في وقت سابق من هذا العام، كانت إيران تستعد لإجراء انتخاباتها البرلمانية المقررة. وكعادة الانتخابات الإيرانية في السنوات الأخيرة، كانت هذه الانتخابات مقيدة بشكل مضاعف. والحق أن الانتخابات في ظل الجمهورية الإسلامية لم تكن حرة ونزيهة على الإطلاق، حيث توجد هيئة تدقيق تسمى "مجلس صيانة الدستور"، الذي يتعهد أعضاؤه بالولاء الأساسي للمرشد علي خامنئي، وهو الذي يقرر من يُسمح له بالترشح. وقد شهدت الانتخابات تاريخيا منافسة حقيقية بين فصائل النظام الثلاثة: الإصلاحيون والوسطيون والمحافظون (أو المتشددون). ومع ذلك، مُنعت في الآونة الأخيرة، الغالبية العظمى من الإصلاحيين وحتى بعض الوسطيين من الترشح.
لذلك، حين أُعلنت قائمة المرشحين المسموح لهم بالمشاركة، كان هناك إغفال ملحوظ لعدد من الأسماء. فاستبعد مثلا مسعود بيزشكيان، النائب الإصلاحي منذ عام 2008 والنائب الأول السابق لرئيس مجلس الشورى (البرلمان). ويبدو أن النظام يريد أن يبين أنه لا مكان للإصلاحيين في المشهد السياسي الإيراني، حتى لو كان بينهم نائب برلماني حذر مثل بيزشكيان الذي طالما تجنب مواجهة خامنئي مباشرة. وامتد هذا الاستبعاد إلى أبعد من بيزشكيان وأثر على كثيرين آخرين أيضا. ومع مقاطعة الجبهة الإصلاحية الإيرانية للانتخابات، ظهر أن المشروع السياسي الذي بدأ عام 1997 بانتخاب محمد خاتمي رئيسا– وهو الإصلاحي الوحيد الذي تولى هذا المنصب– قد وصل إلى نهايته.
وقد استأنف بيزشكيان قرار "مجلس صيانة الدستور". وبعد تدخل من خامنئي نفسه، سُمح له بالترشح. وعلى الرغم من أن غالبية الإيرانيين لم يدلوا بأصواتهم في انتخابات المجلس في مارس/آذار، فإن بيزشكيان تمكن من إعادة انتخابه لمقعده في مدينة تبريز ذات الأغلبية الأذرية في شمال غربي إيران.
وكان كثير من الإيرانيين يتوقعون أن نهاية مسيرة بيزشكيان السياسية تقترب من نهايتها، فكيف بانتخابه رئيسا لإيران في غضون بضعة أشهر؟ لكن التحول المفاجئ للأحداث قلب كل شيء. وقتل الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر بعد رحلة إلى المناطق الحدودية مع جمهورية أذربيجان. وفي الانتخابات الرئاسية التي جرى تنظيمها على عجل، اتخذ "مجلس صيانة الدستور" منعطفا طفيفا، ما سمح لواحد فقط من المرشحين الثلاثة الذين تقدمت بهم "جبهة الإصلاح" الإيرانية بالترشح. وكان هذا الشخص هو بيزشكيان من مدينة تبريز. واختارت "جبهة الإصلاح"، بتوجيه ذكي من رئيستها، آذر منصوري، بشكل استراتيجي بيزشكيان لأنها كانت تدرك أن لديه فرصة للحصول على الموافقة. ثم انضم الإصلاحيون بحماس إلى المعركة الانتخابية بعد سنوات من التردد السياسي.
وأيد خاتمي بيزشكيان، كذلك فعل مهدي كروبي، رئيس البرلمان السابق الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية منذ عام 2011 لدوره في قيادة الاحتجاجات الجماهيرية. وعلى الرغم من عدم تصويت معظم الإيرانيين، تصدّر بيزشكيان الجولة الأولى من الانتخابات في 24 يونيو/حزيران وتقدم إلى جولة الإعادة في 7 يوليو/تموز، حيث هزم منافسه الأصولي سعيد جليلي. ولم يشارك سوى 40 في المئة من الإيرانيين في التصويت في الجولة الأولى. ومع ذلك، دفع الخوف من رئاسة جليلي الكثيرين إلى صناديق الاقتراع في جولة الإعادة، ما ضمن فوز بيزشكيان. لقد كانت رحلة مذهلة لهذا الطبيب البالغ من العمر 69 عاما من شمال غربي إيران.
مختلط مثل إيران نفسها
حصل بيزشكيان بشكل خاص على عدد كبير من أصوات بني قومه الإيرانيين الأذريين الأتراك، الذين يتمركزون في الشمال الغربي. وقد أرجع البعض ذلك إلى "التصويت العرقي". ومع ذلك، فإن خلفية بيزشكيان، مثل خلفية كثير من الإيرانيين، مختلطة تماما، وهو ما كان عونا له في التواصل مع مجموعة واسعة من الإيرانيين بغض النظر عن انتمائهم العرقي.