العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية يمكن وصفها بأنها علاقة بوجهين، الأول يحمل ملامح الكائن الطبيعي وهو الوجه الرسمي بين حكومة بغداد وإدارة البيت الأبيض في واشنطن. أما الثاني فهو وجه الكائن المسخ الذي تُشوه ملامحه الأجندة السياسية للأميركيين في منطقة الشرق الأوسط، وأيديولوجيات القوى الموازية للدولة في العراق.
ساهم الأميركيون كثيرا في رسم ملامح وجهي هذه العلاقة، فبعد 2003 لم يكن للأميركيين مشروع واضح وصريح بشأن خارطة الطريق لمرحلة ما بعد إسقاط نظام صدام حسين. ويبدو أن إيران كانت تدرك تماما أن تغيير نظام الحكم في العراق هو فرصة حقيقية يجب استثمارها للانطلاق نحو مشروع أمنها القومي وبسط نفوذها من خلال الإبقاء على العراق كدولة هشة، نظام سياسي يحكم من قبل رؤوس متعددة يمكن السيطرة على قرارها. ولا أحد يمكن أن ينكر دور الفاعلين الرسميين وغير الرسميين في مرحلة ما بعد 2003 في إبقاء عدم حسم طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، والتماهي مع المشروع الإيراني.
ولعل التصورات التي قدمتها تريسي آن جاكوبسون، المرشحة كسفيرة للولايات المتحدة في العراق، أثناء خطاب ألقته أمام الكونغرس يوم 15 يونيو/حزيران الماضي. تعطي انطباعا واضحا بشأن التفكير الذي يحكم صانع القرار الأميركي بشأن العراق. هذا الخطاب للمرشحة لمنصب سفيرة أميركا في بغداد، تزامن مع ما نشره عضو مجلس النواب الأميركي مايك والتز، عبر منصة "إكس"، والذي أشار فيه إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، فائق زيدان. إذ اتفق كلاهما على أن مشكلة أميركا ليست مع النظام السياسي وإنما مع الشخصيات التي تتهمها واشنطن بالتعامل مع إيران وتنفذ أجندتها في العراق. وهذا بحد ذاته يوضح التشوه في آفاق العلاقة التي تفكر فيها واشنطن تجاه بغداد، فهي تتعامل رسميا مع الحكومة بسلوك محدد، تتجاهل فيه تعقيدات علاقة منظومة الحكم وشخوصها مع إيران، ولكنها تريد أن تختزل المشكلة في شخصيات محددة سواء كانوا بعنوان حكومي أو فاعلين في النظام السياسي، أو يشغلون مناصب رسمية محددة.