مع فوز مسعود بيزشكيان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، يدخل الإصلاحيون جنة السلطة مجددا. حدثٌ شكّل نصف مفاجأة، داخل إيران وخارجها، وليس مفاجأة كاملة، كونه كان نصف متوقع منذ أن وافق "مجلس صيانة الدستور" على "أهلية" بيزشكيان للترشح.
وعليه، سيواجه بيزشكيان مجموعة من التحديات السياسية والاقتصادية المحلية والخارجية، خلال السنوات الأربع المقبلة.
التحدي الأول هو الصلاحيات المحدودة الممنوحة لرئيس الجمهورية بشكل عام، والرئيس الإصلاحي بشكل خاص، مما سيولد التحدي الثاني وهو تشكيل الحكومة. فليس هناك تصوّر كيف ستكون طبيعة التحالفات، والوقت الذي سيستغرقه بيزشكيان، ليتمكن من توليف حكومة منسجمة وفاعلة، ينبغي أن تنال بركة مرشد الجمهورية علي خامنئي من جهة، وأن تحصل على ثقة البرلمان المتشدد من جهة ثانية، خاصة أن فوزه جاء نتيجة "الخلاف" بين هذين الطرفين.
التحدي الثالث هو الأزمة الاقتصادية، بدءا من ارتفاع أسعار الطاقة (الوقود والكهرباء) إضافة إلى المياه والتي هزّت عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني رغم اعتداله، إلى انهيار العملة والغلاء، وصولا إلى الفقر الذي بلغ مستويات قياسية. وهذه الأزمة مرتبطة ارتباطا موضوعيا، بالعقوبات الدولية على خلفية البرنامج النووي، الذي يشكّل استئناف المفاوضات بشأنه التحدي الثالث.
التحدي الرابع هو الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في غزة، التي من الممكن أن تنزلق إلى حرب إقليمية، تؤدي بالتالي إلى نشوب حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل، في حال تعطلت تماما آليات الحلول الدبلوماسية، وفشلت دورة مفاوضات إطلاق النار الحالية.
التحدي الخامس: عودة دوريات "شرطة الأخلاق" إلى الشوارع، بقصد قمع النساء السافرات، والنقاش الواسع حول إلزامية الحجاب، وهو ملف شائك جدا وصعب، لأنه بيد المحافظين المتطرفين حصرا. وليس مستبعدا أن يستخدموه لمقارعة بيزشكيان في الشارع، وإحراجه أمام المرشد والسلطة الدينية.
التحدي المباشر والأصعب هو الكتلة السياسية لخصمه الخاسر في الانتخابات سعيد جليلي، فهؤلاء موجودون بكثرة في البرلمان كأداة تعطيل جاهزة، وفي المؤسسات الحكومية والإدارات العامة، وسيصعبون على حكومته تنفيذ المشاريع واتخاذ القرارات.
التحدي الأخير والكبير يتمثّل في أن عهده سيشهد بلوغ أزمة خلافة المرشد ذروتها وما سينتج عنها من صراعات طاحنة وخلافات سياسية سرا أو علانية، وربما تحديات أمنية أيضا.
إضافة إلى هذه التحديات وغيرها، سوف يصطدم بيزشكيان سياسيا، مع الأكثرية التي قاطعت الانتخابات والمكونة من أحزاب وشخصيات تنتمي إلى "جبهة الإصلاح" ومعها الشريحة الاجتماعية الأوسع والأكثر تنوعا، التي أطلقت حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، إضافة إلى "المعارضات" ذات الطابع القومي، لأنها سوف تلاحقه خطوة خطوة، وتضعه أمام اختبار يومي، حول وعوده بالتغيير والانفتاح وحل الأزمات.
التحدي الكبير أمام بيزشكيان يتمثل في أن عهده سيشهد بلوغ أزمة خلافة المرشد ذروتها وما سينتج عنها من صراعات طاحنة وخلافات سياسية
ولمواجهة هذه التحديات، من المتوقع أن يلجأ بيزشكيان إلى توسيع إطار العمل السياسي ولو شكليا، أي بما يضمن عودة عدد من الوجوه الإصلاحية والمعتدلة من أصدقائه إلى دوائر الحكم، وبما يجذب بعض الأصوات المعارضة، وبما يكفي لعدم استفزاز المحافظين.
لكنه يبقى كغيره من الرؤساء الإصلاحيين والمعتدلين، الذين سبقوه وكانوا أكثر انفتاحا ودينامية وأعمق تجربة منه، أمثال هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي، وحسن روحاني، فهو لا يملك الجرأة على إحداث تغييرات جوهرية في سياسات النظام ولا القدرة على الإصلاح لمن ينتظر ذلك داخليا وخارجيا، وسوف يعتمد على المرشد في أن يمنحه هامشا ضيقا من المناورة، والأخير سيفعلها، ليس حرصا على نجاح العهد الإصلاحي الجديد، إنما للحوؤل دون انهيار النظام تحت ضغط الأزمات.
والحق يقال إن التحديات لا تأتي كلها من أعداء "جبهة الإصلاح" أو خصومها. فالإصلاحيون أساسا، غير متفقين على مشروع سياسي جدي وفاعل، باستثناء حزب "كوادر البناء" الذي أسسه رفسنجاني في التسعينات، وبسبب ذلك، صار يقتصر حضورهم السياسي على التوجه كل أربع سنوات إلى صناديق الاقتراع، للتصويت ضد المرشح المحافظ، ليس أكثر. إضافة إلى ذلك، هناك عدد كبير من تجار البازار الذين يملكون شركات خاصة في قطاعات الطاقة والصناعة والتجارة والنقل وغيرها، محسوبون عليهم، ويمانعون وجود سياسات إصلاحية في تيارهم، حماية لمصالحهم وثرواتهم، كما أن الإصلاحيين وحلفاءهم المعتدلين، نخبويون لا يخاطبون أنصارهم إلا في الفترات الانتخابية، سواء فازوا فيها أم خسروا، في حين أن التيارات الأصولية، ورغم خلافاتها الداخلية، تتميز بقربها الدائم والمتواصل من قواعدها الاجتماعية والشعبية.
حاليا، ينشغل الإصلاحيون بتسويق صورة مثالية عن حكمهم التليد، ويروّجون أنه بمجرد أن مجد السلطة أُعطي لهم، سيبدأ عصر ظهور الإيجابيات تلقائيا، وسينتقل المجتمع الإيراني من النقمة إلى النعمة، رغم أنهم في كل مرة وصلوا فيها إلى الرئاسة، فشلوا في التغيير والإصلاح في مجالات الانفتاح والاجتماع والحقوق والحريات وفي الخروج من تحت عباءة المرشد والنظام.
وفي حالة بيزشكيان ستكون الصورة أكثر قتامة، لأنه أصولي مؤمن بولاية الفقيه وطامع في رضا المرشد، ورغم أنه ينشد التغيير، لكنه يسعى إلى أن يكون هذا التغيير محدودا ومشروطا، أي ضمن إطار ضيق لا يتعارض مع الأصل (ولاية الفقيه) وبهذه الذهنية المراوغة، سيفشل قبل أن يبدأ، وسنحتاج ربما إلى مجهر، لنتمكن من رؤية التغيير في بنية النظام وسلوكه، خلال هذه الطفرة الإصلاحية الجديدة، بحسب صقور الإصلاحيين الذين قاطعوا الانتخابات.