بايدن المتعب الذهن... الترشح الرئاسي المضمون يفلت سريعا من بين يديه

الدعم الشعبي والسياسي له ليس صلبا وفي طريقه للتصدع

أ ف ب
أ ف ب
بايدن وعقيلته جيل داخل السيارة في طريقهما إلى طائرة الرئاسة لمغادرة مطار هاريسبرج الدولي، بنسلفانيا في 7 يوليو

بايدن المتعب الذهن... الترشح الرئاسي المضمون يفلت سريعا من بين يديه

"انظر... إذا نزل الله العظيم إلى هنا وقال: جو، عليك أن تغادر السباق (الرئاسي)، فسأخرج من السباق. لكن الله العظيم لن ينزل إلى هنا"... بهذه الكلمات الحادة في وضوحها، عَبَّر الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن تصميمه على خوض التنافس الانتخابي الرئاسي، عن "الحزب الديمقراطي" ضد خصمه الجمهوري، دونالد ترمب.

تعكس كلمات بايدن هذه التي قالها يوم الجمعة في لقاء تلفزيوني، مع شبكة "إيه بي سي"، مخصص لإزالة الشكوك الجدية، في أوساط "الحزب الديمقراطي"، التي أحاطت بأدائه السيئ في مناظرته التلفزيونية مع ترمب في الثامن والعشرين من يونيو/حزيران الماضي. وأن يستدعي بايدن- الكاثوليكي الشديد الإيمان والمواظب على الذهاب للكنيسة- الله لإظهار هذا التصميم، يقول الكثير عن شدة التحدي الذي يواجهه الرجل داخل حزبه ومقدار عناده، حتى الآن، في الرد على هذا التحدي. فمنذ تلك المناظرة يتصاعد التشكيك بين الجمهور الديمقراطي في قدراته الذهنية على التركيز، وبالتالي على قدرته في الفوز بالسباق الرئاسي والاحتفاظ بالبيت الأبيض بأيد ديمقراطية.

علامات هذا التشكيك ظهرت سريعةً وواضحة، في البدء عبر قنوات وشخصيات ليست ديمقراطية رسميا لكنها حليفة ومتعاطفة مع الحزب ومؤثرة فيه (كما في مقالات صحيفة "نيويورك تايمز" التي تدعو بايدن للتنحي) وبعض الممولين التقليديين لحملات الحزب الانتخابية، لتنتقل سريعا إلى أعضاء رسميين في الحزب كبعض ممثليه في مجلس النواب. بخلاف أعضاء مجلس الشيوخ الذين يمثلون ولاياتٍ الجمهور فيها عادةً متنوع وكبير، يميل أعضاء مجلس النواب، بسبب تمثيلهم مناطق انتخابية محلية وصغيرة نسبيا داخل الولايات وكثيرا ما تكون منسجمة ديموغرافياً وسياسياً، إلى الصراحة في قول الأشياء واتخاذ المواقف للحفاظ على مصداقيتهم في مناطقهم (لا يزال أعضاء الحزب في مجلس الشيوخ صامتين حتى الآن).

تشير الحكمة التقليدية التي اختُبرت كثيرا في السابق، إلى أن مرشحا رئاسيا لا يبدو واعدا أو قادرا على الفوز بالبيت الأبيض يؤثر سلبا على حظوظ مرشحي حزبه على المناصب الأخرى

لكن على الأغلب وبحسب تقارير مختلفة، حتى كبار الديمقراطيين في مجلس الشيوخ وخارجه يتداولون فيما بينهم، بعيدا عن الإعلام، قدرة بايدن على الاحتفاظ بالبيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والحكم بعدها أربع سنوات أخرى، حتى عام 2028 عندما يبلغ السادسة والثمانين من العمر. رغم كونه التحدي الأهم، ليس الاحتفاظ بالبيت الأبيض هو التحدي الوحيد، فهناك أيضا الانتخابات المحلية، على مستوى الولايات والمقاطعات، أو ما يُعرف بـ"down-ballot". يشارك في هذه الانتخابات آلاف المرشحين الديمقراطيين الذين يتنافسون على مناصب عامة كثيرة ضد خصوم جمهوريين في الغالب، كما في التنافس على عضوية مجلسي الشيوخ والنواب، والمجالس البرلمانية في الولايات، والمجالس المحلية في المقاطعات وغيرها كثير. يجري التصويت على هذه المناصب في يوم التصويت الرئاسي في الخامس من نوفمبر المقبل. 

رويترز
الرئيس الأميركي جو بايدن يحضر قداسا في كنيسة الرب في جبل إيري في فيلادلفيا، بنسلفانيا، الولايات المتحدة، 7 يوليو

تشير الحكمة التقليدية التي اختُبرت كثيرا في السابق، إلى أن مرشحا رئاسيا لا يبدو واعدا أو قادرا على الفوز بالبيت الأبيض يؤثر سلبا على حظوظ  مرشحي حزبه على المناصب الأخرى. يقلل المرشحون الرئاسيون الضعيفون، كما ينظر كثيرون إلى بايدن الآن، من حوافز المؤيدين للحزب والمتعاطفين المحتملين معه للذهاب إلى صناديق الاقتراع في يوم الانتخاب، ويعطون صورة سلبية عن حزب عاجز عن اختيار مرشح قوي لأهم منصب في البلد. كما لا يستفيد المرشحون الحزبيون من الظهور مع مرشح رئاسي ضعيف ما يجعلهم يفقدون التأثير الانتخابي القوي الذي يرجونه من مرشح رئاسي واعد ومُلهم. 
لهذا السبب دعا زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، حكيم جيفري، رفاقه من النواب الديمقراطيين في المجلس للاجتماع أونلاين، هذا الأحد، قبل نهاية عطلة الكونغرس الحالية بمناسبة الاحتفال بعيد الاستقلال الأميركي،  للتباحث بشأن قضايا عديدة، بينها وربما الأهم فيها، هو ترشح بايدن عن الحزب. وفي السياق ذاته، يُتوقع أن يدعو السيناتور الديمقراطي مارك ورنر، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، رفاقه الديمقراطين في المجلس لاجتماع يناقش حظوظ بايدن الانتخابية. يعني مجرد عقد مثل هذه الاجتماعات التي يُتوقع أن تُناقش فيها اعتراضات المانحين والجمهور العادي في المناطق التي يمثلها هؤلاء المشرعون بخصوص ترشيح بايدن، أن الدعم الشعبي والسياسي لهذا الترشح ليس صلبا وفي طريقه للتصدع سريعا إذا لم يفعل بايدن شيئا سريعا وحاسما يوقف هذا التصدع.

حتى الآن، لم يرتكب بايدن خطأ فادحا في جولته هذه، لكنّ أداءه أيضا لم يكن مبهرا أو لافتا، بحيث يجعل مشاهد فشله في المناظرة التلفزيونية جزءا من الماضي

على الجانب الآخر، تقوم استراتيجية حملة بايدن التي تعي جيدا حراجة الموقف الذي تمر به على إقناع المتشككين من السياسيين والمانحين الديمقراطيين بأن الأداء السيئ لبايدن في المناظرة التلفزيونية كان الاستثناء وليس القاعدة، أي إن فشله فيها كان تعبيرا عن يوم سيئ مَر به بسبب الإجهاد وليس حالة صحية ستلازمه. وهو ما صرحت به الزعيمة السابقة للأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، وهي صوت موثوق به وداعمة لبايدن، خصوصا أنها نفسها تبلغ من العمر 84 وتدرك جيدا ما الذي يعنيه التقدم في العمر على أدائه السياسي.

أ ف ب
الرئيس الأميركي جو بايدن وعقيلته جيل أثناء عودتهما إلى البيت الأبيض في 7 يوليو، بعد حضور فعاليات الحملة الانتخابية في بنسلفانيا

تسعى الحملة الانتخابية لبايدن لصناعة وترسيخ الانطباع بأن مرشحها متماسك ذهنيا وقادر صحيا، في محاولة لاستعادة تألقه الخطابي، منذ أكثر من أربعة أشهر، في مارس/آذار الماضي، عندما ألقى "خطاب حالة الاتحاد" لينهي وقتها الكثير من القلق الذي كان يساور أوساطا ديمقراطية كثيرة بخصوص حالته الصحية. لذلك تنظم الحملة سلسلة توقفات انتخابية ومقابلات تلفزيونية كثيرة لبايدن في سياق جولته في عدة ولايات متأرجحة مثل جورجيا وأريزونا وبنسلفانيا ووسكانسن، وهي الولايات التي يتقدم عليه ترمب في معظمها بفارق نقطتين تقريبا، حسب آخر استطلاع للرأي. من خلال هذا الظهور المتكرر والمكثف أمام الجمهور والإعلام، يحاول بايدن أن يرسم صورة إيجابية عنه كمتنافس رئاسي جدي، بتركيز ذهني عال وقدرة إدراكية واضحة لا تترك مجالا للشكل بخصوص قدرته على الفوز وإدارة البيت الأبيض لأربع سنوات مقبلة. 
حتى الآن، لم يرتكب بايدن خطأ فادحا في جولته هذه، لكنّ أداءه أيضا لم يكن مبهرا أو لافتا، بحيث يجعل مشاهد فشله في المناظرة التلفزيونية جزءا من الماضي. ليس لدى بايدن الكثير من الوقت كي يقنع المشككين في قدراته الذهنية، ففي خلال شهر يوليو/تموز الحالي، إذا بقي الرجل على أدائه الحالي غير الحاسم إيجابيا، سيواجه برفض ديمقراطي قوي وعلني، يقترب من العصيان السياسي، يجبره آخر المطاف على التنحي وفسح المجال لمرشح ديمقراطي آخر.

font change

مقالات ذات صلة