لم يكن مفاجئا، تعرض دونالد ترمب، الرئيس السابق والمرشح الحالي، لمحاولة اغتيال. المتابع لتصريحاته وبيانات منافسه جو بايدن وقادة الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، والقارئ لدراسات واستبيانات مراكز الأبحاث والرأي العام، يعرف أن حدث عنف كبيرا سيحصل في ما تبقى من أشهر على موعد الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
التحذيرات من أن "حربا أهلية" قد تحصل في البلاد، لم تأت من فراغ. أن يحصل فيلم يتحدث عن "حرب أهلية" مفترضة في البلاد على نسب عالية من المشاهدة، مؤشر إضافي على مزاج الأميركيين ومخاوفهم. ولا شك أنه عندما يرى ويسمع الناس تصريحات بايدن وترمب يدرك أن الولايات "غير المتحدة" تسير بالفعل على حد السكين.
عادة، حتى عندما تعرض مرشحون ورؤساء أميركيون سابقون لاغتيالات أو محاولات سابقة خلال المعارك الانتخابية، كان النقاش والجدل يتمحوران حول المواضيع المطروحة سواء كانت داخلية أو خارجية، ودائما كان الرهان على النظام الديمقراطي يقوم على مؤسسات عميقة تمثل شبكة حماية للبلاد من الانحدار إلى الهاوية. يخرج رئيس ويبقى مكتبه. يموت رئيس وتبقى أميركا.
بين ما يميز هذه المعركة الانتخابية أنها تتمحور حول جوانب شخصية ودور إضافي للعائلة: أمراض بايدن وإدانات ترمب. عادة تسمح الديمقراطية بأن يدور الهجوم والتحدي حول الأفكار والسياسات والخيارات المستقبلية، لكن هذه المرة، هناك سعي تصاعدي في التركيز على الشخص، تجريده من قدراته ووطنيته وأهليته، بحيث يصنف في خانة "العدو" أو "الخائن".
وفي بلاد تنتشر فيها الأسلحة، نكون بانتظار ذاك "الذئب المنفرد" سواء كان يساريا أو يمينيا، مسيسا أو غير مسيس، ليخلص البلاد من ذلك "الخائن" لتكون البلاد "عظيمة". هذه الجولة، تشكل بنسلفانيا الولاية المتأرجحة، مسرحا لهذه "الغزوة".
ترمب حذر في تجمع انتخابي خلال شهر مارس/آذار من أن البلاد ستسبح في "حمام دم" إذا خسر
كي يتم وضع محاولة الاغتيال في سياقها، لا بأس من العودة إلى عينة من تصريحات ترمب وبايدن في الفترة الأخيرة. مرشح الحزب الجمهوري، قال لـ"فوكس نيوز" في بداية يونيو/حزيران الماضي إن الحكم عليه بالسجن يعني أن البلاد "ستنهار" بناء على أن استطلاعا للرأي أفاد بأن 40 في المئة يعتقدون أنه سيبقى "مؤهلا لمنصب الرئيس" حتى لو حكم عليه بالسجن.
موضوع الإدانة دخل في فصول قضائية جديدة. لكن الأمر المقلق الآخر، كان موقفه من نتائج الانتخابات، إذ إن ترمب حذر في تجمع انتخابي خلال شهر مارس/آذار من أن البلاد ستسبح في "حمام دم" إذا خسر، ثم قال لمجلة "التايم" في أبريل/نيسان إن الحالة الوحيدة لخسارته أن تكون الانتخابات "مزورة". كما كرر أكثر من مرة نيته عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات إذا فاز بايدن، ما ذكر كثيرين بهجوم الكابيتول يوم 6 يناير/كانون الثاني2021.
بايدن قال أمام أنصارِه إن ترمب "بات أكثر خطورة على أميركا الآن من أي وقت مضى"، مضيفا أنه لن يدع المرشح الجمهوري يفوز في الانتخابات "ولو على جثته"
بايدن، من جهته، لم يقصر في كسر تقاليد التنافس الانتخابي. وفي حفل لجمع التبرعات بولاية كونيتيكت في يونيو الماضي، وصف ترمب بأنه "مجرم مدان" و"متهور" و"رجل خطير" ومتمسك بالسعي الى الرئاسة. وواظب على تكرار هذه الكلمات.
وبعد أدائه الكارثي في المناظرة التلفزيونية، انتقد بايدن تركيز الناس على عثراته وتلعثمه وتجاهل "أخطاء" ترمب "الخطيرة". وقال أمام أنصارِه في ميتشيغان، إنه "بات أكثر خطورة على أميركا الآن من أي وقت مضى"، مضيفا أنه لن يدع المرشح الجمهوري يفوز في الانتخابات "ولو على جثته".
"حمام دم" و"على جثتي"، عبارتان قاسيتان في القاموس الأميركي. وما يجعل هذه الكلمات الآتية من رأس الهرم خطرة، أنها تأتي في وقت تعاني فيه البلاد من انقسام رهيب، وربما غير مسبوق، بين اليمين المتطرف واليسار المتطرف.
أمام وضع كهذا، من الطبيعي أن تعزز مشاهد ترمب وأذنه الملطخة بالدماء "صورة البطل" أمام أنصاره
هنا عينة عن حال "الولايات المتحدة" في بعض الاستطلاعات: في استبيان لشبكة "بي بي إس" في الربيع الماضي، دافع 20 في المئة ممن شملهم الاستطلاع عن استخدام العنف كضرورة لإعادة البلاد على المسار الصحيح. كما قبل بين 10 و30 في المئة استخدام العنف لـ"إصلاح أزمة سياسية داخلية".
ومن الأرقام المرعبة: نفذ مهاجمون يمينيون 13 من بين 14 هجوما سياسيا تسببت في سقوط قتلى أو مصابين منذ اقتحام أنصار ترمب الكابيتول الأميركي، بينما شن يساري هجوما واحدا.
وأمام وضع كهذا، من الطبيعي أن تعزز مشاهد ترمب وأذنه الملطخة بالدماء "صورة البطل" أمام أنصاره، لتعزيز الاتهامات بأن بايدن وفريقه وراء "شيطنة ترمب". وطبيعي أن يتحرك بايدن ليُدين محاولة اغتيال خصمه و"هذا النوع من العنف المقزز". ويراهن على أن يقوم لعبه دور "الإطفائي" بوقف مسلسل نكساته وعثراته.
جديد إضافي في الولايات "غير المتحدة"، ان عائلة المرشح الرئاسي، تتقدم للدفاع عن الضحية - البطل، وعائلة الرئيس المرشح، ترفض تنحي الرئيس - البديل.