يعدّ كتاب المفكرة الأميركية من أصل إيطالي لوريتا نابليوني الصادر حديثا عن دار "سفن ستوريس بريس"، 2024 بعنوان "الرأسمالية التكنولوجية: صعود البارونات اللصوص الجدد والنضال من أجل الخير العام"، أطروحة في الفكر النقدي الذي يحلل الوضع العالمي من زاوية صعود الشركات الحديثة نحو قمم الثروة على حساب الشعوب والنتائج الكارثية المترتبة على ذلك والتي تهدد الوجود البشري على كوكب الأرض.
تتحدث المؤلفة عن ظاهرة جديدة تسمّيها "جائحة القلق" الناجمة عن عجزنا عن فهم الجديد والتكيّف مع واقع يتغيّر بسرعة تسبّب الدوار، حتى يمكن القول إن أدمغتنا غير قادرة على استيعاب هذا المستوى العالي من عدم اليقين، لأننا نعيش في "الحاضر المستقبلي"، حيث التقاطع بين ما يجري وما يمكن أن يجري في نطاق زمني تضيع فيه الحدود بين الحاضر والمستقبل. تعود المؤلفة إلى حياة أسلاف البشر الأوائل في عوالم خطيرة متقلبة مشابهة لحياتنا اليوم حين تزعزع يقينهم وكانت معرفتهم محدودة وعاشوا تحت رحمة نزوات التغيير، إلا أنهم تكيّفوا مع محيطهم وواصلوا حياتهم رغم الآلام والصعاب. غير أن المخيف، كما ترى نابليوني، هو أن الأدوات التي استخدمها البشر سابقا لم تعد ناجعة، والقيم الحامية لوجودهم وخاصة التضامن الإنساني، تبخرت، ودخلنا "طورا أنانيا في التاريخ" حتى صرنا في وضع لا نُحسد عليه، وصفه الروائي هاروكي موراكامي قائلا: "إن الجميع، في دخيلتهم، ينتظرون نهاية العالم“. عرّفتْ نابليوني الحالة الجديدة من البارانويا الوجودية التي نمرّ فيها بأنها "سياسة الخوف التي تقضي على المرونة الإنسانية بينما تكشف عن مستقبل يزداد سوادا ومليء بالأخطار التي يمكن فهمها ومواجهتها إذا تبنت البشرية خيارا عقلانيا يهدف إلى إنقاذ الكوكب".
عصر التشاؤم
تناقش المؤلفة العصر الجيولوجي البشري الجديد (الأنثروبوسين) وتصفه بأنه عصر التشاؤم، أي العصر الذي لم تعد فيه الطبيعة تقود التغيير، واستلم فيه المخلوق الفرانكنشتايني، الذي تقصد به الذكاء الاصطناعي، إدارة دفة الكوكب. إن هذا الوضع، بحسب المؤلفة، لم ينتج حتى الآن سوى القلق الشديد لأننا نركز بصورة رئيسة على السلبيات ولم يعد هناك إيجابيات تجعلنا نشعر بالأمل، حتى أن العيش لم يعد طيبا وضاقت فسحة الأمل، فالذكاء الاصطناعي يصل إلينا في الوقت نفسه الذي نفقد فيه الهواء النظيف، وتذوب الجبال الجليدية، وتختفي الحيود المرجانية ذات الألوان الجميلة، وتنقرض بالجملة عشرات الآلاف من الأنواع الحيوانية وتتبدل الفصول الأربعة وهكذا يصبح من الصعب تمييز أية مظاهر ممكنة للتحول التكنولوجي خارج ما يجري من سيطرة واحتكار بقصد زيادة الربح لقلة أنانية على حساب سكان العالم كلهم.
إن التكنولوجيا، بحسب لوريتا نابليوني، هي نتاج العصر الجيولوجي البشري الجديد ويمكن أن تساعدنا في تحقيق أهداف سامية إذا تحكّمنا بها لكنها ستُلحق بنا أذى شديدا إذا تم احتكارها. فالهدف النهائي لمن يسيطرون على التكنولوجيا الحديثة هو الربح لا غير، وتطرح مثلا على ذلك السيارات الكهربائية التي تستهلك جزءا يسيرا من الطاقة الهيدروكربونية بالمقارنة مع السيارات التقليدية، وتعتمد على الكهرباء التي تتولّد من طريق الموارد المتجددة. لكن هذا التقدم لا يساهم البتة في معالجة مشكلة إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية ذات التأثير الخطير إذ لا توجد حتى الآن آلية واضحة للتخلص منها. وبرهنت دراسات أُجريت في 2017 على أن إنتاج سيارة كهربائية واحدة يطلق نسبة من غاز ثاني أكسيد الكربون أعلى بـ 60٪ من السيارة التقليدية وذلك بسبب البصمة الكربونية للبطارية.