رفح- في 5 يناير/كانون الثاني الماضي، خرج الشاب فادي بكر من منزل عائلته غرب مدينة غزة رفقة ثلاثة شبان آخرين من أقاربه وأصدقائه بحثا عن الطحين أو أي مواد تموينية غذائية بعدما كانت الحرب في نهاية شهرها الثالث. مشى ما بين أربعة إلى خمسة كيلومترات حتى وصل منطقة تل الهوى جنوب غربي المدينة، حيث يوجد منزله وأسرته الصغيرة، صعد إلى المنزل وأخذ ذهب زوجته وبعض الحاجيات وأكمل طريقه باتجاه الجنوب حيث تمر شاحنات المساعدات المحملة بالطحين والمواد الغذائية.
يقول بكر (26 عاما): "المنطقة كانت خرابا، وأثناء انتظارنا نحن الأربعة سمعت صوت رصاصة أصابت شابا بجواري في الرأس، وقع ومات على الفور"، استمرت الطلقات النارية باتجاههم حيث أصابته في يده وأصابت رصاصة أخرى الشاب الثالث فيما قُتل رابعهم، وهربوا باتجاه المباني والمنازل المُدمرة فيما لحق بهم الجنود بدبابة إسرائيلية تطلق النيران باتجاههم.
اختبأ بكر خلف عمود إسمنتي أسفل عمارة قُصفت في وقت سابق من الحرب، فيما صعد الشاب الثاني على درج العمارة للأعلى، وصل الجنود وأطلقوا طائرة مراقبة صغيرة تستكشف المكان، بعدها صعد الجنود للأعلى وسط إطلاق نار كثيف قبل أن يهبط الجنود ويطلقوا النار باتجاهه، صرخ أحد الجنود الذي يتحدث العربية ليطالبه بالخروج، فرد عليه: "أنا متصاوب أنا متصاوب". أوقفوا إطلاق النار ووقف بصعوبة إثر إصابته برصاصتين، أجبروه على خلع ملابسه وطالبوه أن يدلهم على فتحة النفق التي خرج منها من تحت الأرض، بعدما صادروا مقتنياته من ملابس الشبان ومن بينها ذهب زوجته.
أخبرهم أنه مدني ويعمل محاميا في مؤسسة حقوقية، لكنهم لم يصدقوه وانهالوا عليه بالضرب وكرروا طلبهم، إلا أنه أكد على أنه لم يخرج من فتحة نفق وأنه مدني وذلك تحت سطوة بساطير الجنود الذين أمطروه بالضرب في كافة أنحاء جسده. كان قد مر أكثر من خمس ساعات وهو تحت التعذيب على الرغم من إصابته. وضع الجنود عصبة على عينيه وقيدوه من يده إلى طرف الآلية العسكرية واقتادوه إلى مكان قريب، حيث خضع لتحقيق أولي من قبل ضابط إسرائيلي سأله "وين فتحة النفق اللي طلعتوا منها إنت والشباب؟"، فأخبره أنهم حضروا من منازلهم على الطريق العام للحصول على الطحين والطعام، لم يصدقه وانهال عليه الجنود بالضرب.
عصبوا عينيه مرة أخرى وقيدوا يديه خلف ظهره ووضعوه فوق شيء لزج رائحته كريهة، فكوا العصبة عن عينيه فوجد نفسه فوق جثة نصفها متحلل، وأعاد الضابط السؤال ذاته مهددا إياه بالقتل إن لم يتعاون معهم. بكر الذي وضعه حظه السيئ والظروف الصعبة خلال الحرب وحاجة عائلته للطعام في منطقة تعتبر عسكرية وخطرة، لم يكن لديه ما يفعله سوى نطق الشهادتين والاستعداد للموت في أي لحظة، إلا أن الضابط قرر نقله إلى السجن لاستكمال التحقيق، عَلِمَ فيما بعد أنه سجن "سدي تيمان"، حيث يُعذب ويغتصب ويقتل المعتقلون من غزة.