المدينة الفضائية المصرية لتوطين الأقمار الاصطناعية

انطلاق المرحلة الأولى من بنائها في العاصمة الإدارية

Nexsat
Nexsat
القمر الصناعي - NEXSat

المدينة الفضائية المصرية لتوطين الأقمار الاصطناعية

تسعى مصر بخطى ثابتة إلى تحقيق العديد من المكاسب التي تدر عوائد بالعملات الأجنبية، مما يمكنها من تحقيق الآمال والطموحات لمواطنيها، وفي الوقت نفسه مواكبة الدول المتقدمة في علوم الفضاء. هي تعمل لتوطين تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية لتلبية متطلبات التنمية المستدامة لعام 2030، بتشييد مدينة فضائية ضخمة لتطوير علوم الفضاء على مساحة تبلغ 123 فداناً على عتبات مدينة القاهرة الجديدة وعلى أرض العاصمة الإدارية الجديدة بمنحة من الصين، لإنتاج الأقمار الاصطناعية وتجميعها. وستعطي هذه الخطوة المصريين أملاً في الانطلاق إلى العالمية في مجال الفضاء، وجذب الاستثمارات في هذا المجال الحيوي، مما يدر مداخيل مباشرة على الاقتصاد المصري، تنعكس عليهم إيجاباً وتحقق أحلامهم بمستقبل مشرق لأولادهم. وتأمل القاهرة في أن تضمن لنفسها مكاناً على الخريطة الفضائية، وأن تمتلك القدرة في النواحي والتطبيقات الخاصة بتكنولوجيا الفضاء كلها، مما يمثل خطوة على صعيد تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال تصنيع الأقمار الاصطناعية، فتصبح البلاد طرفاً فاعلاً رئيساً في هذا المجال الواعد.

تُعَدّ المدينة الفضائية واحداً من أهم المشاريع التي تنتهجها الدولة في ضوء جهود البلاد للريادة التكنولوجية. وتستمر أعمال الإنشاءات على أكمل وجه في تلك المدينة، التي تضمّ نحو 23 مبنى.

مشروع في إطار استراتيجيا طموحة

وقاربت مصر الانتهاء من المرحلة الأولى للمدينة الفضائية وسيكون لها افتتاح رئاسي قريباً. وتضم المدينة المقر الرئيس لوكالة الفضاء المصرية، وأكاديمية الفضاء، ومركز تجميع الأقمار الاصطناعية واختبارها، الذي يُعَدّ الأكبر من نوعه في أفريقيا والشرق الأوسط. وستتضمن المدينة أيضاً محطة للتحكم والمراقبة، وستحتضن مقر وكالة الفضاء الأفريقية.

المدينة الفضائية لخدمة استراتيجيا مصر الطموحة لتطوير قدراتها في مجال الفضاء، وإطلاق مزيد من الأقمار الاصطناعية التي تخدم مجالات متعددة مثل الزراعة والصحة والاتصالات والبيئة والمياه

تأتي إقامة مدينة فضائية في إطار استراتيجيا مصر الطموحة لتطوير قدراتها في مجال الفضاء، وإطلاق مزيد من الأقمار الاصطناعية التي تخدم مجالات متعددة مثل الزراعة والصحة والاتصالات والبيئة، واستكشاف الثروات المعدنية، وتحديد مصادر المياه السطحية، ودراسة تأثيرات التغير المناخي في البيئة مما يساهم في دعم الاقتصاد المصري. ويمكن استغلال بيانات الأقمار التي تملكها وكالة الفضاء المصرية وخدماتها من خلال تجميع الأقمار واختبارها وتسويقها في دول العالم كلها، وتفعيل دور الوكالة كهيئة اقتصادية، للمساهمة في شكل فاعل في بناء الاقتصاد والتحول إلى أحد المصادر التي تعول البلاد عليها للدخل القومي من العملة الصعبة في السنوات الخمس المقبلة.

وكالة الفضاء الأوروبية
وكالة الفضاء المصرية تطلق قمرا صناعيا للاستشعار عن بعد

وتسعى القاهرة من خلال هذه المدينة الفضائية إلى تعزيز مكانتها كمركز إقليمي ودولي رائد في علوم الفضاء وتكنولوجياته. تضم المدينة الفضائية مبنى يخص وكالة الفضاء الأفريقية، حظيت الدولة المصرية بإنشائه، مما يجسد دورها كبوابة أفريقيا نحو آفاق أوسع في هذا المجال الواعد. وتأمل القاهرة في أن يكون لبكين دور في حلحلة أزمة سد النهضة الإثيوبي، وأن تساهم الدبلوماسية الصينية، بحكم علاقاتها القوية واستثماراتها مع أديس أبابا، في أن تكون وسيطاً في حل تلك القضية، ذلك أن التفاوض على مدار أكثر من 10 سنوات لم يصل إلى تسوية.

يذكر أن مركز تصميم الأقمار الاصطناعية وإنتاجها استطاع داخل المدينة الفضائية العالمية القائمة في القاهرة تجميع وإنتاج أول قمر اصطناعي مصري "مصر سات 2" بخبرات صينية وإطلاقه إلى الفضاء في ديسمبر/كانون الأول 2023 من قاعدة تيوتشان الصينية.

حققت 70 سنة من العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر والصين، تطوراً كبيراً وإنجازات عادت بمنافع على قطاعات المواصلات والاتصالات وصناعة السيارات والتعدين وصناعة الغزل والنسيج وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء

حققت العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر والصين، التي قاربت 70 سنة، تطوراً كبيراً بين البلدين وإنجازات عديدة عادت بمنافع هائلة على مصر في المواصلات والاتصالات وصناعة السيارات والتعدين وصناعة الغزل والنسيج وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء والمدن الذكية والطاقة الجديدة والمتجددة وقطاعات الطاقة والنقل والهيدروجين الأخضر والاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والفضاء والطب الحيوي.

الاستثمارات الصينية في مصر

وتُقدَّر الاستثمارات الصينية في مصر بأكثر من سبعة مليارات دولار، بينما تجاوز عدد الشركات الصينية العاملة في مصر 1,500 شركة.

وكالة الأنباء الصينية شينخوا
الصين تطلق القمر الصناعي المصري للاستشعار عن بعد "نايل سات 2" إلى الفضاء

وتضخ الصين أيضاً استثمارات في إقامة ضاحية للمال والأعمال في العاصمة الإدارية الجديدة وتدشين القطار الكهربائي إلى العاشر من رمضان وقطار "المونوريل" الذي يربط مدينة السادس من أكتوبر بالعاصمة الإدارية. وتخطط الصين لزيادة الصادرات مع الجانب المصري بعد إعلان خطة إنشاء أكبر منطقة صناعية بين مصر والصين على ساحل البحر المتوسط في مارس/آذار الماضي بعد نجاح تجربة التعاون المصري الصيني في منطقة تيدا للتعاون الاقتصادي. وتعتزم شركات صينية ضخ استثمارات بنحو 15 مليار دولار في إنتاج الوقود الأخضر والتصنيع، ووافقت بكين أخيراً على برنامج لمبادلة الديون مع القاهرة للمرة الأولى في تاريخها. وافتُتِح أول مصرف صيني في مصر في إطار التعامل بالعملة المحلية لكلا البلدين من أجل خفض الاعتماد على الدولار.

 تعتزم القاهرة إطلاق كوكبة من الأقمار، لكي تساهم في تعزيز دورها الريادي في أفريقيا في مجال تكنولوجيا الفضاء وعلومه

الدكتور شريف صدقي، الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية

تعتزم القاهرة في الآونة المقبلة إطلاق كوكبة من الأقمار، لكي تساهم في تعزيز دورها الريادي في أفريقيا في مجال تكنولوجيا الفضاء وعلومه وفق تصريحات الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية، الدكتور شريف صدقي، الذي استعرض مستجدات اختبارات القمر الاصطناعي "مصر سات 2" – الذي تسلمته مصر في مارس/آذار 2023 – في مركز التجميع والتكامل والاختبار بمقر الوكالة في العاصمة الإدارية الجديدة. وتضمنت المستجدات الاختبارات الكهربائية، واختبار محاكاة الأحمال الديناميكية على النموذج الفضائي للقمر الاصطناعي "مصر سات 2"، والمكون المصري، وكذلك الاختبارات التوافقية الكهرومغناطيسية، وأيضاً اختبارات محاكاة البيئة الفضائية، إلى جانب الخبرات التي اكتسبتها الكوادر المصرية العاملة في الوكالة نتيجة إجراء كل هذه العمليات في مصر، بالتعاون مع خبراء صينيين.

مصر نحو "الفتح الفضائي"

في هذا السياق، التقت "المجلة" نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة، الدكتور علاء النهري، الذي اعتبر أن الأنشطة الفضائية التي تضمها المدينة الفضائية "هي خطوة للمضي قدماً نحو تحقيق المجالات الفضائية المتقدمة كلها، لمواكبة مثيلاتها في الدول المتقدمة في علوم الفضاء، ولا سيما دولة الصين، التي قدمت العديد من الشراكات مع مصر في ما يتعلق بتكنولوجيا الفضاء والتكنولوجيات المساعدة".

وقال: "تشمل المدينة المبنى الرئيس لوكالة الفضاء المصرية بمعاملها ومبناها الإداري، بالإضافة إلى قاعة مؤتمرات ومكتبة كبرى خاصة بالمجال الفضائي، ومبنى كبير للمراقبة والتحكم للمدينة، بالإضافة إلى مجموعة من المباني والإنشاءات للفنيين والعاملين بمركز تجميع الأقمار الاصطناعية. كما تضم مبنى خاصاً بوكالة الفضاء الأفريقية".

تتضمن المرحلة إنشاء وكالة الفضاء المصرية وأكاديمية الفضاء ومركز تجميع الأقمار الاصطناعية واختبارها الذي يعد من أكبر المراكز في أفريقيا والشرق الأوسط بمنحة من الصين

الدكتور علاء النهري، نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء بالأمم المتحدة

ووفق النهري، "تتضمن المرحلة إنشاء وكالة الفضاء المصرية وأكاديمية الفضاء ومركز تجميع الأقمار الاصطناعية واختبارها الذي يعد من أكبر المراكز في أفريقيا والشرق الأوسط بمنحة من الصين. وتشمل أيضاً محطة التحكم في الأقمار الاصطناعية، وجزءاً من المعامل المهمة في تجهيز الأقمار الاصطناعية واختبار نجاحها للتعامل مع البيئة الفضائية. وتتضمن المرحلة أيضاً إنشاء مقر وكالة الفضاء الأفريقية، علماً بأن تلك المرحلة تغطي عمل وكالة الفضاء وخطتها على مدار السنوات العشر المقبلة".

وكالة الفضاء الأفريقية وجهة داخل الأراضي المصرية

وفازت مصر باستضافة مقر قيادة وكالة الفضاء الأفريقية بصفتها عضواً مؤسساً في الاتحاد الأفريقي. سيكون لهذا المشروع مردود اقتصادي في ظل التطورات التكنولوجية التي يمر بها العالم، وذلك خلال اجتماعات المجلس التنفيذي لوزراء الخارجية الأفارقة التي عُقِدت في أديس أبابا وتنفيذاً لقرار القمة الأفريقية في فبراير/شباط 2019. يعكس ذلك الثقة بأن مصر قادرة على العمل الأفريقي الموحد. من أهم الاستراتيجيات هي تعزيز دور مصر الريادي في أفريقيا في مجال تكنولوجيا وعلوم الفضاء. من بين التجهيزات التي خرجت الى النور هو مركز تجميع الأقمار الاصطناعية وتكاملها واختبارها، إذ يُعتبَر أحد أهم المشاريع الضخمة التي نفذتها وكالة الفضاء المصرية. وتراهن أفريقيا على الدور الذي يمكن أن تؤديه مصر في مجال الفضاء والاستشعار عن بعد، واستخدام تكنولوجيا الفضاء في تحقيق التنمية المستدامة في القارة بما يتماشى مع أجندة أفريقيا 2063.

استراتيجيا الوكالة

يذكر أن القارة السمراء أنشأت أول موقع إطلاق عالمي للأقمار الاصطناعية في كينيا عام 1964 بشراكة بين مركز بحوث الفضاء التابع لجامعة سابينزا الإيطالية، ووكالة "ناسا" الأميركية، إضافة إلى 14 دولة أفريقية تمتلك أنشطة فضائية مختلفة من خلال وكالة للفضاء أو مركز بحوث متخصص. وتمتلك دول القارة الأفريقية 31 قمراً اصطناعياً موزعة على ثماني دول، تشمل جنوب أفريقيا (سبعة أقمار)، ونيجيريا (ستة أقمار)، ومصر (ستة أقمار)، والجزائر (ستة أقمار)، والمغرب (ستة أقمار)، وغانا (قمر واحد)، وأنغولا (قمر واحد)، وكينيا (قمر واحد).

 (EgSA) وكالة الفضاء المصرية

تركز استراتيجيا الوكالة على التوسع في توطين تكنولوجيا الأقمار لتلبية متطلبات التنمية المستدامة في الدولة المصرية في مختلف المجالات التي تساهم في الزراعة من خلال اكتشاف أراضٍ جديدة لزيادة الرقعة الزراعية، ولاختيار أنسب تركيب محصولي يتوافق مع التغيرات المناخية والأنظمة والظروف البيئية، إلى جانب الكشف عن الموارد المائية والحفاظ عليها، والتعرف الى الموارد التعدينية ولا سيما الاستراتيجية مثل الرمال البيضاء التي تدخل في صناعة رقائق السيليكون والرمال السوداء التي تحتوي على عناصر مشعة، والمساعدة في التخطيط العمراني.

أطلقت مصر 11 قمرا اصطناعيا: "نايل سات 101" و"102" (2000) و"إيجبت سات 1" (2007) و"نايل سات 201" (2010) و"إيجبت سات 2" (2014) و"إيجبت سات إيه" و"طيبة 1" (2019) و"نايل سات 301" (2022) و"حورس 1 و2" (2023) و"مصر سات 2" (2023)

وستشهد الفترة المقبلة تدريب كوادر مصرية للعمل في هذا المشروع، الذي سيكون له دور في جذب العديد من الاستثمارات في هذا المجال بتجميع الأقمار الاصطناعية والقدرة على تكوين اختبارات ميكانيكية وبيئية لهذه الأقمار. وسيسمح ذلك لمصر بالدخول في مجالات تكنولوجية وعلوم الفضاء. وأثبتت مصر جدارتها في الفترات السابقة لكن في الخارج، والآن ستستقبل علماءها في هذا المجال للعمل بتلك الخبرات في الأراضي المصرية بتكنولوجيا عالمية، مما سيكون له مردود اقتصادي من المرجح أن يساهم في نمو الناتج القومي الإجمالي للبلاد.

وتُعَد مصر أول دولة أفريقية تدخل مجال علوم الفضاء، بدءاً من مرصد حلوان الذي بدأ العمل به عام 1905. وفي ستينات القرن العشرين، انخرطت مصر في سلسلة من عمليات الرصد والمتابعة للأقمار الصناعية. وبدأت استخدام تقنية الاستشعار عن بعد عام 1972 بعد إنشاء مركز الاستشعار عن بعد في أكاديمية البحث العلمي الذي تحول في ما بعد إلى الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء. وفي التسعينات، أطلقت مصر برنامجاً فضائياً وطنياً للاستخدامات السلمية. وفي أبريل/نيسان 1998، أُطلِق أول قمر صناعي مصري ("نايل سات 101") لتصبح مصر الدولة الرقم 60 على مستوى العالم في هذا المجال، وكان مخصصاً لأغراض الاتصالات الفضائية.

وأطلقت مصر ما مجمله 11 قمراً اصطناعياً لأغراض متنوعة، فبعد "نايل سات 101"، جاء دور "نايل سات 102" (2000) و"إيجبت سات 1" (2007) و"نايل سات 201" (2010) و"إيجبت سات 2" (2014) و"إيجبت سات إيه" (2019) و"طيبة 1" (2019) و"نايل سات 301" (2022) و"حورس 1" (2023) و"حورس 2" (2023) و"مصر سات 2" (2023).

font change

مقالات ذات صلة