منذ اندلاع الحرب في السودان يوم 15 أبريل/نيسان 2023، تعددت المبادرات والجهود الدولية والإقليمية لمخاطبة الأزمة السودانية. وربما انطلقت أغلب هذه المبادرات والجهود من نوايا طيبة وصادقة لإنهاء الاقتتال، إلا أنها لم تتضمن التنسيق بينها، ما حدّ لدرجة كبيرة من فعالية هذه الجهود في الوصول إلى حل مقبول للسودانيين لإنهاء الحرب حتى الآن.
بل إن تعدد المنابر أتاح للطرفين المتقاتلين بالتنقل بين المنابر المختلفة وتفادي التزامات العمل على إيقاف الحرب. ووصف الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في يوليو/تموز 2023، الحرب بعد حوالي ثلاثة أشهر من اندلاعها، بأنها "بازارات سياسية"، مقللا من احتمال نجاح جهود السلام الدولية في تحقيق أي تقدم في ظل هذا التشظي.
وشملت هذه المبادرات حتى الآن المبادرات التالية التي ربما لا يكون عددها كاملا:
١- منبر مفاوضات جدة (برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة)
بدأ أعماله في مايو/أيار 2023. حيث التقى وسطاء سعوديون وأميركيون بوفدي "قوات الدعم السريع" والقوات المسلحة السودانية، بهدف "تقليل التوتر، وإعداد الأرضية للحوار، والاتفاق على هدنة تسعى نحو وقف دائم لإطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية". وقّع وفدا الطرفين المتحاربين إعلان جدة الإنساني لحماية المدنيين في 12 مايو 2023، الذي يحدد مجموعة من الالتزامات تهدف لتقليل آثار الحرب على المدنيين. ولكن لم يتم تنفيذ بنود هذا الإعلان، بل استغلته "قوات الدعم السريع" لزيادة تمددها على الأرض والاستيلاء على مزيد من الأعيان المدنية.
وكانت أبرز نقاط إعلان جدة وضع الأولوية لمصلحة الشعب السوداني وسلامته، وحماية المدنيين في جميع الأوقات، بما في ذلك السماح للمدنيين بمغادرة مناطق القتال بمفردهم، والالتزام بالقانون الإنساني الدولي مع التمييز بين المدنيين والمقاتلين والأهداف المدنية والعسكرية والامتناع عن أي هجوم قد يتسبب في إلحاق ضرر بالمدنيين، واتخاذ الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الأذى ضد المدنيين. وقد وصل منتدى جدة إلى أكثر من 11 اتفاق هدنة بين الأطراف، لكن لم يتم احترام أي منها قبل أن يتوقف عن أعماله في ديسمبر/ كانون الأول 2023.
ووصل نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، الاثنين، إلى مدينة بورتسودان، في أول زيارة لمسؤول سعودي إلى السودان، منذ اندلاع الحرب بين الجيش و "قوات الدعم السريع" في 15 أبريل 2023.
والتقى الخريجي، رئيس مجلس السيادة الفريق الأول الركن عبدالفتاح البرهان، حيث أكد حرص الرياض على عودة الأمن والاستقرار للسودان، وما يتطلبه ذلك من تهدئة وتغليب للحكمة وضبط النفس، والحرص على استئناف المفاوضات وإبداء المرونة والتجاوب مع المبادرات الإيجابية والإنسانية. كما أكد ترحيب المملكة ودعمها لجميع الجهود الأممية والدولية الهادفة إلى تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وللجهود الإنسانية الرامية إلى تخفيف معاناة الشعب السوداني، التي من شأن تضافرها الدفع نحو استكمال ما تم التوصل إليه في "جدة 1" و "جدة 2".
٢-مبادرة الاتحاد الأفريقي
في مايو 2023، أعلن الاتحاد الأفريقي خارطة طريق لحل النزاع في السودان. وكان الاتحاد الأفريقي قد شرع في أبريل 2023، في إنشاء آلية موسعة تضم ممثلين من الآلية الثلاثية المكونة من الاتحاد الأفريقي و"الإيقاد" (الهيئة الحكومية للتنمية التي تضم دول شرق أفريقيا) وبعثة الأمم المتحدة "يونيتامس" بالإضافة إلى جامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والدول الأفريقية الأعضاء في مجلس الأمن، ودول جوار السودان (جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، مصر، إريتريا، إثيوبيا، ليبيا، وجنوب السودان)، والدول المعينة من قبل السلطة التنفيذية لشرق أفريقيا للتفاوض مع الأطراف المتحاربة في السودان وتشمل (جنوب السودان، كينيا، جيبوتي)، وجزر القمر كرئيس للاتحاد الأفريقي، والآلية الرباعية التي كانت معنية بتيسير التفاوض في السودان، وتشمل (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة)، والترويكا المعنية بالشأن السوداني (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، النرويج)، بالإضافة إلى ألمانيا وقطر. لم تعقد الآلية الموسعة أي اجتماع مباشر ولم يوضع أي إطار منهجي لعملها، ولم يتم أخذها على محمل الجد حتى تجاوزتها الأحداث واستعاضت أطرافها بالعمل على مبادراتها المستقلة.
3-مبادرات "الإيقاد"
في أبريل 2023، بدأت "الإيقاد" (الهيئة الحكومية للتنمية) جهودها للوساطة في الأزمة السودانية، وقررت إنشاء آلية رئاسية للتوسط لإحلال السلام في السودان، ضمت الآلية جيبوتي وكينيا وجنوب السودان أعضاءً في فريق المهمة الرئاسي، ولاحقا تم توسيع الآلية لتشمل إثيوبيا.
في البداية، تم تكليف جنوب السودان برئاسة فريق العمل الرئاسي، ولكن تم نقل الرئاسة إلى كينيا بشكل غير متفق عليه في قمة رؤساء "الإيقاد" التي انعقدت في جيبوتي في يونيو 2023، وهو ما أدى إلى خلافات واعتراضات نتج عنها تعطيل عمل آلية "الإيقاد". وكانت المبادرة تهدف في الأساس إلى تيسير الحوار بين طرفي الحرب وتمكين اجتماع مباشر بين قادة الطرفين المتحاربين. جددت سكرتارية "الإيقاد" سعيها لتنظيم لقاء مباشر بين الجنرالين وقدمت الدعوة في ديسمبر 2023 للقاء مباشر بينهما في جيبوتي، قبل أن تعود وتعتذر عنه متذرعة باعتذار قائد "الدعم السريع" عن الوصول إلى جيبوتي لأسباب فنية، وهو ما اتضح لاحقا أنه بسبب توجهه في الوقت نفسه إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مفضلا لقاء تحالف "تقدم" وتوقيع اتفاق رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك– وقائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" الذي تم في 2 يناير/كانون الثاني 2024. وكانت نتيجة ذلك أن قامت حكومة السودان بتعليق عضويتها في "الإيقاد" وانتهاء هذه الجهود دون تحقيق أي نتائج إيجابية.