نبغ الموسيقي محمد رويشة (1950-2012) في تطوير وتثوير شكل الأغنية الأمازيغية (بالأطلس المتوسط) مثلما لم يفعل أحد قبله، وذهب بإيقاع الدهشة الأطلسية إلى التخوم القصوى.
موسيقى رويشة حفر عمودي في طبقات وجدان الهامش. استقصاء فاتن لبداوة الحب ودليل أحزانه السوداء. احتفاء بمعجم أمومة الطبيعة واستغوار صوفي لمقامات الغربة.
بعصاميته المتوقدة، ودفء زخمه الإنساني، وموهبته الضارية، صنع لحظته الفنية السامقة، في معترك الصمت، وقتامة النسيان.
غواية مريرت
محمد رويشة المولود في بلدة مريرت، الشبيهة بكمين جغرافي، وهي بلدة منسية لا تنسى أبدا، تستأثر بهباء التاريخ السري للأطلس، وتنفرد بكيمياء الغضب الأزلي، انتبه مبكرا إلى فخ البلدة الصغيرة التي يضمر صمتها بركان الجنون، إذ انفصل مرغما عن فتنة عرائها وأعراس وحشتها، ليجعل من مدينة خنيفرة برجا لعاصمته الموسيقية الخاصة.
مع ذلك ظلت غواية مريرت راسخة، تفتنه في أول عنفوانه الفني، ليتردد على أعراسها الذائعة الصخب، إلى أن تعرض للتعنيف ذات ليلة، نجم عنه كسر في فكه السفلي، جعله يقاطع مدينته الأولى طويلا، أو إلى الأبد. لم يرجع إليها على نحو أوليسي إلا بعد حنين معتق، وعاد إليها كأنه يشيعها في سهرة بعد خصومة دامت عقودا.