رمزية بني أمية

رمزية بني أمية

من أكثر الهاشتاغات تداولا على منصة "إكس" لحظة كتابة هذا المقال، "لعن الله بني أمية" و"زمن الشيعة انتهى". يشي هذان الهاشتاغان بحالنا اليوم وكيف أننا، سنّة وشيعة، ما زلنا نقبع في تاريخ العداوات وقرع طبول الثأر، وكأن معركة صفين على وشك أن تبدأ من جديد، وكأن الدماء التي أريقت بعد سقوط العراق 2003 لم تكن كافية.

لعل الداعي الى هذا الصخب في هذه المنصة الإعلامية، هو قرار الحكومة الكويتية الجديدة منع الشعارات والأعلام وصور الرموز التي ترفع في يوم عاشوراء، ويبدو أنه قد حدث فعلا أن أزيلت تلك الشعارات والأعلام عن سقوف البيوت وواجهات الدكاكين.

استغلال موسم عاشوراء لرفع رايات الكراهية واللعن لبني أمية يستلزم وقفة. وأول ما ينبغي التذكير به أنه لا يوجد من بني أمية من يحكم مدينة واحدة في العالم العربي، ولا نعرف منهم أحدا على قيد الحياة، وإن ثبت أنه قد بقي من سلالتهم أحد فهم بلا شك بعيدون عن المشهد السياسي وليس لهم أي دور نراه أو نسمع عنه.

العداء لبني أمية جزء من المشروع الدعوي الإيراني الساعي إلى الهيمنة على العالم العربي

من هم بنو أمية الذين تلعنهم هذه الهاشتاغات؟ في الواقع، اللعن موجّه الى العرب كلهم وإلى كل حكوماتهم القائمة. هذا جزء من المشروع الدعوي الإيراني الساعي إلى الهيمنة على العالم العربي والإسلامي.

نحن لسنا من بني أمية، ولا يوجد بيننا وبين آل البيت أية عداوات أو ثأر أو حق يتطلب الانتقام، من أي من الطرفين. وإذا كان ثمة شخص لديه ثأر مع معاوية أو يزيد فعليه أولا أن يبحث عن سلالتهما وأحفادهما إن كانوا في هذا العالم، وإن وجد أحدا أو جماعة منهم فعليه أن يكون متحضرا بحيث يكتفي برفع دعوى إلى القضاء ضدهم، ولا ننصحه أبدا باستخدام العنف معهم.

ما نشاهده في كل موسم عاشوراء ليس سوى بروباغاندا إيرانية تحاول أن تصوّر كل أهل السنة، وخصوصا العرب، على أنهم أمويون أعداء. ما نعرفه من كتب السيرة أن بني أمية هم أبناء عمومة آل البيت، ولكن، ربما لأنهم أقرب إلى فن السياسة من آل البيت انتصروا في الحرب التي دارت في الطرفين. رجل السياسة سيهزم رجل الدين في كل حرب. وبسبب دهاء بني أمية ودنيويتهم ولمعرفتهم بالعرب وواقعيتهم وبراغماتيتهم وحبهم للعطايا وبذل المال، استطاعوا أن يحكموا الدولة العربية الأولى لمدة تسعين سنة، ثم أحيوا دولتهم بعد سقوطها وبعثوها في الأندلس ليؤسسوا دولة عظيمة هناك كانت رمزا كبيرا للحضارة والعلم.

لا يوجد دولة أموية اليوم، لكن هناك من يشبه المملكة العربية السعودية بتلك الدولة، والتشبيه ليس خاطئا تماما، وإن كانتا لا تتماثلان في كل شيء، بل يمكن أن نطيل الحديث في النقاط الجوهرية التي تختلف فيها الدولتان، وهناك من الباحثين من كتب وأسهب في إظهار تلك الاختلافات.

 لو كان الاحتفال بالعاشر من محرم مجرد احتفال لما استاء أحد، لكن هذا التاريخ (عاشوراء) يرمز إلى معركة كربلاء التي وقعت في سنة 61 هـ الموافق 12 أكتوبر/ تشرين الأول 680 بين الحسين بن علي بن أبي طالب وجيش يزيد بن معاوية والتي انتهت بمقتل الحسين. لا يوجد اختلاف بين السنة والشيعة في حكاية الرواية، حتى في أدق التفاصيل، لكنهم اختلفوا في المواقف السياسية. خلاف السنة والشيعة خلاف سياسي أولا وأخيرا.

المشكلة اليوم مع المد الصفوي الإيراني، وليست مع الشيعة كمذهب، أن "كربلاء" تستخدم لشيطنة أهل السنة

المشكلة اليوم مع المد الصفوي الإيراني، وليست مع الشيعة كمذهب، أن هذه القصة تستخدم لشيطنة أهل السنة. لا بأس بالاحتفال لو كان بريئا لكنه ليس كذلك، فالحسين لم يعد مجرد شخص بل رمز للثورة الى الأبد، وبنو أمية، من وجهة نظر البروباغاندا الإيرانية، أصبحوا رمزا للظلم والطغيان. ومن يحضر أي حسينية تديرها إيران، سيبحث عن بني أمية فلا يراهم إلا في دولنا القائمة، وليس وراء هذا التحريض على الثورة إلا رفع السلاح كما حدث في دوّار اللؤلؤة بالبحرين سنة 2011 حين استيقظ أهل المنامة على مشهد تظاهرات يقودها أناس من غير أهل البلد.

لكل هذا أجد أن موقف الحكومة الكويتية هو الأقرب الى الحكمة ولوأد الفتنة في مهدها. حكومة الكويت لا تنطلق من موقف ضد الشيعة كفرقة إسلامية، وإنما تنطلق من توجّه لمنع شعارات الصفويين وما تحمله من روح العداء ضد كل الحكومات العربية القائمة. بطبيعة الحال سيبقى الشيعة والسنة ولن يختفي منهم أحد في المدى المنظور، لكن ما يجب أن يختفي هو العداء.

font change