من هو الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان؟

غالبا ما كان يضطر للعمل في ظروف معاكسة

 أ ف ب
أ ف ب
مسعود بيزشكيان لدى وصوله إلى لقاء انتخابي قبل يومين من الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الإيرانية في 3 يوليو

من هو الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان؟

في وقت سابق من هذا العام، كانت إيران تستعد لإجراء انتخاباتها البرلمانية المقررة. وكعادة الانتخابات الإيرانية في السنوات الأخيرة، كانت هذه الانتخابات مقيدة بشكل مضاعف. والحق أن الانتخابات في ظل الجمهورية الإسلامية لم تكن حرة ونزيهة على الإطلاق، حيث توجد هيئة تدقيق تسمى "مجلس صيانة الدستور"، الذي يتعهد أعضاؤه بالولاء الأساسي للمرشد علي خامنئي، وهو الذي يقرر من يُسمح له بالترشح. وقد شهدت الانتخابات تاريخيا منافسة حقيقية بين فصائل النظام الثلاثة: الإصلاحيون والوسطيون والمحافظون (أو المتشددون). ومع ذلك، مُنعت في الآونة الأخيرة، الغالبية العظمى من الإصلاحيين وحتى بعض الوسطيين من الترشح.

لذلك، حين أُعلنت قائمة المرشحين المسموح لهم بالمشاركة، كان هناك إغفال ملحوظ لعدد من الأسماء. فاستبعد مثلا مسعود بيزشكيان، النائب الإصلاحي منذ عام 2008 والنائب الأول السابق لرئيس مجلس الشورى (البرلمان). ويبدو أن النظام يريد أن يبين أنه لا مكان للإصلاحيين في المشهد السياسي الإيراني، حتى لو كان بينهم نائب برلماني حذر مثل بيزشكيان الذي طالما تجنب مواجهة خامنئي مباشرة. وامتد هذا الاستبعاد إلى أبعد من بيزشكيان وأثر على كثيرين آخرين أيضا. ومع مقاطعة الجبهة الإصلاحية الإيرانية للانتخابات، ظهر أن المشروع السياسي الذي بدأ عام 1997 بانتخاب محمد خاتمي رئيسا– وهو الإصلاحي الوحيد الذي تولى هذا المنصب– قد وصل إلى نهايته.

وقد استأنف بيزشكيان قرار "مجلس صيانة الدستور". وبعد تدخل من خامنئي نفسه، سُمح له بالترشح. وعلى الرغم من أن غالبية الإيرانيين لم يدلوا بأصواتهم في انتخابات المجلس في مارس/آذار، فإن بيزشكيان تمكن من إعادة انتخابه لمقعده في مدينة تبريز ذات الأغلبية الأذرية في شمال غربي إيران.

وكان كثير من الإيرانيين يتوقعون أن نهاية مسيرة بيزشكيان السياسية تقترب من نهايتها، فكيف بانتخابه رئيسا لإيران في غضون بضعة أشهر؟ لكن التحول المفاجئ للأحداث قلب كل شيء. وقتل الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر بعد رحلة إلى المناطق الحدودية مع جمهورية أذربيجان. وفي الانتخابات الرئاسية التي جرى تنظيمها على عجل، اتخذ "مجلس صيانة الدستور" منعطفا طفيفا، ما سمح لواحد فقط من المرشحين الثلاثة الذين تقدمت بهم "جبهة الإصلاح" الإيرانية بالترشح. وكان هذا الشخص هو بيزشكيان من مدينة تبريز. واختارت "جبهة الإصلاح"، بتوجيه ذكي من رئيستها، آذر منصوري، بشكل استراتيجي بيزشكيان لأنها كانت تدرك أن لديه فرصة للحصول على الموافقة. ثم انضم الإصلاحيون بحماس إلى المعركة الانتخابية بعد سنوات من التردد السياسي.

وأيد خاتمي بيزشكيان، كذلك فعل مهدي كروبي، رئيس البرلمان السابق الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية منذ عام 2011 لدوره في قيادة الاحتجاجات الجماهيرية. وعلى الرغم من عدم تصويت معظم الإيرانيين، تصدّر بيزشكيان الجولة الأولى من الانتخابات في 24 يونيو/حزيران وتقدم إلى جولة الإعادة في 7 يوليو/تموز، حيث هزم منافسه الأصولي سعيد جليلي. ولم يشارك سوى 40 في المئة من الإيرانيين في التصويت في الجولة الأولى. ومع ذلك، دفع الخوف من رئاسة جليلي الكثيرين إلى صناديق الاقتراع في جولة الإعادة، ما ضمن فوز بيزشكيان. لقد كانت رحلة مذهلة لهذا الطبيب البالغ من العمر 69 عاما من شمال غربي إيران.

مختلط مثل إيران نفسها

حصل بيزشكيان بشكل خاص على عدد كبير من أصوات بني قومه الإيرانيين الأذريين الأتراك، الذين يتمركزون في الشمال الغربي. وقد أرجع البعض ذلك إلى "التصويت العرقي". ومع ذلك، فإن خلفية بيزشكيان، مثل خلفية كثير من الإيرانيين، مختلطة تماما، وهو ما كان عونا له في التواصل مع مجموعة واسعة من الإيرانيين بغض النظر عن انتمائهم العرقي.

في الانتخابات الرئاسية التي جرى تنظيمها على عجل، اتخذ "مجلس صيانة الدستور" منعطفا طفيفا، ما سمح لواحد فقط من المرشحين الثلاثة الذين تقدمت بهم "جبهة الإصلاح" الإيرانية بالترشح، وكان هذا الشخص هو بيزشكيان

ولد بيزشكيان عام 1954 في مدينة مهاباد الكردية لأم كردية وأب أذربيجاني. والتحق بالمدرسة الابتدائية في المدينة وأتقن اللغة الكردية، وساهم، في كثير من الأحيان على امتداد حياته السياسية، بحملات لصالح السياسيين الأكراد وتحدث كثيرا باللغة الكردية خلال الحملة الانتخابية. وفي المناظرات الرئاسية، دافع عن قضايا الأقليات العرقية، وخاصة احتجاجا على عدم إدماج الإيرانيين السُنّة (معظم الأكراد الإيرانيين هم من السنة، كما هي الحال تقريبا مع كل الإيرانيين البلوش في جنوب شرقي البلاد).

أ ف ب
مؤيدون للمرشح مسعود بيزشكيان في طهران في 26 يونيو

ثم حصّل تعليمه الثانوي بمدرسة ثانوية زراعية في مدينة أرومية المختلطة الشهيرة في مقاطعة أذربيجان الغربية في إيران. وفي عام 1973، ذهب إلى الطرف الآخر من إيران لأداء خدمته العسكرية الإلزامية، حيث خدم في زابل، جنوب شرقي إيران. وخلال المناظرات الرئاسية، جذب الانتباه من خلال التحدث عن السنوات التي قضاها هناك وكيف أمكنه شراء دراجة نارية بتوفير مرتبه المتواضع كمجند– في تناقض مع حال المجندين في إيران اليوم. وبعبارات بسيطة، كان يذكّر الجميع كيف كانت إيران أكثر ازدهارا في عهد الشاه قبل ثورة 1979.

وقرر بيزشكيان أن يدرس الطب. وكان عليه أن يعيد دراسة الشهادة الثانوية العامة، فعاد إلى المدرسة بعد أن أكمل عامين من التجنيد الإجباري. وفي عام 1976، حصل على القبول في كلية الطب في تبريز، وهي مدينة تاريخية وأكبر مدينة ذات أغلبية أذرية في البلاد. ولا تزال جامعة تبريز واحدة من أفضل الجامعات في البلاد وخرّجت الكثير ممن احتلوا مكانا مرموقا في المهن الناجحة. ومن المفارقات بالنسبة للجمهورية الإسلامية أن الكثير من الناخبين يكنون له احتراما خاصا على وجه التحديد لأنه درس في ظل النظام السابق ولا يمكن بالتالي اتهامه بأنه حصل على شهادته بالمحسوبية أو الواسطة.

من متعصب إلى جندي

في عام 1979 كان بيزشكيان شديد التعصب للثورة ومؤيدا لها لا تلين له قناة. وأدت الإطاحة بالشاه وصعود آية الله الخميني إلى السلطة سريعا إلى إطلاق شرارة "الثورة الثقافية"، وهو مصطلح استُعير من الصين الماوية، حيث بدأت حملة  تطهير الجامعات الإيرانية من أي شخص يُشتبه في أن له ميولا غير إسلامية بينما أُجبرت النساء بالقوة على ارتداء الحجاب الذي أصبح إلزاميا لجميع النساء الإيرانيات في كل مكان. وتذكّر الكثير من طلاب تبريز في السنوات اللاحقة، أن بيزشكيان كان طالبا متدينا ومؤيدا للخُميني في ذلك الوقت وساعد في فرض هذه القيود. وقد اعترف، في السنوات اللاحقة، بدوره في بدايات الثورة، في عدد من المقابلات التي أجراها.

لكن ليس كل ما فعله خلال الثمانينات يُذكر بشكل سيئ اليوم. فعندما هاجم صدام حسين إيران في عام 1980، ذهب بيزشكيان للدفاع عن بلاده مثل ملايين من مواطنيه الإيرانيين. وخلال الحرب، خدم بامتياز كطبيب وجندي. تنقل بين الجبهة وجامعة تبريز، حيث أكمل فترات التخصص.

وبعد الحرب، بدأ بالتدريس في تبريز، متسلقا سلالم مهنته، فحصل في عام 1993 على درجة متقدمة في جراحة القلب من كلية مرموقة في طهران، وساعدته إنجازاته العلمية وولاؤه للنظام على الارتقاء فأصبح  على رأس عدة جامعات. ثم بدأ بسلسلة من التدريبات الطبية في الولايات المتحدة وسويسرا وتايلند وهو يجيد اللغة الإنكليزية بطلاقة، على عكس معظم أسلافه (بمن فيهم الأكاديمي خاتمي الذي كان يتحدث الإنجليزية بشكل رديء للغاية).

وفيما كان يحتفل في عام 1994 بتسلمه منصب عمادة كلية الطب في جامعة تبريز التي بدأ حياته التعليمية فيها قبل عقود، تحولت تلك السنة لتصبح الأكثر مرارة في حياته، حيث فقدَ في حادث سيارة مأساوي زوجته، فاطمة مجيدي، التي كانت بدورها طبيبة، وكذلك ابنهما. ولم يتزوج بيزشكيان مرة أخرى، وواصل تربية أطفاله الثلاثة الناجين (ابنة وصبيين) كأب وحيد. وخلال الحملة الأخيرة، جذب تعاطف الكثيرين ليس فقط لأنهم تعاطفوا مع كفاحه كأب وحيد، بل لأن أطفاله ذكروا كيف كان دائما يساعد في الأعمال المنزلية عندما كانت زوجته على قيد الحياة، مبتعدا عن الصورة البطريركية النمطية. غالبا ما كانت ابنته ترافقه خلال الحملة، وتُرى الآن كنوع من "الابنة الأولى"، لأن بيزشكيان هو الآن أول رئيس إيراني يدخل المنصب دون زوجة.

وزير في الحكومة

عندما أصبح خاتمي رئيسا في عام 1997، تدعمه حركة شعبية قادها الشباب والنساء، لم يكن لدى بيزشكيان أي مسيرة سياسية، رغم أنه كان معروفا كعميد في جامعة تبريز. لكن مع اقتراب الفترة الرئاسية الأولى لخاتمي، تغيّر مسار حياته حين قبل مهمته السياسية، بتعيينه نائبا لوزير الصحة في عام 2000، وخدم في ذلك المنصب مدة عام تقريبا قبل إعادة انتخاب خاتمي.

ولم يكن بيزشكيان يخلو من صفات جعلته مرشحا جيدا لحياة سياسية محتملة، فقد كانت لديه مؤهلات علمية ممتازة، وكجراح قلب متقدم قام بتحرير مجلات طبية رائدة. وكان يتحدث بصراحة ولا يستخدم المصطلحات المعقدة. وفوق ذلك، كان باحثا هاويا في القرآن الكريم و"نهج البلاغة"، وهو الكتاب الذي يجمع خطب الإمام علي وأقواله، وكثيرا ما استشهد بهذا الكتاب إبان حملته الانتخابية، مقدما بالتالي نوعا من التدين الشعبي الأقرب إلى الإيراني العادي من الإسلام الأكاديمي والقائم على الشريعة الذي يقدمه رجال الدين غالبا.

واتخذ خاتمي القرار الحاسم بتعيينه وزيرا للصحة في فترته الثانية رغم قلة خبرته السياسية. وأدت هذه الخطوة إلى استقالة الكثير من العاملين في الوزارة احتجاجا على تعيين هذا الوافد الجديد. وبعد سنتين من توليه المنصب، فشلت محاولة في البرلمان الذي كان يهيمن عليه الإصلاحيون لعزله، احتجاجا على مشاكل في توفير الأدوية الطبية من قبل الوزارة.

لم يكن بيزشكيان يخلو من صفات جعلته مرشحا جيدا لحياة سياسية محتملة، فقد كانت لديه مؤهلات علمية ممتازة، وكجراح قلب متقدم قام بتحرير مجلات طبية رائدة، وكان يتحدث بصراحة ولا يستخدم المصطلحات المعقدة

لكن التحدي الأكبر الذي واجهه كوزير للصحة جاء في عام 2003، عندما توفيت زهرة كاظمي، الصحافية الكندية الإيرانية، أثناء احتجازها في سجن إيفين في طهران، حيث يُشتبه إلى حد بعيد في أنها قتلت على يد قوات الأمن الإيرانية أثناء الاستجواب. وكان المدعي العام المتشدد في طهران، سعيد مرتضوي، يضغط على إدارة خاتمي لإعلان أن الوفاة كانت عرضية. لكن بيزشكيان لم يقبل بذلك، بل عاين الجثة بنفسه وقال إن الوفاة نتجت عن ضربة على رأس كاظمي. ووفقا لحسابات داخلية من مجلس الوزراء، ظهر بيزشكيان وطمأن الجميع بأنه من المستحيل أن تكون وفاة كاظمي حادثا عرضيا.
وكان يمكن أن تكون هذه الحلقة جزءا من سردية بطولية عن بيزشكيان وهو يقف في وجه رجال النظام، ولكن مثل كثيرين، يصبح الحساب أكثر تعقيدا عند النظر إليه عن كثب، فقد رفض، على سبيل المثال، السماح لكندا بإجراء تحقيق مستقل خاص بها، وأشار تقريره أيضا إلى أن الجثة لم تظهر عليها علامات الضرب، خلافا لما زعمته مصادر موثوقة أخرى. لذا، تُستخدم هذه الحلقة من قبل مؤيديه ومعارضيه على حد سواء. 

على رأس الأقلية

في انتخابات عام 2005، حقق محمود أحمدي نجاد، المرشح المتشدد، انتصارا مفاجئا في هزيمة مدوية للحركة الإصلاحية. وكحال الكثير من وزراء خاتمي، وجد مسعود بيزشكيان نفسه خارج الساحة السياسية الرسمية. لم يكن هذا التغيير في الحكومة مجرد عملية روتينية، بل جاء لينهي سعي خاتمي وأعوانه إلى  تقليص نفوذ خامنئي وإضفاء الطابع الديمقراطي على بنية السلطة الإيرانية. لكن مساعيهم باءت بالفشل، مما أدى إلى إحباط كبير بين ناخبيهم التقليديين الذين اختاروا الامتناع عن التصويت في عام 2005، ما مهد الطريق لانتصار أحمدي نجاد.

ورغم هذه الهزيمة، كانت هذه اللحظة بالتحديد نقطة تحول حاسمة في المسار السياسي لبيزشكيان. ومن هذه النقطة بدأ طريقه نحو الرئاسة ممهدا بشكل غير متوقع. فقد كان البرلمان الذي سيطر عليه الإصلاحيون، والذي انتُخب في عام 2000، داعما بقوة للرئيس خاتمي وتحدى سلطة خامنئي، فحاول تمرير قوانين تعزز صلاحيات خاتمي في مواجهة خامنئي. لكن "مجلس صيانة الدستور" في عامي 2004 و2008 رد على هذه المحاولات بمنع الكثير من المرشحين الإصلاحيين من المشاركة في الانتخابات. ومع ذلك، لم تتحول إيران إلى دولة ذات حزب واحد تماما، حيث سُمح لعدد قليل من الإصلاحيين بخوض الانتخابات، وكان مسعود بيزشكيان من بينهم. في عام 2008، نجح بيزشكيان في الفوز بمقعد في البرلمان رغم منع الكثير من زملائه الإصلاحيين من الترشح.

لكنه أثار بعد ذلك الجدل عندما دافع عن سليمان خدادادي، عضو البرلمان الذي أُدين باغتصاب امرأة انتحرت لاحقا. وحتى النواب المحافظون انتقدوا هذا الدفاع، إلا أن بيزشكيان دعمه، مما أضفى ظلا على مسيرته السياسية.

السياسة الرسمية في إيران تركز بشكل أكبر على الشخصيات الفردية أكثر من الأحزاب السياسية. لم يكن بيزشكيان منتميا لأي حزب، حيث صرّح في عام 2011 قائلا: "قلتها مئة مرة وسأقولها مرة أخرى: أنا لست إصلاحيا". لكنه، كوزير صحة سابق في حكومة خاتمي، كان من النواب المدعومين من الإصلاحيين واستمر في هذا الدور منذ ذلك الحين. ومع سيطرة المتشددين على معظم البرلمانات الإيرانية منذ ذلك الحين، غالبا ما كان بيزشكيان يقود كتلة الأقلية من الإصلاحيين، ويضطر للعمل في ظروف معاكسة.

اضطر بيزشكيان أيضا إلى التكيف مع خصومه السياسيين. ففي عام 2009، حين أعلن النظام فوز محمود أحمدي نجاد في الانتخابات على حساب مرشح الإصلاحيين مير حسين موسوي. ادعى الإصلاحيون حدوث تزوير واسع النطاق، ما أشعل حركة احتجاجية ضخمة في الشوارع. وفي هذا السياق، أثار بيزشكيان الجدل عندما حضر حفل تنصيب أحمدي نجاد كعضو في البرلمان (إلى جانب الكثير من النواب الإصلاحيين)، ما بدا وكأنه دعم فعلي للرئيس الجديد. إلا أنه ألقى بعد ذلك بأسابيع قليلة خطابا هاما يعتبر من أهم خطبه السياسية.

أثار بيزشكيان الجدل عندما حضر حفل تنصيب أحمدي نجاد كعضو في البرلمان (إلى جانب الكثير من النواب الإصلاحيين)، ما بدا وكأنه دعم فعلي للرئيس الجديد

في ذلك الخطاب، ظهرت بوضوح ملامح أسلوبه السياسي وشخصيته. وكان هذا الخطاب- وبحسب وجهة نظر كل منا- إما دعوة شجاعة للنظام ضد قمع المحتجين، أو محاولة صاخبة، ولكن متواضعة للتأكيد على ولائه لخامنئي مرارا وتكرارا، حيث طلب من السلطات فقط أن تبقى "ضمن إطار القانون".

وكعادته، استشهد بيزشكيان بإسهاب بأقوال الإمام علي، وخاصة من رسائله إلى مالك الأشتر، أحد أبرز أتباع الإمام الأوفياء والذي عُيّن واليا على مصر. هذه الرسائل معروفة بأنها تحفة أدبية في الأدب الديني، ومليئة بالحكم والمواعظ. ومن بين الأسطر التي استشهد بها بيزشكيان بصوت عال "لا تكونن على الناس سبعا ضاريا تغتنم أكلهم"، ما أحدث ضجة في المجلس النيابي الذي يسيطر عليه المتشددون.
بعد أن نجح النظام في قمع حركة الاحتجاجات في عام 2009، سُجن الكثير من الإصلاحيين بعد محاكمات صورية، وخضع الرئيس الأسبق محمد خاتمي لحظر شبه كامل على النشاط السياسي. ومع ذلك، استطاع مسعود بيزشكيان النجاة من هذه الحملة والحفاظ على مقعده في البرلمان. حدث آخر غير معروف إلى حد كبير في تلك السنوات كان له أثر في تعزيز مسيرته السياسية، إذ طلب الصحافي علي أصغر شفيعيان- والذي كان يفكر في استمرارية الإصلاحيين- من بيزشكيان المساعدة في تأسيس وسيلة إعلامية جديدة، والتي اقترح بيزشكيان تسميتها "إنصاف". خلال تلك الفترة، أصبح لدى بيزشكيان منبر إعلامي خاص يعبر من خلاله عن آرائه.

في عام 2013، بناء على اقتراح شفيعيان، ترشح بيزشكيان للانتخابات الرئاسية، لكنه انسحب لاحقا لصالح آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أحد مؤسسي النظام البارزين والذي كان على خلاف مع خامنئي. وعلى الرغم من استبعاد رفسنجاني في النهاية، فإن حسن روحاني الذي كان تلميذ هاشمي رفسنجاني، وصل إلى الرئاسة بدعم من الإصلاحيين وحشدهم. شكّل فوز روحاني حقبة جديدة من التعاون بين الوسطيين والإصلاحيين في البرلمان. احتفظ علي لاريجاني، المحافظ البرغماتي، بمنصبه كرئيس للبرلمان، بينما انتُخب بيزشكيان نائبا أول لرئيس المجلس، وهو ثاني أعلى منصب في البرلمان.

في دوره كمشرّع، لم يكن لبيزشكيان سجل حافل بالطموحات البارزة. فقد قدم مشروع قانون تقدمي لإلغاء تجريم إدمان المخدرات في إيران، لكن بنوده التي تضمنت توزيع المخدرات المدعومة من الحكومة على المدمنين أثارت معارضة شديدة من الشرطة التي ساعدت في إحباط المشروع.

 رويترز
أعضاء لجنة انتخابية يفرغون صندوق اقتراع بعد انتهاء التصويت في طهران في 6 يوليو

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، واجه اتهامات بدفاعه عن فكرة "توزيع الأفيون المجاني للمدمنين". كما ترأس لجنة، أصبحت اليوم شبه منسية، تهدف إلى تأمين إطلاق سراح موسوي وكروبي من الإقامة الجبرية، وهو تعهد رئيس من روحاني، لكنها لم تحقق أي نتائج تذكر.

وأكثر ما أثار الجدل هو اختياره كرئيس لكتلة برلمانية للنواب الناطقين باللغة الأذرية. لكن بعد اتهامه من جميع الأطراف بإيواء توجهات انفصالية سرية، اضطرت الكتلة إلى الانسحاب قبل أن تبدأ نشاطها الفعلي. لم يتنكر بيزشكيان يوما لهويته التركية الأذرية، وأعلن في عام 2016 قائلا: "أحمد الله أنني وُلدت تركياً [أذريا]".

على مر السنوات، أظهر مسعود بيزشكيان ولاءه الدائم لخامنئي وللنظام الإيراني مرارا وتكرارا. فعندما صنفت إدارة ترمب قوات "الحرس الثوري الإسلامي" كمنظمة إرهابية، أبدى دعمه بارتداء الزي الأخضر للحرس الثوري والكوفية التقليدية. وعندما قامت قوات الأمن بقمع المتظاهرين في موجات الاحتجاجات عامي 2017 و2019، مما أسفر عن مقتل المئات، قدم بيزشكيان بعض الطعون الإجرائية ضد القمع، لكن ذلك تزامن غالبا مع إدانته لبعض المتظاهرين.
في عام 2021، حاول الترشح للرئاسة مرة أخرى، ولكن جميع إعلانات الولاء لم تُجده نفعا، حيث منعه "مجلس صيانة الدستور" من الترشح. وعبر عن احتجاجه قائلا: "البلد لنا جميعا وليس لفصيل أو مجموعة معينة. الناس يتحدثون عنا بالسوء. نحن الملامون".

وتعكس تصريحاته هذه اتجاهه السياسي، حيث يدعو غالبا إلى وحدة النظام وإلى تحمل المسؤولية الجماعية. بعد وفاة مهسا أميني، الشابة الكردية التي توفيت في سبتمبر/أيلول 2022 أثناء احتجازها في طهران، بعد اعتقالها بزعم عدم الامتثال لقواعد الحجاب، احتج بيزشكيان علنا على التلفزيون حول كيفية تعامل النظام مع القضية. وأكدت السلطات أنها توفيت بسبب "ظروف طبية سابقة" وليس لأنها تعرضت للضرب أثناء احتجازها. لكنه، بصفته طبيبا، وصف هذا الادعاء بأنه هراء، وطالب برد فعل مناسب. لاحقا، كان له دور محوري في إيقاف تنفيذ حكم الإعدام على طبيب متظاهر اتهم بقتل مسؤول أمني، رغم أنه كان أدان المتظاهرين في بداية الأمر مما يعكس ولاءه الثابت للنظام.

وكان من غير المرجح أن يُسمح لبيزشكيان بالترشح للرئاسة دون صفات الولاء هذه. خلال حملته الانتخابية، لم يقدم نفسه كإصلاحي بقدر ما ركز على الجدارة والإنصاف. يدخل بيزشكيان منصبه بتوقعات منخفضة للغاية باعتباره ثاني رئيس إصلاحي في الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، سيكون محاطا بمؤسسات غير منتخبة يسيطر عليها المتشددون الذين عارضوه خلال حملته. ويعتقد كثيرون أن خامنئي اختاره تحديدا لأنه سيكون رئيسا ضعيفا، لكن ربما ساعدته سنوات خبرته البرلمانية في اكتساب المهارات اللازمة للتعامل مع تعقيدات السياسة الإيرانية. ويبقى السؤال عما إذا كان بإمكانه الوفاء بوعوده بجعل إيران مكانا أكثر عدلا.

font change

مقالات ذات صلة