المرأة السعودية رقم صعب في سوق العمل

من الهندسة والإنشاءات والرعاية الصحية إلى القطاع العسكري وسيارات الأجرة

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
جندية سعودية تحمل طفلا أثناء عملية الإجلاء من السودان إلى قاعدة الملك فيصل البحرية في جدة، 26 أبريل 2023.

المرأة السعودية رقم صعب في سوق العمل

تمثل المرأة أهمية كبيرة في الاقتصادات الحديثة. وقد ارتفع عدد النساء في سوق العمل منذ عام 1890 بعدما أتاحت الصناعات الوليدة في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة المجال أمام النساء للمساهمة في قوة العمل، خصوصاً في الصناعات الخفيفة مثل الصناعات النسيجية والصناعات الغذائية.

زادت الأعداد منذ مطلع القرن العشرين في مختلف الدول الصناعية وتنامت بعد الثورة البلشفية في روسيا والثورة الصينية، حيث مكنت الأفكار الاشتراكية من تجاوز التحفظات المجتمعية في العديد من المجتمعات. حاليا، تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن 45,6 في المئة من النساء في سن العمل (64 - 15) يعملن في مختلف القطاعات الاقتصادية في مختلف دول العالم مقارنة بـ 69,2 في المئة من الذكور من الفئة العمرية المشار إليها. لكن منظمة العمل الدولية لا تزال غير مطمئنة للتعامل مع المرأة في سوق العمل وذكرت أن هناك تحديات تواجه توظيف النساء على الرغم من المحاولات التي بذلت على مدار السنين والعقود لتجاوز عدم المساواة بين الذكور والإناث.

إقرأ أيضا: المرأة العربية... تحديات وآمال

وتزداد هوة عدم المساواة في الدول النامية خصوصا تلك التي تعاني من مشكلات اقتصادية بنيوية. تتفاوت معدلات البطالة بين الذكور والإناث بشكل مهم في الدول النامية ولكن المعدلات تتقلص في الدول المتقدمة.

تمكنت الدول العربية من تحسين مساهمة المرأة في سوق العمل، لكن النسبة لا تزال متواضعة في هذه الدول مجتمعة حيث تقدر بـ 18,4 % من النساء في سن العمل مقارنة بـ 77% من الذكور في هذه الفئة العمرية

تمكنت الدول العربية من تحسين مساهمة المرأة في سوق العمل لكن النسبة لا تزال متواضعة في هذه الدول مجتمعة حيث تقدر بـ 18,4 في المئة من النساء في سن العمل مقارنة بـ 77 في المئة من الذكور في هذه الفئة العمرية. ولا شك أن هذه النسبة تقل كثيراً عن النسبة المعلومة دولياً. ترتفع النسبة في دول الخليج لتصل إلى 26,9 في المئة، ولا بد هنا أن نأخذ في الاعتبار التركيبة السكانية في مختلف دول الخليج حيث ترتفع نسبة غير المواطنين في معظم دول المنطقة، وكذلك تشكل عمالة الوافدين النسبة الكبرى في أسواق العمل في هذه الدول.

تحول كبير في السعودية

سجلت السعودية في عام 2023 تحسناً مهماً في مساهمة المرأة في سوق العمل قدرت بـ 34,5 في المئة من النساء في سن العمل مقارنة بـ 79,9 في المئة للرجال.

رويترز
المدربة السعودية على الأسلحة النارية منى خريص تعلم كيفية الاستخدام الآمن للأسلحة في ميدان للرماية في الرياض، السعودية، 28 أكتوبر 2021.

تمكنت المرأة من الارتقاء بدورها المهني خلال السنوات القليلة الماضية بعد التطورات المجتمعية المهمة التي حصلت منذ أن تولى الملك سلمان الحكم في عام 2015 وقيام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمراجعة الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحكمت في البلاد لأمد طويل وتعديلها للارتقاء بالحياة الاقتصادية وتحرير البلاد من معوقات التنمية. عملت التطورات خلال السنوات القليلة الماضية على تعزيز دور المرأة في سوق  العمل وتمكين النساء من التأهل التعليمي والمهني بشكل قياسي.

سجلت السعودية في عام 2023 تحسناً مهماً في مساهمة المرأة في سوق العمل قدرت بـ 34,5% من النساء في سن العمل مقارنة بـ 79,9% للرجال

بدأ الاهتمام بتعليم البنات في السعودية متأخراً قياساً بدول خليجية أخرى مثل البحرين والكويت، وأنشئت أول مدرسة بنات في المملكة العربية السعودية عام 1956 وسميت دار الحنان، وقد رعت هذه المدرسة الأميرة الراحلة ألفت حرم الملك الراحل فيصل، عندما كان ولياً للعهد. كان عدد البنات اللاتي حصلن على مستوى محدود من التعليم قليلاً. في العام الدراسي  1960– 1961، افتتحت الحكومة أول مدرسة بنات حكومية. منذ ذلك الوقت، تمكنت السعودية من إلحاق البنات بالنظام التعليمي والأساسي ثم الجامعي لتشهد الآن الآلاف من متخرجات الجامعات والحاصلات على الشهادات ما بعد الجامعية، مثل الماجستير والدكتوراه، في حقول علمية وأدبية عديدة. تميزت الآلاف من السيدات السعوديات بنبوغهن وتمكنهن من الإبداع في مجالات مهنية متنوعة. في هذا العام، هناك 3,1 ملايين طالبة مقارنة بـ3,3 ملايين طالب في مختلف المراحل التعليمية الأساسية في السعودية.

الاستثمار في المرأة

بلغت نسبة الإناث من متخرجي الجامعات السعودية 57 في المئة على مدار السنوات الماضية منذ عام 2010. أدى هذا التطور في تعليم البنات إلى التأثير على سياسات التوظيف والبحث عن آليات لتمكين المرأة في الحياة الاقتصادية ورفع مستوى مساهمتها في سوق العمل. 

حقق الاستثمار في تعليم المرأة منذ خمسينات القرن الماضي تطوراً مهما في التنمية البشرية، ومكن البلاد من رفع قوة العمل الوطنية وتمكين القطاع الحكومي والقطاع الخاص من الاستفادة من المتعلمات حيث تزايد الطلب على المواطنين والمواطنات لشغل الوظائف الأساسية في مختلف الأنشطة. وارتفعت مساهمة المرأة السعودية في سوق العمل نتيجة لذلك إلى 36 في المئة. لفت هذا الارتفاع انتباه المنظمات الدولية وساهم في تطوير برامج تدريب للنساء السعوديات من قبل هذه المنظمات. الأهم من ذلك، أن رؤية 2030 تؤكد أهمية بلوغ مرحلة المساواة في التوظيف والأجور بين الذكور والإناث في سوق العمل السعودي. لا شك أن هناك أهمية لتجاوز العراقيل المجتمعية المتمثلة في رفض العديد من العوائل شغل البنات وظائف محددة أو تعتبر شاقة أو تعتمد على الاختلاط بالذكور. لكن طبيعة التطورات الجارية في البلاد وتحسن الاعتماد على الآليات العصرية والتقنيات الحديثة واعتماد الحكومة على سياسات تمكين المرأة، سوف تؤدي إلى الاستفادة المثالية من العناصر البشرية بما في ذلك العناصر النسائية. لا بد للعدد الكبير من المتعلمات السعوديات أن يفرض قيما متقدمة، ويحتم الاستفادة من هذا المخزون البشري لتحقيق أهداف التنمية والتوظيف الأمثل للطاقة البشرية.

تعمل السعوديات حاليا في قطاعات لم تخطر على بال أحد، مثل قطاع الهندسة والإنشاءات وتوزيع السلع والرعاية الصحية والقطاع العسكري

تعمل السعوديات حاليا في قطاعات لم تخطر على بال أحد، مثل قطاع الهندسة والإنشاءات والتوزيع السلعي والرعاية الصحية والقطاع العسكري. يجد المرء منذ أن تطأ أقدامه في أي من مطارات السعودية، العديد من الفتيات اللواتي يعملن في مراكز الهجرة والتفتيش الجمركي وفي الأسواق الحرة في المطارات. هناك أيضا السيدات اللواتي يعملن في قطاع النقل وقيادة سيارات الأجرة.

.أ.ف.ب
نقاش قيادة المرأة للسيارات في السعودية صار من الماضي، الرياض، 5 يوليو 2023.

هذه تحولات غير اعتيادية، ويمكن أن نذكر دور الشركات الكبرى في توظيف السيدات في مختلف المراكز الحيوية. كما ساهمت البرامج التي تبنتها الحكومة السعودية ضمن رؤية 2030 والمعتمدة على فلسفة التعليم المستمر وتطوير المهارات الفردية وبرامج التدريب في الأحياء السكنية، في تعزيز دور المرأة السعودية في قوة العمل. تشير البيانات الرسمية إلى أن نسبة النساء في المناصب الإدارية المتوسطة والعليا بلغت 30  في المئة في القطاعين العام والخاص منذ عام 2020، وكذلك بلغت نسبة السعوديات في الخدمة المدنية 41 في المئة.

إقرأ أيضا: النساء يعززن بقاء "داعش"

الجدير بالذكر أن المجتمعات الإنسانية تعتمد في تطورها وتحقيق أهداف التنمية المستدامة على استثمار القوة البشرية من دون تميز بين الذكور والإناث، ويبدو أن هذه ملامح الفلسفة الحاكمة في السعودية.

font change

مقالات ذات صلة