في وقت تعيش خلاله أوروبا صيفا قد يغير مسارها لعقود قادمة خاصة مع ما سينتج عن استحقاقاتها الانتخابية من تحولات، ربما ظن البعض أن كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم قد تكون استراحة من حسابات السياسة والبحث في ما يواجه أوروبا من تحديات تخيم على مستقبلها. لكن أحداث البطولة لم تفوت الفرصة لإظهار تقاطعات لم يكن من الممكن تفاديها بين عالم الكرة وواقع الاختلافات السياسية والاجتماعية داخل المجتمعات الأوروبية.
ألمانيا التي احتضنت البطولة باحثة عن استعادة مجد كروي ضائع في السنوات الأخيرة وجد منتخبها نفسه في قلب سجال لم يختره بنفسه هذه المرة. مشهد اللاعبين الذين يمثلون المنتخب الألماني من أصحاب البشرة السمراء أو الأصول غير الأوروبية لم يعد بالغرابة التي كان عليها عندما كان جيرالد أسامواه أول لاعب مولود في أفريقيا يمثل ألمانيا في آخر بطولة كبرى استضافتها البلاد تحديدا في مونديال 2006، لكن الجدل الذي ثار حول إشارة من إصبع مدافع الفريق أنطونيو روديغر في صورة له بقميص المنتخب أظهر أن ثمة ما يكمن من إرث الماضي خلف الوجه الذي تريد ألمانيا تقديمه للعالم من خلال تلك البطولة.
سبابة روديغر -المولود لأسرة تنحدر جذورها من سيراليون- التي ارتفعت في الصورة، دفعت بعض الكتاب والسياسيين الألمان لاعتبارها إشارة لتوجهات إسلامية للاعب ريال مدريد، الذي اضطر قبل أشهر لإصدار بيان يشرح فيه للإعلام أن الصورة التي نشرها على "إنستغرام" بالحركة نفسها لتهنئة متابعيه بحلول شهر رمضان لا تتخطى حدود ما هو متعارف عليه في دينه، ثم واصل الدفاع عن نفسه خلال البطولة واصفا الحركة ذاتها بالاحتفال الذي يصدر عن عشرات من أقرانه اللاعبين.
الجهد الذي بذله المدافع الأسمر في شرح موقفه وبداية ألمانيا الجيدة في البطولة ربما ساعدا في الحد من تداعيات تلك الأزمة، لكن حجم ما بدا وكأنه مطاردة من إعلام الدولة المستضيفة لأحد أبرز لاعبي منتخبها لم يكن متسقا مع الدفاع عن حرية التعبير التي قال لاعبو ألمانيا إنها كانت ما دفعهم لتكميم أفواههم في صورة شهيرة قبل أولى مبارياتهم في مونديال قطر قبل عامين والذي غادروه بخفي حنين من الدور الأول.
الأعوام الثمانية عشرة بين مونديال 2006 ويورو 2024 على الأراضي الألمانية لا يبدو أنها غيرت الكثير في العلاقة بين لاعبي المنتخب الفرنسي وقوى اليمين المتشدد التي صعد نجمها مؤخرا في صناديق الاقتراع. وربما تبدو العلاقة بين اسمي "تورام" و"لوبان" تجسيدا لهذا التراشق العلني المتواصل منذ سنوات بين المعسكرين.
تورام الأب هو ليليان بطل العالم في 1998 وثاني أكثر من لعبوا مباريات بقميص المنتخب الفرنسي، والذي صرح خلال مونديال 2006 قائلا: "تحيا فرنسا، ولكن ليس فرنسا التي يريدها السيد لوبان"، في إشارة إلى زعيم "الجبهة الوطنية" وقتها جان ماري لوبان الذي أعرب لسنوات عن استيائه من تشكيل المنتخب الفرنسي المكون من أغلبية ساحقة "لا تردد النشيد الوطني" على حد تعبيره، من أبناء المهاجرين أصحاب البشرة السمراء والأصول المختلطة بين شمال وغرب أفريقيا وجزر الكاريبي التي ينحدر من إحداها تورام.