ترمب بعد محاولة اغتياله... هل يستعجل اختيار نائب له؟https://www.majalla.com/node/320921/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%87-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D9%84%D9%87%D8%9F
حتى مع سرقة محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها دونالد ترمب في ولاية بنسلفانيا للأضواء من السباق الانتخابي، ما يزال الترقب عاليا في الأوساط الجمهورية والرأي العام الأميركي بخصوص هوية المرشح لمنصب نائب الرئيس في حملة الرجل الانتخابية. رغم أن الاشتراط القانوني هو إعلان اسم هذا النائب رسميا في أثناء المؤتمر الوطني للحزب (RNC) الذي يُعقد في العام الانتخابي الرئاسي، والمقرر هذا العام بين 15و18 يوليو/تموز الحالي في مدينة ملاووكي بولاية وسكانسن، فإن العادة هي أن يُعلن الاسم قبل هذا بكثير، وغالبا بعد انتهاء الانتخابات الحزبية التمهيدية وفوز المرشح الرئاسي بها.
في حالة ترمب، كان هذا في شهر مارس/آذار الماضي بعد انسحاب آخر منافس جمهوري له، الحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولينا نيكي هيلي، من سباق الترشح.
هناك فوائد كثيرة من الإعلان المبكر لاسم المرشح لمنصب نائب الرئيس، بينها زيادة الحصول على التبرعات الانتخابية والاهتمام الإعلامي وتماسك الحملة الانتخابية والحزب من ورائها وذلك في ظل وجود شخصين في التكتل الانتخابي، وليس شخصا واحدا. في حملته هذا العام، كان ترمب سيستفيد أكثر من إعلان مبكر لنائبه كي يقلل من تأثير انشغاله بجلسات المحاكمة المختلفة التي كان عليه حضورها واضطراره لترك جولاته الانتخابية على امتداد البلد لتحشيد الدعم له.
ليس ثمة سبب واضح لتأخر ترمب في إعلان اسم مرشحه على مدى كل هذه الاشهر
لكن ترمب، الرجل الذي اعتاد كسر المألوف، كان مختلفا منذ البداية، ففي حملته الانتخابية الرئاسية 2016، أعلن عن ترشيح نائبه مايك بينس في ذلك العام في منتصف يوليو/تموز، قبل ثلاثة أيام فقط من عقد المؤتمر الوطني لـ"الحزب الجمهوري". هذه المرة، بحسب بعض المصادر المختلفة، قد يعلن ترمب اسم مرشحه في اللحظة الأخيرة والضرورية التي لا يستطيع قانونيا تجاوزها: في أثناء مؤتمر الحزب عندما يتحول ترمب من فائز مفترض في الانتخابات التمهيدية للحزب إلى مرشحه الرئاسي الرسمي الذي يحتاج حينها أن يعلن اسم نائبه كي ينال الأخير موافقة الحزب، وهي الخطوة الشكلية لكن الضرورية حزبيا.
ليس ثمة سبب واضح لتأخر ترمب في إعلان اسم مرشحه على مدى كل هذه الاشهر، ففي الشهر الماضي، أعلن الرجل أن رأيه قد استقر بخصوص نائبه، لكنه عاد تاليا ليقول، على نحو لا يخلو من الغموض، إن عليه أن يأخذ اعتبارات عديدة في الحسبان بينها احتمال أن تصبح كامالا هاريس نائبة الرئيس جو بايدن المرشحة الرسمية لـ"الحزب الديمقراطي" بدلا من بايدن.
مع ذلك، لا يخلو هذا "التأخر" الذي حدث مرتين، في 2016 و2024، من لمسة واضحة في شخصية ترمب الدرامية التي تحب الترقب والإثارة بكل المفاجآت التي تنطوي عليها. قال مؤخرا إن عملية الاختيار "أشبه بنسخة عالية التطور من [برنامج] "المتدرب" (the Apprentice)، اذا كنت تفكر بالموضوع... إنه قرار يرتبط أكثر بالحس الداخلي الفطري" (instinct).
إلى جانب الحس الداخلي الفطري الذي يشير إليه ترمب، لن تغيب من الاعتبار الفوائد المرجوة من المرشح لمنصب نائب الرئيس
"المتدرب" برنامج شهير ضمن تلفزيون الواقع ظهر ترمب فيه، بين عامي 2004 و2015، على مدى 14 موسما، كحَكم يصدر حكمه بخصوص المتنافس الذي يفوز في آخر المطاف. غادر ترمب هذا البرنامج ليركز على حملته الانتخابية ضد هيلاري كلينتون.
تتحدث المصادر أيضا عن أن القائمة النهائية التي سيختار منها ترمب تنحصر الآن في ثلاثة أسماء: السيناتور ماركو روبيو من ولاية فلوريدا، والسيناتور جي دي فانس من ولاية أوهايو، وحاكم ولاية نورث داكوتا، دوك بوركوم. يضيف آخرون مطلعون اسما رابعا هو السيناتور تِم سكوت من ولاية ساوث كارولاينا. وتؤكد مؤشرات كثيرة أن الأكثر حظا بين هؤلاء الأربعة هما روبيو وفانس.
إلى جانب الحس الداخلي الفطري الذي يشير إليه ترمب، لن تغيب من الاعتبار الفوائد المرجوة من المرشح لمنصب نائب الرئيس. في العادة، يغطي المرشح لهذا المنصب بعض مواطن القلق والضعف الموجودة لدى المرشح الرئاسي، ليجعل التكتل الانتخابي الرئاسي قويا ومتكاملا. في عام 2016، كان اختيار ترمب لمايك بينس ذكيا وناجحا: كسب عبره الكثير من أصوات اليمين المسيحي الذي كان يثق كثيرا ببنس المعروف بمحافظته السياسية والدينية. كما كان بينس حزبيا جمهوريا عريقا وينتمي للمؤسسة السياسية التقليدية، ما خفف القلق لدى الكثير من الجمهوريين من تقلبات ترمب وصعوبة التعامل معه.
هذه المرة يعرض المتنافسان الأهم، روبيو وفانس، بعض الميزات التي يحتاجها ترمب كثيرا. فضلا عن الانتماء للمؤسسة الجمهورية والسياسية التقليدية منذ فوزه بمقعد في مجلس النواب ولاية فلوريدا في العام 2000، يبعث روبيو السياسي الشاب نسبيا (53 عاما)، رسالة اطمئنان للجمهور الذي قد ينتخب ترمب في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بخصوص وجود بديل قادر بدنيا وذهنيا على إدارة البلاد في حال تدهور صحة ترمب، الرئيس المحتمل البالغ من العمر الآن 78 عاما.
تكتسب هذه الميزة أهمية إضافية في هذا الموسم الانتخابي بالذات، في ظل التشكيك المتزايد بالقدرة الصحية والذهنية للرئيس الحالي بايدن على إدارة البلاد، ما جعل الأنظار تتجه إلى البديل المحتمل له، هاريس. لكن ثمة ميزات أخرى لروبيو قد تفوق أهمية العمر يقدمها لترمب في ظل التنافس الانتخابي الحاد بين الأخير وبايدن، اذ يستطيع روبيو أن يؤمِّن لترمب فوزه بولاية فلوريدا، وهي إحدى الولايات السبع المتأرجحة التي يُعتقد واسعا أن تصويتها سيحسم من سيكون الرئيس المقبل لأميركا. ثم هناك الأصل اللاتيني الكوبي لروبيو، وتمكنه من الإسبانية، اللغة الأم بين الكثير من الناخبين الأميركيين من أصول لاتينية. بمقدور هذه الميزة المهمة أن تساعد ترمب أيضا على الفوز بالمزيد من أصوات هؤلاء الناخبين الذين عادة ما تصوت أغلبيتهم لـ"الحزب الديمقراطي".
على الجانب الآخر يحمل فانس نوعا مختلفا قليلا من الميزات عن تلك التي يحملها روبيو. ففضلا عن السياسي الشاب والصاعد (39 عاما)، يُعتبر فانس متحدثا لامعا ويبرع كثيرا في إيصال رسائله السياسية للجمهور على نحو مقنع، بخلاف ترمب الذي يتنقل كثيرا وسريعا بين أفكار كثيرة، والمشهور بمحدودية لغته السياسية. هذه القدرة الخطابية هي التي أثارت اهتمام ترمب به، بحسب مصادر مختلفة.
يمتلك فانس أيضا مصداقية عالية بسبب تجربته العائلية الصعبة ونجاحه في تجاوز تحديات شخصية كثيرة، إذ ولد وكبر في عائلة فقيرة ومفككة يهيمن على سلوكها العنف والإدمان. لكنه استطاع بجهده الشخصي وإرادته الصلبة إكمال دراسته والتخرج، كمحام من جامعة ييل العريقة، وخدم في قوات المارينز في العراق، فضلا عن عمله تاليا في مجالي الاستثمار والصحافة التي حقق نجاحات فيها.
من الصعب توقع أين يتجه الحس الداخلي لدى ترمب، فحتى أقرب مستشاريه أشاروا إلى صعوبة التوقع بهذا الصدد، خصوصا بإزاء رئيس لا يتحرج من التقلبات والمفاجآت
في عام 2023، فاز الرجل عن "الحزب الجمهوري" بمقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، في أول تنافس انتخابي يخوضه للفوز بمنصب عام. مثل هذه السيرة الشخصية والمهنية: من الفقر والتفكك الأسري إلى التميز الأكاديمي والنجاح المهني ثم الصعود السياسي، نادرة نسبيا في "الحزب الجمهوري" الذي يصفه البعض، خصوصا بين الديمقراطيين، بأنه حزب المرفهين ماديا والبعيدين عن هموم الفقراء. لذلك يمكن لفانس أن يلعب دورا مهما، في ضوء قدراته الخطابية، في كسب أصوات كثيرة من الناخبين ذوي الخلفيات الفقيرة أو محدودة الدخل، الفئة السكانية التي تميل للديمقراطيين عادة.
لكن ثمة صفة لافتة أخرى يحبها ترمب كثيرا في الذين حوله موجودة لدى فانس: الإخلاص. في عام 2016، كان فانس يشكك بترمب وقدراته في أثناء حملته الانتخابية. ذَكرَ أنه على نحو قاطع ليس من مناصريه، متهما إياه بأنه "هيروين الجماهير" وعاجز عن إيجاد حلول لمشاكل البلد. في عام 2018، بدأ رأي فانس بترمب يتبدل تدريجيا على أساس تغيرات إيجابية شهدتها ولايته في أثناء رئاسته. أقرَ علنا بتغير رأيه واعتذر عن هجماته الكلامية السابقة.
يبدو أن تغير رأي فانس في ترمب حقيقي ومخلص، لأن فانس لم يكن حينها شخصية سياسية جمهورية تسعى للحصول على منصب عام، فضلا عن أن الرجل معروف بصراحته. ودعمه بقوة في حملته الانتخابية الرئاسية في 2020، ودافع عن سجله السياسي بعد خسارته للبيت الأبيض. يشارك فانس أيضا بقوة في الحملة الانتخابية الحالية لترمب، إذ ظهر معه في توقفات ومناسبات انتخابية وقام بجمع تبرعات لحملته، فضلا عن دفاعه الفعال عن الرئيس السابق وسياساته.
من الصعب توقع أين يتجه الحس الداخلي لدى ترمب، فحتى أقرب مستشاريه أشاروا إلى صعوبة التوقع بهذا الصدد، خصوصا بإزاء رئيس لا يتحرج من التقلبات والمفاجآت وجعل الآخرين ينتظرون بترقب عال حتى اللحظة الأخيرة.