الجالية الجزائرية في فرنسا... التعايش مع اليمين المتطرف أم مواجهته سياسيا؟

اليمين المتطرف يزحف نحو السلطة

رويترز
رويترز
مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، ومرشحة حزب التجمع الوطني، تلقي خطابًا بعد النتائج الجزئية في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية المبكرة

الجالية الجزائرية في فرنسا... التعايش مع اليمين المتطرف أم مواجهته سياسيا؟

هناك مخاوف لدى كثير من الجزائريين في فرنسا من احتمال صعود اليمين الفرنسي المتطرف للحكم بسبب سياسات التمييز والعنصرية والتهميش تحديدا. وتعد الجالية الجزائرية في فرنسا أكبر الجاليات الجزائرية في الخارج وذلك لأسباب تاريخية وجغرافية عدة، منها الاحتلال الفرنسي للجزائر والذي استمر أكثر من مائة عام.

وحقق حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف نتائج كبيرة في الانتخابات التشريعية الأسبوع الماضي، ويُحتمل أن يعزز مقاعده في البرلمان بعد الجولة الثانية اليوم الأحد. وحصل الحزب المتطرف وحلفاؤه على 33.15 في المئة من الأصوات، مقابل 27.99 في المئة لـ"الجبهة الشعبية الجديدة" (تيار اليسار)، و20.04 في المئة للمعسكر الرئاسي في الجولة الأولى، مما كرس تلك المخاوف في نفوس الفرنسيين من أصل جزائري والمهاجرين عموما.

وتعددت الآراء بين من يرى أن وصول اليمين المتطرف إلى سدة الحكم في البلاد ستكون له آثار وخيمة على العلاقات بين الجزائر وفرنسا وعلى الجالية الجزائرية خصوصا، وهناك من يهون من احتمال تأثير صعود اليمين المتطرف على العلاقات الثنائية، إذ إن الجزائر تعتبر شريكا تجاريا مهماً لباريس لا سيما في مجال المحروقات.

ويمثل التحول السياسي الحاصل في فرنسا على وجه الخصوص إنذارا بالنسبة للجزائر، وفق الأكاديمي والباحث في الشؤون السياسية هواري عدي، ومن المرجح أن يعتمد أقصى اليمين "قيودا أكثر تشددا في مجال منح التأشيرات"، ولا يستعبد أيضا "إصدار قرارات طرد جماعي في حق المقيمين بطريقة غير شرعية لا سيما أولئك الذين يخضعون لقرارات مغادرة الأراضي الفرنسية".

وتزداد الخشية من عودة الخطاب الرجعي المتطرف للنخب الفرنسية المناهضة للمطالب المشروعة للجزائر التي ترفض رفضا قاطعا "طي الصفحة" ولا "تصفها كماض" بسبب بشاعة الجرائم التي ارتكبتها قوات الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري، في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا "التهوين والتقليل" من حجم جرائمها المرتكبة، ويقول في هذا المضمار الباحث والكاتب هواري عدي إن "إمساك هذا التيار بمقاليد الحكم من شأنه إحياء الجراح والنبش في أرشيفات الماضي لا سيما وأن الأب الروحي لهذا التيار هو جون ماري لوبان الذي صدرت بخصوصه كتب تتضمن وثائق ومستندات تاريخية تدين جرائم التعذيب التي ارتكبها، آخرها كتاب جديد للمؤرخ الفرنسي المختص في الحرب الجزائرية الفرنسية فابريس ريسيبوتي".

وصول اليمين المتطرف إلى الحكم قد يكرس سياسات العنصرية والاضهاد والتميير بحق الجالية الجزائرية الكبيرة في فرنسا 

وقد رسم السفير الفرنسي الأسبق في الجزائر، كزافي درينكور، في مقال بجريدة "لوفيغارو" اليمينية، مستقبلا قاتما للعلاقات بين البلدين، ومن السيناريوهات التي يبتغيها توجه غوردن بارديلا، رئيس "التجمع الوطني" المرشح حاليا لقيادة الحكومة الفرنسية، إلغاء اتفاق الهجرة بين الجزائر وباريس الموقع في 27 ديسمبر/كانون الأول، وهدفه تسهيل حركة وعمل وإقامة الجزائريين في فرنسا.

فالسيناريو الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لكزافي درينكور هو "خروج سلطة جديدة من رحم (التجمع الوطني)، وتعيين غوردن بارديلا رئيسا للوزراء". ويقول إن هذا السيناريو هو بمثابة "قفزة نحو المجهول لأن المفاوضين مجهولون، لم يسبق لهم أن مارسوا السلطة، وأهم شيء أنهم مقربون من الأقدام السوداء (المستوطنين الأوروبيين وأغلبهم من الفرنسيين واليهود المولودين أو الذين عاشوا في الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي)".

ويُشكل وصول غوردن بارديلا إلى السلطة فصلا جديدا من فصول الصراع بين فرنسا والجزائر بسبب خطابه المتشدد حول الهجرة وتصريحاته بإعادة التفاوض على الاتفاق الفرنسي الجزائري بشأن الهجرة.

أ.ف.ب
رئيس حزب التجمع الوطني اليميني جوردان بارديلا مع زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان، بعد مؤتمر صحافي في 24 يونيو 2024

وهناك الكثير من القضايا الخلافية الأخرى التي قد "تسمم" العلاقات بين البلدين وقد يناور بها اليمين المتطرف وهي قضية "الصحراء الغربية"، حيث سبق لمرشحة اليمين في الانتخابات الرئاسية الماضية مارين لوبان وأن أبدت رغبتها في تعميق العلاقات مع المملكة المغربية، ولذلك من غير المستبعد أن تعترف حكومة غوردن بارديلا المرتقبة بـ"مغربية" الصحراء الغربية وهو ما رجحته صحيفة "لوموند" الفرنسية في مقال مطول نشرته، بداية الأسبوع عن مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية في حال وصول اليمين المتطرف إلى الحكم من خلال حزب "التجمع الوطني" بزعامة مارين لوبان، واستحضرت الصحيفة موقف عضو البرلمان الأوروبي تيري مارياني، المسنود من "التجمع الوطني"، وأيضا إيريك سيوتي، الذي يمثل اليمين التقليدي، وقد تتسبب هذه المواقف في تغيير راديكالي في الموقف الفرنسي الرسمي المتوازن في هذه القضية تحديدا.

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار سيغة، صعود اليمين المتطرف "سابقة غير مريحة في تطور العلاقات بين باريس والجزائر، لا سيما وأنه ومنذ مجيء الرئيس تبون إلى السلطة في الجزائر عرفت العلاقات البينية تراجُعا وتراشُقا في التصريحات وتراجع المصالح الفرنسية في العمق الأفريقي وفي الجزائر على وجه الخصوص، لكن ذلك لم يحد من مساعي ماكرون في الحفاظ ولو على الحد الأدنى من مستوى العلاقات مع الجزائر ومخاوفه من فقدان وعاء انتخابي هام للجالية الجزائرية و المغاربية في فرنسا".

وللبروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة وجهة نظر مغايرة، ويستبعد أن "يكون هناك تأثير راديكالي على مستقبل الجالية بالشكل الذي تتوقعه بعض الدوائر لأن الجبهة الداخلية ستصبح مهددة". ويشير في حديثه لـ"المجلة" إلى أن "المقاربة الأمنية وحدها ليست الحل بل ستنتج توترات داخلية لا سيما وأن ملف المهاجرين له ارتباطات اقتصادية وقانونية وإنسانية وليس موضوعا انتخابيا لتيار ما في ظرف ما ولأغراض ما".

هناك كثير من القضايا الخلافية الأخرى التي قد "تسمم" العلاقات بين البلدين وقد يناور بها اليمين المتطرف وهي قضية "الصحراء الغربية"

ويعود في هذا المضمار نور الصباح عكنوش للحديث عن أسباب صعود اليمين المتطرف إلى مراكز القرار في أكثر من بلد أوروبي لا سيما في فرنسا، ويقول في حديثه لـ"المجلة": "يجب قراءة صعود التيار اليميني المتطرف كأزمة حضارية على المستوى الهوياتي والبنيوي داخل مجتمعات ما بعد الحداثة في الغرب حيث تعرف منظومة القيم مرحلة انتقالية صعبة على ضوء الحرب الأوكرانية والعدوان على غزة، حيث برزت إشكاليات داخلية جديدة يحاول اليمين المتطرف الوصول إلى أجوبة لها من منظور عنصري يلبي حاجات السياق الراهن في ظل عجز النخب التقليدية عن الإجابة وتقديم حلول للرأي العام القلق والخائف والمتوتر تجاه المستقبل الغامض".

ويضيف أن "المجتمع السياسي الغربي يواجه انغلاقا محكما بحكم ضغوطات البيئة وتحولات المعايير التي تؤثر على هندسة نموذج العقد الاجتماعي الذي ساد لقرون ولم يعد قادرا على إنتاج فكر جديد للتعايش والانسجام وذلك في صالح خطاب راديكالي مثير جذاب لكنه على المدى الطويل سيصبح مشكلة وليس حلا، وهو ما سيدخل فرنسا في نفق مظلم بسبب العنصرية والكراهية للجالية المقيمة على التراب الفرنسي والتي تقدر بنحو 8 ملايين نسمة".

ومن جهته، قلل الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي بوحوص بوشيخي، من "احتمال تأثير صعود اليمين المتطرف اللافت في فرنسا على العلاقات مع الجزائر"، ويقول في حديثه لـ"المجلة" إن "الجزائر ترتبط مع فرنسا بعدة عقود في مجال البترول والغاز الطبيعي المسال وكذلك حصول فرنسا على حصة من الغاز الطبيعي عبر الأنابيب من خلال أنبوبي إيطاليا وأنبوبي إسبانيا، فقد صدرت نحو 52 مليار متر مكعب عبر هذه الأنابيب، أما من حيث الكميات فقد صدرت في المجموع 10 ملايين طن من الغاز الطبيعي المميع مع نحو 9.2 مليون طن إلى أوروبا، لتكون بذلك رابع أكبر ممون للقارة الأوروبية بالغاز الطبيعي المميع"، وحسب الأرقام التي قدمها الخبير الاقتصادي فإن "فرنسا تستفيد من 30 في المئة من صادرات الجزائر عبر إسبانيا وإيطاليا وأيضا بواسطة النقل البحري للغاز المسال".

ومن العوامل الأخرى التي تقلل من هذا التأثير، يشير المتحدث إلى "وجود أكبر جالية جزائرية في فرنسا تقدر بأكثر من 4 ملايين نسمة، ولهذا هناك علاقة معقدة تربط بين الشعبين فيها الحب والدماء والماضي الصعب، فالكل يعلم أن كل أسرة في فرنسا لها علاقة ما مع الجزائر والعكس صحيح، لذلك فمهما كان النظام الذي يستلم الحكم في فرنسا لا يمكن له أن يقفز على الحقائق التاريخية وما هو موجود على الأرض من علاقة أزلية تربط بين الشعبين، والدليل أن كل المتنافسين على الحكم لهم أصول جزائرية بما في ذلك اليمين المتطرف".

font change

مقالات ذات صلة