حفل هذا الأسبوع بمبادرات وأحداث اقتصادية سعودية من العيار الثقيل، بدءا من اكتشافات النفط والغاز الجديدة الضخمة، وترسية عقود المرحلة الثانية من مشروع حقل الجافورة، وعقود المرحلة الثالثة من توسعة شبكة الغاز الرئيسة، وليس انتهاء بنتائج أرباح صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) الذي يؤشر إلى موقعه في مصاف أول ستة صناديق سيادية استثمارية في العالم لجهة حجم الأصول التي يديرها.
نتوقف عند الصندوق السيادي السعودي، الذي يدير أصولا قيمتها 925 مليار دولار، ويوفر أكثر من 644 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وتضم محفظته نحو 94 شركة في 13 قطاعا استراتيجيا، يماثل في أدائه الحيوية الاقتصادية والاستثمارية التي اتسمت بها السعودية في السنوات المنصرمة والتي نقلت المملكة، في فترة زمنية قصيرة، إلى منافس عالمي جدي وراسخ الإمكانات.
تعتبر وتيرة النمو التي يحققها الصندوق، الأعلى بين الصناديق السيادية العالمية، وتعاظم حجم الأصول التي يديرها نحو خمسة أضعاف قيمتها منذ إعادة الهيكلة ورئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة في عام 2015.
إضاءات لافتة
تتجه مؤشرات النتائج المالية والاستثمارية لإنجازات الصندوق صعودا، بثقة وثبات، ولكن ثمة إضاءات لا يمكن تجاوز الحديث عنها لما لها من دلالات تنسحب على الاقتصاد السعودي ككل لجهة التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المملكة.
ليس تفصيلا أن تتضاعف إيرادات الصندوق في عام واحد من نحو 44 مليار دولار إلى 88 مليار دولار، وأن تحقق أرباحا صافية بقيمة 17 مليار دولار بعد خسائر بـ4,5 مليارات دولار عام 2022
ليس تفصيلا أن تتضاعف إيرادات الصندوق في عام واحد من نحو 44 مليار دولار إلى 88 مليار دولار، وأن تحقق أرباحا صافية بقيمة 17 مليار دولار بعد خسائر بـ4,5 مليارات دولار عام 2022. ذلك من شأنه أن يقدم دليلا على الرؤية السليمة التي يتبعها الصندوق وعلى دقة اختياره للمجالات الاستثمارية التي يخوض غمارها بجرأة ونشاط لافتين، بما يفوق المتعارف عليه في إدارة الصناديق السيادية بهامش كبير. من أبرز النتائج التي ترتبت على ذلك، تصدر الصندوق بعلامة تجارية هي الأعلى قيمة بـ1,1 مليار دولار، مقارنة بصناديق الثروة السيادية العالمية، بحسب "براند فايننس"، ومعادلته تقريبًا ضعف قيمة أقرب منافس للصندوق التابع لامارة أبو ظبي.
وفي تصنيف مهم جدا يشكل الركيزة الأساس لاستدامة الصندوق ونموه المستمرين، نال المرتبة الثانية بين الصناديق الدولية عالميا، والمرتبة الأولى في الشرق الأوسط ضمن تصنيفات الحوكمة الرشيدة والاستدامة والمرونة العالمية من مؤسسة "غلوبال أس. دبليو.أف." (Global SWF)، في إشارة إلى دوره كمستثمر مؤثر ومسؤول، وحرصه على تطبيق أفضل الممارسات والشفافية.
وما هذه الأرقام والوقائع إلا خلاصة تحليل أشمل يفند النظرة العالمية إلى الصندوق كمحفز للنمو والتطور في المملكة، وهو الذي يخصص 21 في المئة فقط من أصوله لاستثمارات خارج السعودية، خلافا لصناديق الثروة السيادية الرائدة الأخرى التي دولها فقط، ويمتلك قدرة عالية على استقطاب أفضل الكفاءات العالمية، واستراتيجيا استثمارية مبتكرة، وعلى ولوج قطاعات جديدة، متمتعاً بجاذبية لافتة لدى فئة الشباب، تتماشى مع مستهدفات "رؤية المملكة 2030" في تعزيز حضور الشباب والمرأة ودورهما في مختلف القطاعات، وتوطين التكنولوجيا ومنتجات الذكاء الاصطناعي والمعارف المتقدمة، وتوفير الفرص المجزية في إطار التطور العملي والمعرفي بمعايير عالمية.
صندوق الاستثمارات العامة السعودي يحصد أعلى التصنيفات الائتمانية ويخطو إلى المستقبل بأهداف طموحة ومتفائلة، بمضاعفة حجم الأصول المدارة إلى تريليوني دولار بحلول عام 2030
في خضم ما يقاسيه الاقتصاد العالمي من عثرات جيواستراتيجية واقتصادية واستثمارية، تتراوح بين التراجع والجمود، تجد الصندوق السعودي يحصد أعلى التصنيفات الائتمانية ويخطو إلى المستقبل بأهداف طموحة ومتفائلة، بمضاعفة حجم الأصول المدارة إلى تريليوني دولار بحلول عام 2030. وقد دفع مناخ الأعمال الإيجابي هذا مئات الشركات العالمية إلى نقل مقارها الرئيسة إلى السعودية، خصوصا الموردين الذين يعملون على المساهمة في توطين سلاسل الإمداد في المملكة كمركز يتصف بالاستقرار الاقتصادي والأمني ويحضن النمو والتوسع.
دعم التحول في الطاقة
لا ريب أن الدور المركزي للمملكة في أسواق النفط العالمية مصدر رئيس لقوة السعودية وأهميتها الجيوسياسية، فهو يمدها بنفوذ كبير في عالم متعدد الأقطاب. وقد غذت عائدات النفط تاريخيا الاحتياجات الداخلية، الاجتماعية والاقتصادية، كما الخارجية، وهي الآن مصدر أساس لتمويل "رؤية المملكة 2030"، التي لا تزال تحتاج إلى مئات مليارات الدولار لانجازها، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى تنويع مصادر الناتج المحلي للاقتصاد السعودي من خلال اطلاق مشاريع بنية تحتية وانتاجية كبيرة لتطوير قطاعات مثل السياحة والصناعة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتوسيع دور القطاع الخاص. كما أنها تشكل عامل التمكين الأكثر أهمية للتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال تمويل المشاريع الكبرى، بما يدعم خطط النمو في المملكة، وتلبية احتياجات القطاعات المختلفة مثل الكهرباء والمياه والتعدين والبتروكيماويات وصناعة الرقائق وأشباه الموصلات.
أضحت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة محور المنطقة الأوسع وممثلا لنموذج الشرق الأوسط الناجح والمنتج، والمستقر سياسيا وأمنيا واقتصاديا
من هنا تبرز أهمية الاكتشافات الاستراتيجية الأخيرة وترسية عقود حقول الغاز والنفط. فالمشاريع الجديدة، إلى جانب الزيادة المهمة في احتياطات المملكة، تعزز مكانة السعودية في قطاع الغاز الطبيعي وسط جهودها المستمرة في التحول الإيجابي نحو التنوع في مصادر الطاقة.
سينمو إنتاج السعودية من الغاز بنسبة 63 في المئة في عام 2030 وسيصل إلى 21,3 مليار قدم مكعب، في مقابل 13,5 قدم مكعب، كما أعلن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قبل أيام، مما يجعلها منتجا شاملا للطاقة متنوعة المصادر ولاعباً مهماً في سوق الغاز العالمية الأقل تكلفة للانتاج، ويوفر فرص عمل جديدة، ويمكن من خفض الانبعاثات، ويكون بمثابة مصدر للوقود الأنظف مستقبلا، في ظل توقع زيادة كبيرة في الطلب على الغاز بحلول عام 2040.
أضحت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة محور المنطقة الأوسع وممثلا لنموذج الشرق الأوسط الناجح والمنتج، والمستقر سياسيا وأمنيا واقتصاديا. كما أنها تلعب دورا حاسما في المفاوضات العالمية في خصوص تغير المناخ والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر في إطار عقلاني يخدم مصلحة الدول والاستقرار الاقتصادي العالمي.