الأولية إلى عدم إمكانية تجاوز فكرة اندلاع مواجهة عسكرية بين القوتين.