في البداية، "كانت كل الأفلام قصيرة"، فلم يكن مسموحا لصناع السينما آنذاك، سوى تلك المساحات المقتضبة لصناعة الأفلام. وفي الحقيقة إنه كلما زادت مدة الفيلم على الشاشة، زاد عدد البكرات، وبالتالي تكاليف الإنتاج، لذلك بقي الفيلم القصير لسنوات طويلة هو الشكل الفيلمي الوحيد، ولم يسلم المغامرون الأوائل من المخاطرة والمجازفة لتقديم فيلم طويل، حتى أن فنانا مثل تشارلي شابلن واجه صعوبات في إنتاج فيلمه الطويل الأول "الفتى" (1921)، كادت تعصف بالمشروع من الأساس.
مثّل التحول إلى التصوير الرقمي في ما بعد، منعطفا مهما في تاريخ السينما العالمي، فلم يعد هناك حدود لعدد الساعات أو المشاهد المصورة، مما حدا بالبعض إلى إطلاق العنان لمشاريع تجريبية قد يكون فيلم "خدمات لوجستية" (2012)، واحدا من أغربها على الإطلاق. وهو فيلم وثائقي من السويد يتحتم على من يرغب في مشاهدته التفرغ لوقت طويل مع مراعاة تجنب الشعور بالملل قدر المستطاع، فليس هناك أحداث أو حكاية، علاوة على أن الكاميرا ثابتة لا تتحرك أو تحيد عن الميناء الموجهة صوبه، أضف إلى ذلك مدة الفيلم التي تقترب من 900 ساعة أي ما يتجاوز شهرا بكامله.
وفي حين يحتفى عالميا بالفيلم القصير، نجده لا يحظى بالتقدير الكافي عربيا، إذ يواجه الكثير من التحديات، بداية من عزوف الجمهور عنه، وانتهاء بالسمعة التي شوهته باعتباره مجرد بروفة لفيلم روائي طويل. في كتابها الجديد، "الفيلم الروائي القصير في مصر" الصادر عن دار "المرايا للثقافة والفنون"، تتبع المونتيرة والناقدة السينمائية المصرية صفاء الليثي رحلة الفيلم القصير منذ بدايات السينما في مصر حتى وقتنا الراهن.