حلف "الناتو"... أربع سنوات محتملة مع "الترمبية" الصاعدةhttps://www.majalla.com/node/320646/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AD%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%AA%D9%88-%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9-%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9
واشنطن - لدى التوقيع على معاهدة إنشاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" في عام 1949، وصف الرئيس الأميركي هاري ترومان القرار باعتباره "خطوة مهمة لحسن الجوار"، ومن أجل الحماية المتبادلة، وشبه الحلفاء بأنهم "مجموعة من ألأُسر المترابطة المتجاورة."
ولو سرعنا شريط العقود السبع المنصرمة لنصل إلى العام 2018، لوجدنا أن التهديد الوجودي الحقيقي للحلف جاء من الدولة ذاتها التي لعبت الدور الأكثر أهمية في إنشاء المنظمة العسكرية الدولية الرئيسية ودعمت مهمتها ومبادئها لعقود مديدة، أي الولايات المتحدة. وجاء هذا التهديد من رئيس أميركي آخر، وهو دونالد ترمب، الذي ادعى باستمرار خلال فترة حكمه أن حلفاء الحلف كانوا "يحتالون علينا" لأنهم لم يلتزموا بسداد 2 في المئة من دخلهم القومي للدفاع، كما تعهدوا.
وفي عام 2024 ومع احتمال عودة ترمب مرة أخرى إلى سدة الحكم، نجد أن حملته المستمرة بلا هوادة ما فتئت تُطلق تصريحات صادمة كتلك التي أدلى بها قبل ستة أعوام خلت، ولم يتردد، بينما يحتفل حلف شمال الأطلسي بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسه، في القول إنه سيشجع روسيا على "فعل ما تشاء" مع دول "الناتو" التي لم تفي بعد بالتزامتها المالية للحلف.
وتثير احتمال عودة "الترمبية" الشعبوية مخاوف مشروعة في أوروبا من أن فترة ولاية أخرى لترمب يمكن أن تشهد تحولا في تركيز الولايات المتحدة من أوروبا والحرب الدائرة في أوكرانيا إلى الدولة التي يضعها الرئيس السابق ترمب – والرئيس الحالي جو بايدن أيضا – تحت المجهر والمراقبة اللصيقة، ألا وهي الصين.
وعلى هامش قمة "الناتو"، التي تستضيفها العاصمة الأميركية واشنطن، تحدثت مع أحد كبار مسؤولي الحلف، وسألته عن أفضل استراتيجية قد ينتهجها الأمين العام المُعين حديثا، رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، مع ترمب في حال فوزه في استحقاق نوفمبر/تشرين الثاني، مذكرا إياه بأسلوب الأمين العام المنتهية ولايته ينس ستولتنبرغ البارع في التعامل بلباقة ودبلوماسية ومرونة مع الضغوط الهائلة التي مارسها ترمب ونهج الهيمنة الواضح لديه، وكيف ساعد لقاء الدبلوماسي المحنك ورئيس وزراء النرويج السابق مع ترمب في البيت الأبيض عام 2018 بشكل كبير في نزع فتيل الأزمة آنذاك.
لإدارة ترمب السابقة سجل حافل بالانسحاب من الاتفاقيات والمنظمات الدولية
فأجاب المسؤول الذي اشترط المكتب الصحفي لـ "الناتو" عدم ذكر اسمه: "بينما نحتفل بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس حلف شمال الأطلسي، تدرك الغالبية العظمى من الأميركيين الفوائد الكبيرة لهذا التحالف الناجح. والإنجاز الأبرز هو أن حلف شمال الأطلسي نجح بشكل فعال في ردع أي هجمات على الدول الأعضاء. ويدرك الرأي العام الأميركي اليوم أن الدول الأوروبية تجتمع الآن بعد أن تجاوزت عقبة الإنفاق الدفاعي، إذ تعهد الكثير من الدول الأعضاء بتحمل نصيبها من الإنفاق على موازنة الحلف، وبعد أن أدركت أهمية استمرار المشاركة في هذا التحالف. تلك هي أفضل استراتيجية."
وتظهر تصريحات ترمب الصحفية خلال حملته الانتخابية أن فترة ولايته الثانية، إذا تم انتخابه، ستكون ثورية ومثيرة للقلاقل مثل ولايته الأولى، إن لم تكن أكثر إثارة، فهو لم يتوان عن إطلاق تعهدات جريئة فيما يتعلق بالصراعات الدولية، بما في ذلك الوعد بإنهاء الحرب في أوكرانيا "في غضون 24 ساعة" من توليه مقاليد الحكم، والتهديد بإعادة فرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية تتجاوز 60٪. بالإضافة إلى ذلك، أعرب عن انزعاجه من استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة حتى الآن، ويعتقد أنها طالت كثيرا، وطالب إسرائيل على "الانتهاء منها وبسرعة."
وقد أثارت تصريحات ترمب التي تنم عن انعزالية وانفرادية في اتخاذ القرارات المهمة، المخاوف بين الحلفاء الأوروبيين، الذين يشعرون بالقلق بالفعل من سياسة "أمريكا أولا". ولا ننسَ أن أعضاء في الكونغرس من المؤيدين لترمب عرقلوا لبضعة شهر مؤخرا تمويلا إضافيا لأوكرانيا، وهو ما ساهم في الخسائر الإقليمية التي منيت بها كييف في الآونة الأخيرة. وهناك مخاوف مشروعة من أن يؤدي نهج ترمب إلى تقويض الدور التاريخي الذي تلعبه الولايات المتحدة في الأمن الأوروبي، وهو ما يثير قلقا كبيرا ليس بين قادة حلف شمال الأطلسي فحسب، ولكن بين العديد من المنظمات الدولية أيضا.
فلإدارة ترمب السابقة سجل في الانسحاب من الاتفاقيات والمنظمات الدولية، وشكل انسحاب إدارة ترمب من اتفاق باريس للمناخ سابقة لأنها كانت أول دولة تفعل ذلك، كما قطعت التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، و انسحبت من اليونسكو، بحجة "التحيز ضدّ إسرائيل،" وبدأت الإدارة الخطوات العملية للانسحاب من منظمة الصحة العالمية، متهمة إياها بسوء إدارة جائحة كوفيد-19. علاوة على ذلك، فرض ترمب عقوبات على فاتو بنسودا، المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، بسبب التحقيقات في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان وحليفتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي تناقض صارخ مع توجه إدارة الرئيس ترمب، تقول إدارة بادين إنها تدعم التعاون الدولي وتعزز قدرة المنظمات الدولية، وكثيرا ما رددت أن الحفاظ عليها هو واجب بل ومسؤولية على عاتق الولايات المتحدة باعتبارها أقوى دولة في العالم وحلفائها ينتظرون منها الكثير من الدعم.
وقال المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، سام وربيرغ، لـ "المجلة"، في تصريحات على هامش قمة "الناتو": "بعد 75 عاماً من تأسيس حلف شمال الأطلسي، وعلى الرغم من كل الضغوط الروسية والتحديات العالمية الأخرى، فإن هذا الحلف اليوم أقوى من أي وقت مضى."
وأضاف: "كما ترى، بذل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قصارى جهده لتفكيك "الناتو"، لكنه بدلا من ذلك توسع اليوم ليشمل دولتين أخريين، هما فنلندا والسويد. نحن لا نعتقد على الإطلاق أن "الناتو" هو أداة أميركية، بل هو تحالف قوي يضم 32 دولة حليفة. ونحن نعمل على إعادة تنشيط منظمة حلف شمال الأطلسي للتكون فعالة لـ 75 عاما أخرى وأكثر."
لكنني سألت المسؤول الأميريكي عن رأيه في أن الحلف أصبح أكثر فعالية وقوة بسبب، ويا للمفارقة، ترمب ذاته، حيث أتى إصرار الأخير على التقاسم العادل للميزانية أكله، فاليوم 23 دولة من الدول الأعضاء ملتزمة بإنفاق نسبة 2 في المئة من إجمالي الدخل القومي على الدفاع العسكري، وبعضها يزيد على تلك النسبة.
فأجاب: "هذا التحالف موجود منذ 75 عامًا، ومن غير العدل تلخيص الأمر بهذه الطريقة. وعلينا أن نضع في الاعتبار الإنجازات التي حققتها الحكومات الأميركية المتعاقبة من الرئيس ترومان إلى الرئيس بايدن. ترمب ليس استثناءً، ولا يمكننا أن نخص رئيسا أميركيا بعينه وننسب إليه نجاح "الناتو" أو قوته."
وثمة نقطة أخرى، وهي الميل الذي كان ترمب يبديه خلال ولايته الأولى تجاه زعماء شعبويين مماثلين له في أوروبا، وعلى رأسهم رئيس الوزراء المجري اليميني المتطرف فيكتور أوربان. حتى أن ترمب رحب به في البيت الأبيض في عام 2019 وأسبغ عليه الثناء قائلا إنه يقوم "بعمل هائل" على الرغم من أنه معروف بتصريحاته العنصرية والمعادية للإسلام وللسامية. وفيما يتعلق بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا يخفي ترمب إعجابه به، ويعتبره "زعيمًا قويا."
وفي النهاية، ثمة شيء واحد مؤكد، وهي عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب، مما يجعل تباعا توقع نواياه فيما يتعلق بحلف شمال الأطلسي والمنظمات الدولية عموما، إذا انتخبه الأميركيون مرة أخرى، مهمة شاقة. فقد كان موقفه بشأن القضايا الرئيسية متقلبا إلى حد كبير، مع انتقال "خطوطه الحمراء" بشكل مستمر ومُجهد من النقيض إلى النقيض، ثم ظهورها من جديد بطرق أخرى لا يمكن التنبؤ بها.