عندما يتراجع الهم اللغوي لدى كتّاب الأدب، أي عندما يصبح همّا ثانويا بالقياس إلى هموم أخرى، يترتب علينا أن نجد في هذا الأمر واحدة من المشكلات التي يواجهها ذلك الأدب. وما يُكتب اليوم من أدب عربي يعاني من هذه المشكلة، على نحو لم يعُدْ من الجائز معه التغاضي أو التهاون أو التجاهل.
وعندما نتكلم على الأدب العربي اليوم، إنما نقصد في الدرجة الأولى الشعر والرواية. وفي هذين المجالين، يمكننا أن نلاحظ ضمور الاهتمام بالناحية اللغوية، ضمورا ينعكس سلبا على مختلف نواحي الكتابة، شعرية كانت أم روائية.
في الشعر، نستطيع القول إنّ مصطلح "اللغة الشعرية" يشكّل المفتاح الأفضل للكلام على أي مظهر من مظاهر التغيير أو التجديد. وفي تاريخ الشعر العربي، قامت الانعطافات المهمة على تغييرات جذرية أو ملحوظة في اللغة الشعرية، التي لا تقتصر _ في ما أقصده هنا _ على الجانب النحوي التركيبي، وإنما تتعداه إلى جوانب أخرى، كالجانب البلاغي والجانب الموسيقي، وغيرهما.
إن ما حققه شاعر مثل أبي تمام يتمثل في ابتكاراته اللغوية، نحوية كانت أو بيانية أو بديعية. إنه يتمثل إذن بابتكاره لغة شعرية "جديدة"، أحدثت لمعاصري أبي تمام المعنيين بقضايا الشعر صدمة قسمتهم حوله أنصارا وخصوما. ولأن لغة أبي تمام الجديدة كسرت المألوف وفتحت آفاقا واسعة للتعبير الشعري، ووجهتْ في البداية بالكثير من التحفظ، بل الاستغراب والشجب، واتُّهمَ الشاعر بأنه متوعرٌ وفاسد ويقول ما لا يُفهم، وكلامه لا يشبه كلام غيره. ولكنّ أبا تمام غدا لاحقا علَما من أبرز الأعلام في التراث الشعري العربي، وبات واحدا من الشعراء الذين ساهموا على نحو فعال في تطوير الشعر وإغنائه.