ما الثمن الإقتصادي لحرب واسعة بين إسرائيل و"حزب الله"؟https://www.majalla.com/node/320476/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%B9%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%D8%9F
هل تؤدي الحرب المرتقبة بين إسرائيل و"حزب الله" الى أزمة اقتصادية عالمية ثالثة بعد أقل من خمس سنوات على جائحة "كوفيد-19" والغزو الروسي لأوكرانيا، وهما أزمتان متتاليتان لا يزال أثرهما الاقتصادي السلبي قائماً؟
بعدما شنت إسرائيل حربا قاسية على غزة انتقاماً من هجمات "حماس" المفاجئة في السابع في أكتوبر/تشرين الأول أسفرت عن مقتل نحو 1,200 إسرائيلي، أعلن "حزب الله" في لبنان تأييده للتنظيم الفلسطيني المدعوم من إيران، وشن هجمات على أهداف إسرائيلية قرب الحدود اللبنانية بشكل شبه يومي.
وأدى التصعيد من قبل أقوى ميليشيا في الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة إلى تهديد متزايد للجزء الشمالي من إسرائيل، مما دفع تل أبيب إلى تكثيف قصفها لقرى وبلدات في الجنوب اللبناني وتدمير أجزاء واسعة منها، مما أدى إلى جعل المناطق الحدودية على الجانبين غير مأهولة بسبب المواجهات المتبادلة.
خطوة واحدة غير محسوبة، خطأ حسابي واحد، قد يؤدي إلى كارثة تتجاوز الحدود بكثير وبصراحة تتجاوز الخيال. ولا يمكن لشعوب المنطقة ولا للعالم أن يتحملوا أن يصبح لبنان غزة أخرى
أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة
من المتوقع أن يخسر كل من إسرائيل و"حزب الله" الكثير في حال مضيهما في حرب واسعة، من دون أي نتائج حاسمة محتملة لأي من الطرفين.
فمن جهة، صارت إسرائيل مثقلة ماليا نتيجة حربها ضد "حماس"، التي أودت حتى الآن بحياة نحو 38 ألف فلسطيني ودمرت قطاع غزة بالكامل. ومن الممكن أن تؤدي حرب مجاورة مع "حزب الله" إلى انكماش اقتصاد البلاد هذا العام بنسبة 1,5 في المئة مقارنة بمعدل نمو متوقع يبلغ 1,9 في المئة، وفقا لوزارة المالية الإسرائيلية.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من قدرات "حزب الله" العسكرية، من المرجح أن يتكبد، مع لبنان عموما، خسائر بشرية وعسكرية ومادية فادحة في حرب شاملة ضد الجيش الإسرائيلي.
يعاني لبنان من انهيار عملته منذ أول تخلف له عن سداد سندات اليوروبوند في عام 2020، ويواجه اقتصادا مدمرا وتدهورا حادا في الظروف المعيشية وسط فراغ سياسي مزمن. وحذرت هيئات الإغاثة من أن مئات آلاف اللبنانيين الذين يعانون من ضائقة مالية، قد يواجهون الجوع في حال نشوب حرب بين "الحزب" وإسرائيل. ناهيك عن "إغراق لبنان بالكامل في الظلام وتفكيك قوة "حزب الله" في غضون أيام"، كما هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت.
"خطوة واحدة غير محسوبة، خطأ حسابي واحد، قد يؤدي إلى كارثة تتجاوز الحدود بكثير وبصراحة تتجاوز الخيال"، هذا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تصريحاته للصحافيين في يونيو/حزيران، مضيفا، "لنكن واضحين: لا يمكن لشعوب المنطقة ولا للعالم أن يتحملوا أن يصبح لبنان غزة أخرى".
يؤمل أن تكون التكلفة الاقتصادية الباهظة المتوقعة للحرب بين إسرائيل و"حزب الله" بمثابة رادع للطرفين
إذا تحقق أيٌّ من هذه السيناريوهات القاتمة، فإن "حزب الله"، الذي تضاءلت شعبيته في لبنان على الرغم من تقديم أشكال مختلفة من الدعم لمناصريه، سيكون بالتأكيد في مأزق.
ويؤمل أن تكون التكلفة الاقتصادية الباهظة المتوقعة للحرب بين إسرائيل و"حزب الله" بمثابة رادع للطرفين، إلى جانب الضغوط الدولية والجهود التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا لنزع فتيل الحرب. ولكن على أرض الواقع، يزداد القصف بين الطرفين، واغتيالات إسرائيل لقادة "حزب الله" وهجمات الأخير الذي تعهد بعدم وقفها حتى التوصل إلى اتفاق في شأن وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما فشلت في تحقيقه جولات عديدة من المفاوضات حتى الآن.
تأثير اقتصادي واسع
لم تؤثر تداعيات الحرب الإسرائيلية ضد "حماس" ومناوشاتها مع الجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة، على الاقتصاد العالمي بشكل كبير. إلا أن هناك أسبابا للاعتقاد بأن الحرب بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" ستكون لها ترددات صادمة على نطاق أوسع.
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) July 5, 2024
في المبدأ، تعتبر القدرات العسكرية لـ"حزب الله" أقوى بكثير من قدرات "حماس"، حيث تتلقى الجماعة نصيب الأسد من الدعم والتمويل الخارجي من إيران. كذلك من الممكن أن تكون الحرب مقدمة لمواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، ومن تلك النقطة لن يكون هناك سوى الاحتمالات القاتمة.
وقال فيكتور كاتونا، كبير محللي النفط الخام في شركة "كبلر"، لـ"المجلة": "أعتقد أن الحرب بين إسرائيل ولبنان هي أكثر خطورة بشكل عام وتمثل أخطارا تصاعدية أكبر بكثير من الحرب المستمرة في غزة".
وأضاف "في المقام الأول لأن أي صراع مع لبنان سيكون احتمال مشاركة إيران فيه أقوى بكثير، وبالتالي يمكن لأي شيء أن يحدث".
يمكن أن يصبح شرق البحر الأبيض المتوسط غير آمن تماما كما في البحر الأحمر، مما يدق المسمار الأخير في نعش آمال قناة السويس في العمل بشكل طبيعي
فيكتور كاتونا، كبير محللي النفط الخام في شركة "كبلر"، لـ"المجلة"
جاء أول هجوم مباشر لإيران على إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي بعدما قصفت إسرائيل مبنى للقنصلية الإيرانية في سوريا. وينظر إلى الهجوم الصاروخي، الذي أعلنته طهران مسبقا وأسفر عن أضرار طفيفة، على أنه رمزي إلى حد كبير، لكنه أدى إلى تعميق المخاوف في شأن مواجهة واسعة النطاق بين الدولة اليهودية والدولة الإسلامية المحافظة.
قناة السويس... مزيد من التحديات
بدأ الحوثيون في اليمن، الوكيل الإيراني الآخر في الشرق الأوسط، بشن هجمات بطائرات من دون طيار وإطلاق صواريخ على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل ردا على حرب غزة. وقد أدى ذلك إلى تعطيل الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب وكذلك المحيط الهندي، مما تسبب بانخفاض كبير في حركة المرور في قناة السويس المصرية وأثر سلبا على التجارة العالمية.
بالتزامن مع تصاعد التوترات بين إسرائيل و"حزب الله"، عززت جماعة الحوثي وتيرة الهجمات، بعضها بالاشتراك مع المقاومة الإسلامية في العراق. وفي الشهر الماضي، غرقت سفينة هاجمها الحوثيون في البحر الأحمر، وهي ثاني سفينة تغرق علي يد الجماعة المسلحة منذ بدء الفوضى الملاحية. ولم تنجح العمليات العسكرية الأميركية والبريطانية في إحباط هجمات الحوثيين خلال الشهور الماضية.
وقد أدت تلك الهجمات إلى زيادة الضغط ليس على إسرائيل فحسب، بل على مصر أيضا، حيث انخفضت إيرادات قناة السويس، التي بلغت نحو 9,4 مليارات دولار في السنة المالية 2022/2023 المنتهية في يونيو/حزيران، بأكثر من النصف في السنة الجارية. ومن الممكن أن تؤدي الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل إلى تفاقم مشاكل المعبر المائي الحيوي، الذي يمر من خلاله 12 في المئة من التجارة العالمية.
وقال كاتونا: "يمكن أن يصبح شرق البحر الأبيض المتوسط غير آمن تماما كما في البحر الأحمر، مما يدق المسمار الأخير في نعش آمال قناة السويس في العمل بشكل طبيعي".
وأضاف: "فور انتهاء الصراع بين إسرائيل وغزة، وانتهاء الضربات الانتقامية للحوثيين، سيحتاج العالم إلى العودة إلى استخدام قناة السويس". فعلى الرغم من أن ربط آسيا بأوروبا عبر رأس الرجاء الصالح أصبح أكثر أمانا في الوقت الحالي، إلا أنها أيضا رحلة أطول من 12 إلى 14 يوما. وهذا يعني المزيد من الضغط على الشحن، وارتفاع التكاليف بشكل عام وارتفاع استهلاك وقود السفن في جميع المجالات. وأكمل: "إذا تمكن البائعون والمشترون في العالم من خفض تكاليفهم، فسيفعلون. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو هذا سيناريواً واقعياً حاليا، ففي أفضل الأحوال تؤمل عودة الشحن إلى طبيعته انطلاقا من عام 2025، مع التشكيك في ذلك".
تأثيرات حرب أوكرانيا الاقتصادية
شهدت حرب أوكرانيا، التي اندلعت في فبراير/شباط 2022، ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية بسبب التحديات اللوجستية، مما أدى إلى موجة من رفع أسعار الفائدة لدى الاقتصادات الرئيسة لكبح التضخم. وحذت الأسواق الناشئة حذوها.
على الرغم من أن ربط آسيا بأوروبا عبر رأس الرجاء الصالح أصبح أكثر أمانا في الوقت الحالي، إلا أنها أيضا رحلة أطول من 12 إلى 14 يوما. وهذا يعني المزيد من الضغط على الشحن، وارتفاع التكاليف بشكل عام وارتفاع استهلاك وقود السفن في جميع المجالات
فيكتور كاتونا، كبير محللي النفط الخام في شركة "كبلر"، لـ"المجلة"
لكن العديد من الحكومات بدأت أخيرا تخفيف التشدد في سياساتها النقدية إثر هدوء الضغوط التضخمية. فبعدما وصلت أسعار خام برنت إلى 140 دولارا للبرميل في عام 2022، بلغ متوسط هذه الأسعار حاليا 85 دولارا. ومن المتوقع أن يقوم الاحتياطي الفيديرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة في حلول سبتمبر/أيلول المقبل، الأمر الذي من شأنه أن يجر المزيد من الاقتصادات نحو تخفيف سياساتها النقدية، بما يعزز معدلات النمو ويهدئ مخاوف الركود التي نشأت منذ حدوث اضطرابات في الاقتصاد العالمي نتيجة أزمة "كوفيد-19". لكن ربما يتغير ذلك إذا ما تطور القتال بين إسرائيل و"حزب الله" إلى حرب.
ويقول كاتونا: "قد تستهدف مصافي تكرير النفط الإسرائيلية، كما يمكن أن تصبح أي ناقلة لا تزال تنقل البضائع إلى إسرائيل هدفاً".
واضاف: "لا يمتلك لبنان فعليا مصافي تكرير، لكن سوريا تحاول إعادة بناء نفسها من الأضرار التي خلفتها الحرب الأهلية، وبالتالي، يمكن أيضا استهداف المصافي السورية، خصوصا تلك الموجودة في حمص حيث تنفذ إسرائيل عمليات عسكرية ضد مسلحين بشكل متكرر".
ومن المرجح أن تتدخل القوات النظامية ومسلحون في سوريا، الحليف الوثيق لـ"حزب الله"، في حال اندلاع الحرب، وهي خطوة من شأنها المخاطرة بإعادة القوات الدولية إلى بلد مزقته سنوات من الحرب الأهلية.
ويرى بعض المحللين أن ارتفاع أسعار النفط وانهيار الأسواق المالية هما نتيجة طبيعية لمثل هذه الحرب، لكن المدى الكامل لتأثيرها يتوقف على الأطراف المعنية ونطاقها الجغرافي.
لكن دجيوفاني ستونوفو، محلل السلع في بنك "يو. بي. أس." قال لـ"المجلة": "تاريخيا، أضيفت علاوة الأخطار إلى أسعار النفط عندما كان هناك انقطاع في الإمدادات. لبنان لا ينتج النفط، أما إنتاج سوريا من النفط فهو منخفض نسبيا بحيث يستبعد أن يكون له تأثير كبير".
وأضاف: "في الوقت نفسه، استمرت صادرات النفط الإيرانية عند مستويات مرتفعة في الأشهر الأخيرة"، حيث سجلت أعلى مستوى لها منذ ست سنوات في الربع الأول من السنة الجارية، بمتوسط 1,56 مليون برميل يوميا، وهي حصة ضخمة قد تحث الغرب على التفكير مرتين قبل فرض عقوبات على الدولة العضو في منظمة "أوبك".