جاء هذا الصيف حامي الوطيس في أوروبا في مجالي السياسة وكرة القدم، فها هي ذي بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم 2024 ("يورو 2024") تقترب من نهايتها بعد شهر مثير، شهد نتائج غير متوقعة مثل فوز جورجيا، الفريق الموصوف بالتواضع، على البرتغال القوية في دور المجموعات. وفي الوقت نفسه، تعيش أوروبا حمى الانتخابات، التي افتتحتها انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران، تلتها الانتخابات العامة في المملكة المتحدة وفرنسا، وكل منهما جلبت معها تحولات سياسية مثيرة.
وفيما يعتقد البعض أن السياسة وكرة القدم مجالان منفصلان، فإن الاثنتين تداخلتا بشكل ملحوظ في القارة الأوروبية، حيث استُخدمت كرة القدم من قبل السياسيين لتحقيق أجنداتهم، ومن ناحية أخرى، لعبت كرة القدم دور منصة لتبادل الرسائل السياسية.
أحد الأمثلة التي توضح ذلك ما حدث خلال مباراة البرتغال وسلوفينيا في الأول من يوليو/تموز، عندما أضاع كريستيانو رونالدو ركلة جزاء وانهمرت دموعه، ولكنه سرعان ما استعاد توازنه وأخذ الركلة الأولى في ضربات الترجيح اللاحقة. أشاد معلقو كرة القدم بشجاعته، بينما شهدت وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تبرز شخصيته ومرونته ومسؤوليته وأصبحت النقاشات العامة حول رحلة رونالدو العاطفية خلال ركلات الجزاء مجازا للمناقشات حول القيادة، وهو موضوع برز بشكل خاص في أوروبا خلال الأسابيع القليلة الماضية.
لم تفت هذه التشبيهات بين السياسة وكرة القدم المنافسين السياسيين. ففي المملكة المتحدة استخدم كل من السير كير ستارمر، رئيس الوزراء زعيم حزب "العمال"، وريشي سوناك، زعيم حزب "المحافظين" ورئيس الوزراء السابق، كرة القدم في أحاديثهما وخطاباتهما في الفترة التي سبقت الانتخابات العامة في 4 يوليو/تموز. كلاهما فعل الشيء عينه أثناء حملتهما الانتخابية. مثال ذلك ما قاله ستارمر من أنه يستمتع بلعب كرة القدم ويشجع نادي آرسنال، ولتأكيد قربه من المواطن العادي، عقد تجمعات في عدد من ملاعب الأندية الصغيرة في جميع أنحاء البلاد. وحين راحت استطلاعات الرأي تتنبأ بخسارة كبيرة لحزب "المحافظين" في الانتخابات، استخدم سوناك فوز إنكلترا ضد سلوفاكيا في 30 يونيو في "اليورو" ليعبر عن ثبات حزبه، بعد المباراة، مستشهدا بإنكلترا التي كانت في البداية خاسرة ولكنها قلبت الطاولة في النهاية. ونشر سوناك على منصة "X" (تويتر سابقا) صورة له محاطا بالموظفين وهم يهتفون، مع علم إنكلترا في الخلفية، وعلق على الصورة قائلا: "لن ينتهي الأمر حتى ينتهي!".
وسرعان ما اجتذب منشوره ردودا تذكره بمحاولته الفاشلة لتقديم نفسه كرجل من الشعب خلال زيارته لويلز في مايو/أيار الماضي، عندما زار حانة وسأل الجمهور هناك عما إذا كانوا "يتطلعون إلى متابعة مباريات كرة القدم" في "اليورو"، ليذكره الحاضرون بأن ويلز لم تتأهل للبطولة. جسدت هذه الحادثة قضية أوسع وأكثر إثارة للقلق، وهي الانفصال بين القائد والجمهور الأوسع. وقد لعب هذا الانفصال دورا كبيرا في الهزيمة الساحقة لحزب "المحافظين" في الانتخابات العامة.