سيعزز الإعلان عن تسليم طائرات مقاتلة أميركية الصنع من طراز" إف-16" إلى أوكرانيا دفاعات البلاد الجوية بشكل كبير، في وقت تكافح فيه كييف للدفاع عن نفسها ضد تصاعد الهجمات الروسية.
وفي أحدث دليل على التهديد المتزايد الذي تواجهه أوكرانيا من الصواريخ الروسية، لقي شخصان حتفهما عندما تعرض مستشفى أوماتديت للأطفال، أكبر منشأة لطب الأطفال في أوكرانيا، لأضرار جسيمة خلال الموجة الأخيرة من الضربات الصاروخية الروسية. وذكرت السلطات الأوكرانية أن إجمالي 36 شخصا قتلوا بينما أصيب 140 آخرون في الضربات التي شنتها روسيا على عدد من المدن الأوكرانية، بما في ذلك كييف.
ونفت روسيا استهداف المستشفى بشكل مباشر، مدعية أنه أصيب بشظايا صاروخ دفاع جوي أوكراني، وهي ادعاءات جرى نفيها لاحقا بعد أن زعمت أوكرانيا أنها عثرت على بقايا صاروخ كروز روسي في مجمع المستشفى.
وتعتبر موجة الهجمات الروسية، التي تزامنت مع استعداد قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) المؤلف من 32 دولة للاجتماع في واشنطن للاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس المنظمة، جزءا من موجة متزايدة من الهجمات التي تنفذها روسيا ضد البنية التحتية الوطنية لأوكرانيا في محاولة متعمدة لتقويض معنويات الشعب الأوكراني.
وعلاوة على ذلك، سلط تصاعد الهجمات الضوء على نقاط الضعف في قدرة الدفاعات الجوية الأوكرانية على مواجهة القوة النارية الروسية، وهو الضعف الذي يأمل الأوكرانيون في معالجته من خلال تسليم مقاتلات "إف-16". وهي نقطة حرص الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الموجود في واشنطن لحضور قمة "الناتو"، على التأكيد عليها في محاولاته للضغط على قادة التحالف من أجل توفير حماية أفضل ضد الهجمات الروسية.
وبالإضافة إلى ذلك، تضغط أوكرانيا على حلفائها الغربيين لمنحها الإذن بضرب أهداف عسكرية في عمق روسيا، يستخدمها الجيش الروسي لمهاجمة البنية التحتية في أوكرانيا.
وفي خطاب ألقاه أمام مؤسسة "ريغان" هذا الأسبوع، دعا زيلينسكي المسؤولين الأميركيين إلى رفع القيود التي فرضتها واشنطن على استخدام الأسلحة الأميركية، والتي قال إنها ستساعد في إحباط الهجمات الروسية على المدن الأوكرانية الرئيسة، مثل معقل خاركيف الشرقي أحد الأهداف الرئيسة للهجوم الروسي الأخير. وعلى وجه الخصوص، يضغط زيلينسكي على الولايات المتحدة للحصول على إذن بنشر أسلحة بعيدة المدى يمكنها استهداف المطارات على بعد مئات الأميال داخل روسيا.
ويصر الأوكرانيون على أن هذه القواعد تُستخدم لشن هجمات روسية ضد المراكز السكانية الأوكرانية الرئيسة باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة، وبعضها مليء بمواد متفجرة كافية لتدمير مبنى بضربة واحدة. ويزعم الجيش الأوكراني أن روسيا تطلق نحو 3500 صاروخ على أهداف أوكرانية كل شهر.
وقال زيلينسكي في خطابه: "يمكننا حماية مدننا من القنابل الروسية الموجهة إذا اتخذت القيادة الأميركية خطوة إلى الأمام وسمحت لنا بتدمير الطائرات العسكرية الروسية في قواعدها".
في خطاب ألقاه أمام مؤسسة "ريغان" هذا الأسبوع، دعا زيلينسكي المسؤولين الأميركيين إلى رفع القيود التي فرضتها واشنطن على استخدام الأسلحة الأميركية
وبينما أعطى الرئيس الأميركي جو بايدن الإذن لأوكرانيا باستخدام الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة ضد بعض الأهداف داخل روسيا، فإن المخاوف من أن تؤدي الهجمات الأوكرانية داخل روسيا إلى تصعيد الصراع تعني استمرار القيود على ضرب أهداف في عمق روسيا، مثل تلك المستخدمة لتنفيذ موجة الهجمات الأخيرة ضد أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن إعلان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في قمة "الناتو" أن الدفعة الأولى من الطائرات المقاتلة من طراز "إف-16" على وشك الإرسال إلى أوكرانيا سيوفر دفعة لزيلينسكي، الذي حذر باستمرار من أن بلاده تعاني من نقص شديد في الغطاء الجوي للدفاع عن نفسها ضد روسيا. وتتمتع الطائرات بالقدرة على شن ضربات في عمق روسيا، في حال سمحت الولايات المتحدة بتنفيذ مثل هذه العمليات.
وقال بلينكن، على هامش القمة، إن طائرات "إف-16" سيجري نقلها من الدنمارك وهولندا. وقال كبير الدبلوماسيين الأميركيين: "وسوف تحلق تلك الطائرات في سماء أوكرانيا هذا الصيف لضمان قدرة أوكرانيا على الاستمرار في الدفاع عن نفسها بشكل فعال ضد العدوان الروسي".
وقدمت أوكرانيا لأول مرة طلبا لتزويدها بطائرات "إف-16" أواخر عام 2022، عندما كانت تحقق نجاحات كبيرة في ساحة المعركة، حيث استعادت مدنا ذات أهمية استراتيجية مثل خاركيف في الشرق وخيرسون في الجنوب.
في البداية، عارض بايدن نقل الطائرات إلى أوكرانيا بعد أن عرض عدد من الدول الأوروبية المجهزة بمقاتلات أميركية الصنع التبرع بها للمجهود الحربي في أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن المقاتلات مملوكة ومدارة من قبل الأوروبيين، فإن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بالحق في تقييد نقلها إلى أطراف ثالثة. ودفعت المخاوف بشأن تصعيد الصراع مع روسيا بايدن بداية إلى معارضة هذه الخطوة، قبل أن يقتنع في نهاية المطاف بتغيير رأيه بعد تعرضه لضغوط شديدة من حلفائه الأوروبيين. وبعد أن سمحت الولايات المتحدة بنقل الطائرات الحربية، طلبت بعد ذلك من الطيارين الأوكرانيين الخضوع لتدريبات مكثفة حتى يتمكنوا من الطيران بها.
والآن بعد أن اكتمل التدريب، تجري عملية نقل الدفعة الأولى من طائرات "إف-16"، التي تُعتَبَر متفوقة على الطائرات الحربية الروسية، حتى لو كان العدد الإجمالي للطائرات المتجهة إلى أوكرانيا أقل بكثير من الأرقام التي يدعي زيلينسكي أنها مطلوبة لتوفير غطاء جوي فعال لبلاده.
وقالت دول "الناتو" إنها سترسل ما مجموعه 65 طائرة من طراز "إف-16" إلى أوكرانيا، بينما قال زيلينسكي إن بلاده تحتاج إلى 128 طائرة على الأقل لتعويض التفوق الجوي الروسي.
ومع ذلك، فإن تسليم الدفعة الأولى من الطائرات المذكورة لن يعزز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الروسية فحسب، بل سيعكس أيضا التزام حلف شمال الأطلسي العميق تجاه القضية الأوكرانية، وهو ما سيؤدي ذات يوم إلى أن تصبح كييف عضوا أساسيا في التحالف الذي يضم 32 دولة.
بالإضافة إلى الإعلان عن تسليم طائرات "إف-16"، كشف بلينكن أيضا أن قادة التحالف توافقوا على وضع "مسار واضح" يمهد الطريق لانضمام أوكرانيا في نهاية المطاف إلى حلف شمال الأطلسي.
ورغم أن تحقيق العضوية الكاملة في حلف شمال الأطلسي سيستغرق سنوات من التحضيرات، فإن الانضمام إلى هذا التحالف الذي يضم 32 دولة سيضفي على أوكرانيا ضمانات طويلة الأمد تفوق بكثير ما يمكن أن تقدمه أي كمية من طائرات "إف-16".