عندما صدرت الأعمال الكاملة للقاص السوري زكريّا تامر (عن دار رياض الريّس في بيروت عام 1989) كتب الروائي هاني الراهب معلّقا "مَنْ هو حقّا زكريّا تامر؟ ومن يجرؤ هذه الأيام على طباعة أعماله الكاملة، ذلك أن الذائقة العامة الدارجة حاليا تحتفي بالرواية في المقام الأوّل، وبعد ذلك بكثير تأتي الأجناس الأدبيّة الأخرى". لكن غياب زكريا تامر عن أذهان جيل قرّاء التسعينات لا يعود إلى تغيير الذائقة القرائيّة وحسب بل إنه تعبير عن ظاهرة انحطاط. هذا يعني أنّ زكريا تامر خرج من هالات الضوء إلى ما يشبه العزلة الاختيارية.
لكن أين هو الآن زكريّا تامر؟
ثورة على الطغيان
قابلته في التسعينات آخر مرة في بيروت ثمّ اختفى: عرفت أنه سافر مع عائلته إلى إنكلترا ويسكن في أوكسفورد، لكن بعد سنوات عدة عرفت أنه زار دمشق، ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخباره. سألت عنه أصدقاء في سوريا فأجابوني أنهم لا يعرفون. حتى الآن لا أعرف شيئا عنه. وهو صديقي الحميم وصديق الشاعر محمد الماغوط ويوسف الخال. وغاب كليّا عن الإعلام. وما زلت انتظر ما يريحني عنه وهو تجاوز التسعين.
هذا القاص الكبير الذي ما إن أصدر "صهيل الجواد الأبيض" حتى تهافت القرّاء عليه، ثمّ تتالت قصصه. ومن خلال قراءاتي أعماله وآخرها "نداء نوح"، أدمنته، وبات بالنسبة إليَّ وإلى كثيرين من أهم قصّاصي العرب، ليس من حيث تقنيّته الأسلوبيّة فقط بل بثورته الحادّة على الطغاة والفاسدين، وانحيازه إلى الفقراء والمظلومين: صرخات أطلقها في قصصه، مستعيرا أحيانا الأساطير العربية وغير العربية بأسلوب الحكاية الشعبية. إنه الواقع بقناع الحكايات (كما فعل العديد من المسرحيين العرب)، تزامنت كتابته مع "الواقعيّة الاشتراكيّة"، التي سادت الأوساط اليساريّة بعقل أيديولوجي. لكنّ زكريا كتب خارج كل المدارس والمذاهب، تعبيرا وفكرا.