بعد تسعة أشهر على الحرب التي تشنّها إسرائيل في غزة، مستغلة في ذلك العملية الهجومية التي شنتها حركة "حماس" (7/ 10/ 2023)، باتت أهداف تلك الحرب، غير المسبوقة، غاية في الوضوح على أرض الواقع، رغم تعمد حكومة بنيامين نتنياهو إرسال إشارات غير واضحة عن حقيقة مراميها، مركزة في ذلك على استعادة مخطوفيها أو أسراها، واستئصال خطر حركة "حماس" والحؤول دون تكرار مثل تلك العملية مستقبلا.
على ذلك، فإن البحث في الأهداف الحقيقية للحرب لا تكمن في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، الكثيرة والمتضاربة، وإنما في أشكال الحرب التي اعتمدوها واستهدافاتها ونوعية أسلحتها ومجمل تداعياتها، سياسيا وأمنيا واجتماعيا واقتصاديا.
ومنذ الأيام الأولى وطوال الأشهر الماضية، استخدمت إسرائيل جبروتها العسكري لإلحاق أكبر خسائر بشرية في الفلسطينيين وتدمير عمرانهم وهدم بيوتهم. وعملت على حرمانهم من كل ممكنات العيش، من الماء والكهرباء والغذاء والوقود والدواء والمأوى، بهدف واضح ومحدد هو تحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للعيش ودفع الغزّيين إلى تركه (يقدر بعضهم أن ثمة 200 ألف غزّي تركوا القطاع بعد دفع مبالغ طائلة).
هذا الوضع لا يلغي أن الفصائل الفلسطينية ظلت تقاتل وتشتبك وتقصف، وأن إسرائيل لم تستطع تحرير أسراها، إلا أن المقارنة لا تقاس بين ما استطاعته المقاومة وما فعلته إسرائيل في قطاع غزة وفي أكثر من مليونين من الفلسطينيين من سكانها الذين اختفى عالمهم، وليس ثمة شيء بقي لهم كي يعودوا إليه، في اليوم التالي للحرب.
الناحية الأخرى، التي يفترض الانتباه إليها هنا أن إسرائيل تحاول عبر نموذج حربها في غزة، ترويع الفلسطينيين وإخضاعهم لإملاءاتها، من النهر إلى البحر، والتخلص نهائيا من فكرة الدولة الفلسطينية التي ترى أنها ستقوم على حساب إسرائيل كدولة يهودية وهو الهاجس الذي تملّك نتنياهو منذ صعد إلى رئاسة الحكومة في حقبته الأولى (1996-1999) بعد اغتيال إسحق رابين وهو ما تابعه في حقبتيه، الثانية (2009-2021) حيث كرس فكرة إسرائيل كدولة يهودية (في نص دستوري 2018) والثالثة (2022 حتى الآن) بانتقاله نحو تكريس إسرائيل كدولة يهودية ودينية، على حساب كونها دولة ليبرالية وديمقراطية (لسكانها اليهود)، مع حسم الموضوع الفلسطيني نهائيا.