الأمين العام المساعد لـ "الناتو" لـ "المجلة": غزة ليست ليبيا... ولانريد هزيمة روسيا في أوكرانيا

السفير بوريس روج في لقاء خاص مع "المجلة" حول حرب غزة وروسيا وانتخابات أميركا

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الرئيس الأميريكي جو بايدن يتحدث خلال اجتماع "الناتو" على مستوى رؤساء الدول والحكومات في واشنطن

الأمين العام المساعد لـ "الناتو" لـ "المجلة": غزة ليست ليبيا... ولانريد هزيمة روسيا في أوكرانيا

واشنطن - لعل أحد المبادئ الأساسية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) هو مفهوم التدخل العسكري الإنساني. وغالبا ما تعاملت هذه السياسة مع المآسي الإنسانية، ليس داخل أوروبا فحسب، بل وأيضاً خارج حدودها التقليدية.

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك في الشرق الأوسط عملية الحلف، التي شنها في ليبيا في 31 مارس/آذار عام 2011. فقد اتخذ حلف شمال الأطلسي إجراءات ضد القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي، عن طريق دعم جوي كبير للفصائل المسلحة المعارضة لحكمه، مُظهرا بذلك مكانته كطرف أمني عالمي فاعل ومؤثر. تدخل التحالف عسكريا في ليبيا لحماية المدنيين والمناطق التي سيطر عليها المتمردون من قوات القذافي والقبائل المؤيدة له، بل وبدون مشاركة الولايات المتحدة، أكبر قوة عسكرية في العالم. وفي غضون خمسة أشهر فقط، مكنت القوة الجوية لحلف شمال الأطلسي المتمردين من السيطرة على العاصمة طرابلس.

في مقابل ذلك، لم يتدخل حلف شمال الأطلسي في غزة لوقف الحرب أو لإنشاء قوة لحفظ السلام لتحقيق الاستقرار في القطاع، في سيناريو ما بعد الحرب.

واتهمت المحكمة الجنائية الدولية رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه وكبار قادة "حماس" بارتكاب جرائم حرب، ما يضع بنيامين نتنياهو ويحيى السنوار بين القادة سيئي الذكر بسبب بارتكابهما أعمالا شنيعة ضد الإنسانية. وطالب المدعي العام كريم خان بإصدار مذكرات اعتقال بحق الرجلين وأخرين من طرفي الحرب في مايو/أيار.

وكان تركيز المدعي العام على الغارة التي شنتها "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والتي اقتحم خلالها مسلحون جنوب إسرائيل، مما أدى إلى مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز حوالي 250 رهينة، وكذلك على الرد العسكري الإسرائيلي الوحشي في غزة.

اقرأ أيضا: نتنياهو والسنوار ... شخصنة النصر على ركام غزة

أثَرتُ مسألة عدم تدخل "الناتو" في غزة في مقابلة حصرية مع مساعد الأمين العام لحلف "الناتو" للشؤون السياسية والسياسة الأمنية السفير بوريس روج. وأجريت المقابلة على هامش قمة الحلف شمال في واشنطن العاصمة، أثناء الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسه. وسيطرت الحرب الروسية-الأوكرانية على جدول أعمال القمة وغالبية المؤتمرات الصحفية وكلمات وتصريحات الحلفاء. وجاء سؤال غزة خارج المقرر.

شغل السفير روج في السابق منصب نائب رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، وسفير ألمانيا لدى المملكة العربية السعودية، ومدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الألمانية في برلين، ونائب رئيس بعثة السفارة الألمانية في واشنطن العاصمة.

لقد كانت المآسي الإنسانية محركا رئيسيا لسياسة حلف شمال الأطلسي على مر العقود في العديد من المناطق التي مزقتها الحروب. وما زالت الحرب في غزة مستعرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وشُرد مئات الآلاف، ويعاني الملايين من ظروف إنسانية قاسية لا توصف.

ويقول السفير روج إن الصراع في غزة يمثل معضلة جيوسياسية وعسكرية-استراتيجية ودبلوماسية وقانونية، واصفا الأمر بأنه معقد كما كانت الحال مع سوريا.

وفيما يلي نص الحوار:

*كيف يمكن لحلف شمال الأطلسي أن يتدخل من جديد في الشرق الأوسط وفي حرب غزة تحديدا على غرار تدخله في ليبيا على أساس التدخل العسكري لدواع إنسانية؟

-من المهم أن نفهم أن التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي في ليبيا كان يستند إلى إطار قانوني دولي، وتحديدا قرار مجلس الدولي. ودعم ذلك التدخل مناشدات مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية. ولن يتدخل الناتو بدون هذا الأساس. وينطبق الشيء نفسه على أفغانستان، حيث صدر قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

منذ عام 2014، بعد الغزو الروسي الأول لأوكرانيا، والأهم من ذلك منذ عام 2022 مع الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، أعاد "الناتو" التركيز على الردع والدفاع الجماعي في أوروبا. وعندما حدث التدخل في ليبيا في عام 2011، لم يكن التهديد الروسي بارزا كما هو اليوم. فبعد أكثر من عقدين من الزمن، حين لم يكن الدفاع الجماعي في أوروبا محور التركيز الرئيسي، بتنا اليوم في وضع اتخذت فيه المادة الخامسة، التي تتعلق بالدفاع عن أراضي حلف شمال الأطلسي ضد العدوان الروسي المحتمل، ذات أهمية قصوى. وهذه النقلة تعني أن قدرة الحلف على المشاركة في ما كان يُطلق عليه سابقا "العمليات خارج النطاق" باتت أقل.

وفوق ذلك إن لحلف شمال الأطلسي حاليا مهمة في العراق، وهي مهمة تدريب للأفراد العسكريين وقوات وزارة الداخلية، ولكن فكرة قيام حلف شمال الأطلسي بالتدخل الإنساني في الشرق الأوسط تبدو غير محتملة إلى حد كبير. بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ أن نتذكر أنه لا يوجد بين حلفاء "الناتو" الاثنين والثلاثين موقف موحد بشأن القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وفيما يتمتع الاتحاد الأوروبي بمستوى معين من الإجماع حول هذه القضية، فإن منظمة حلف شمال الأطلسي، التي تضم عددًا أكبر من الأعضاء وطيفاً أوسع من الآراء، تفتقر إلى مثل هذا القدر من الإجماع، وهو ما يزيد من تعقيد إمكانية تدخل حلف شمال الأطلسي في المنطقة.

يوجد انقسام في المواقف والآراء داخل "الناتو" حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

مساعد الأمين العام لـ "الناتو" للشؤون السياسية والسياسة الأمنية

*لكن "الناتو" تدخل عسكريا في كوسوفو من قبل دون تفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو أساس قانوني.

-لقد كانت تلك بالفعل خطة استثنائية، وواجهنا انتقادات كبيرة بسبب تدخلنا دون أساس قانوني دولي، وبخاصة من روسيا والصين ودول أخرى. وكان تبريرنا لذلك هو أن صربيا كانت تهاجم  المدنيين، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من كوسوفو، وخلق أزمة إنسانية هائلة أدت إلى زعزعة استقرار البلدان المجاورة.

وفي مواجهة حالة الطوارئ الإنسانية والسياسية هذه، قررنا التدخل، حتى في غياب قرار من مجلس الأمن الدولي. ومن المهم أن نلاحظ أن قرار مجلس الأمن جاء بعد التدخل، وهو القرار رقم 1244، الذي أصبح الأساس لقوة حلف شمال الأطلسي في كوسوفو (KFOR).

وهكذا، شكّل استخدام القوة في كوسوفو من دون قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة استثناء كبيرا. وكان يُنظر إلى الأزمة باعتبارها أزمة هائلة من الناحيتين الإنسانية والسياسية، يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة بأكملها. وكانت هذه الأزمة في أوروبا، على مقربة شديدة من أراضي إحدى الدول الحليفة، اليونان على وجه التحديد، الأمر الذي عزز الإرادة السياسية للتحرك.

الناتو
السفير بوريس روج - مساعد الأمين العام لحلف "الناتو" للشؤون السياسية والسياسة الأمنية

*لكن ما يحدث في غزة هو أيضا مأساة إنسانية ذات أبعاد هائلة. لقد حضرت المؤتمر الصحفي للأمين العام ينس ستولتنبرغ في وقت سابق اليوم، وقد ذكر أن الأمن العالمي، وليس فقط أمن أوروبا، يمثل أولوية رئيسية لحلف شمال الأطلسي. حتى أن حلف شمال الأطلسي أعلن عن إنشاء أول مكتب اتصال له على الإطلاق في المنطقة، في الأردن، وهو ما يدل على التزامه بالتعاون والمشاركة مع الشرق الأوسط. إذن، هل تعتقد أن المأساة الإنسانية في غزة لا تشكل أولوية بالنسبة لحلف شمال الأطلسي؟

-بداية، أعتقد أن جميع حلفاء "الناتو" ينظرون إلى الوضع في غزة باعتباره مأساة إنسانية. لقد أكد الأمين العام ستولتنبرغ باستمرار على ضرورة احترام القانون الإنساني الدولي، وهناك مخاوف بين بعض الحلفاء من أن ما يحدث في غزة ليس مجرد مأساة إنسانية، ولكنه أيضا انتهاك للقانون الإنساني الدولي. ومن الضروري أن تحترم جميع الأطراف المشاركة في النزاع القانون الإنساني الدولي.

وهناك فهم مشترك بأن هذه أزمة إنسانية ذات آثار سياسية واستراتيجية كبيرة. لقد عملت، في مناصبي السابقة، على نطاق واسع مع الإسرائيليين والفلسطينيين، بما في ذلك السلطة الفلسطينية في رام الله، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى نظرائهم على الجانب الإسرائيلي. أنا أتعاطف بشدة مع الناس هناك. وأتذكر حالة خاصة عندما تواصل معي مواطن أمريكي فلسطيني لأن والديه المسنين كانا محاصرين في غزة في وقت عيد الميلاد. ولم يتمكن الأب، الذي يعتمد على الدواء، من الحصول عليه وهو عالق في شمال غزة. وقد حاولت المساعدة، واستطعنا في النهاية إخراجهم من هناك، ولكن ذلك مجرد مثال واحد على العديد والعديد من المآسي التي تحدث هناك، بما فيها وفيات لأطفال، وهو أمر غير مقبول بكل بساطة.

ومع ذلك، لكي يتخذ الناتو إجراءً، يجب أن يكون هناك إجماع حول رؤيتنا للقضية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية، وفي الوقت الحالي، لا يوجد اتفاق داخل الناتو حول هذه المسألة. وبدون موقف موحد، يصبح من الصعب على حلف شمال الأطلسي أن يتدخل بفعالية في المنطقة.

فبعض الحلفاء يتعاطفون بقوة مع القضية الفلسطينية ووضع الفلسطينيين، في حين يؤيد آخرون بشكل أكبر الموقف الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية. هذا الافتقار إلى منظور موحد هو ما يمنعنا من الحصول على نقطة بداية مشتركة.

ففي أفغانستان، على سبيل المثال، لم نشارك في البداية كمهمة إنسانية، بل كعملية لمكافحة الإرهاب تستهدف تنظيم القاعدة وحركة طالبان، اللذين كانا يؤويان تنظيم القاعدة. وبمرور الوقت، تطورت هذه المهمة إلى مهمة أساسية لبناء الأمة والإنسانية، بهدف تحويل أفغانستان ودعم النساء والفتيات هناك. ولكننا فشلنا في نهاية المطاف في تحقيق هذه الأهداف.

ولم تكن هذه النتيجة مفاجئة بالنسبة لي بشكل خاص، وذلك نظرا لتجربتي في كوسوفو ـ وهي منطقة أصغر كثيراً حيث كان لدينا عدد كبير من القوات وكانت القوات التابعة للأمم المتحدة تعمل جنبا إلى جنب مع حلف شمال الأطلسي، ومع ذلك، واجهنا تحديات كبيرة في إحداث التغيير المجتمعي كغرباء.

هناك مخاوف بين بعض الحلفاء من أن ما يحدث في غزة ليس مجرد مأساة إنسانية، ولكنه أيضا انتهاك للقانون الإنساني الدولي

مساعد الأمين العام لـ "الناتو" للشؤون السياسية والسياسة الأمنية

*من المفهوم أن الناس يشعرون بعاطفة شديدة تجاه المأساة الإنسانية في أوكرانيا. لكن بعض الأصوات تطالب بتدمير روسيا. فهل هذا منطقي من الناحية العسكرية، في ظل امتلاك روسيا لآلاف الأسلحة النووية؟

-ليس هناك نية لتدمير روسيا. الحق أن روسيا تشكل تهديدا لنا، بينما لا نشكل تهديدا لروسيا، بل نريد الحفاظ على اتصالات معقولة. نحن لا نتطلع إلى هزيمة روسيا، بل نريد أن تخرج روسيا من أوكرانيا وتوقف هجماتها ضد المدنيين. وكما تعلمون، مرة أخرى، فإن حياة أي إنسان في أي مكان في العالم يجب أن تكون مساوية في القيمة لحياة أي إنسان آخر. لذا، فإن هجوما بطائرة بدون طيار في غزة يقتل أطفالا، بالنسبة لي هو أمر سيء مثل الهجوم الصاروخي على المستشفى في وسط مدينة كييف.

اقرأ أيضا: حلف "الناتو"... أربع سنوات محتملة مع "الترمبية" الصاعدة

*هل تعتقد أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي قد يُنتخب مرة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، جعل "الناتو" أقوى من خلال الضغط على الدول الأعضاء فيه للالتزام بقاعدة الإنفاق الدفاعي؟ بعبارة أخرى، هل يُنسب الفضل لترمب في جعل "الناتو" أكثر قوة وتماسكا اليوم؟

-أعتقد أن ما سأقوله بالتأكيد وما قاله الأمين العام اليوم في المؤتمر الصحفي هو أن الرئيس ترمب، عندما كان في منصبه، أشار بشكل صحيح إلى أن العديد من الحلفاء الأوروبيين لم يفوا بالتزاماتهم، أي رفع إنفاقهم العسكري إلى 2 في المئة من الناتج المحلي على مدى 10 سنوات، وكان ذلك عادلا تماما. وهو ليس أول رئيس أميركي يشير إلى ذلك. وقد اشتكى الديمقراطيون والجمهوريون، على حد سواء، مرارا من أن الأوروبيين لا يبذلون ما يكفي من الجهد. لكن السيد ترمب فعل ذلك بطريقة أكثر قوة وأقل دبلوماسية. و لحسن الحظ، نحن الآن في وضع مختلف قليلا، كما تعلمون، فلدينا 23 حليفا ينفق بمعدل 2% في المئة أو أكثر. لذا، نحن في وضع أفضل، ولا شك – في اعتقادي – في أن السيد ترمب ساهم في تحفيز الحلفاء الأوروبيين على بذل المزيد من الجهد.

font change

مقالات ذات صلة