أمازون... الشركة التي فاقت التوقعات

ليست فقاعة على الإطلاق

أ.ب
أ.ب

أمازون... الشركة التي فاقت التوقعات

منذ نحو أسبوع، انضمت "أمازون" إلى ناد حصري، حيث تجاوزت قيمتها السوقية تريليوني دولار، لتنضم إلى صف أربع شركات أخرى فقط هي: "ألفابت"، و"آبل"، و"مايكروسوفت"، و"إنفيديا". وخلال أعوامها الثلاثين، باتت "أمازون،" التي تأسست يوم 5 يوليو/تموز 1994 كبائع كتب عبر الإنترنت في سياتل، شركة ناجحة للغاية. وأصبحت شبكتها الواسعة من المستودعات والشاحنات الصغيرة مسؤولة عن توصيل طرود سنوية تزيد على تلك التي تسلمها "فيديكس"، أو "يو بي إس"، بما يعادل بضائع بقيمة 850 مليار دولار عالميا.

بالإضافة إلى ذلك، يستخدم ملايين العملاء خدماتها الرائدة في الحوسبة السحابية، مما يحقق إيرادات سنوية قدرها 100 مليار دولار. وإلى جانب أنشطتها الرئيسة، تستثمر "أمازون" في مشاريع متقدمة مثل طائرات التوصيل المسيرة، وشبكات الأقمار الصناعية، والسيارات ذاتية القيادة.

يعود هذا النجاح الكبير إلى تركيز الشركة المستمر على تلبية احتياجات العملاء واستعدادها الدائم لتجربة كل ما هو جديد. ورغم الانتقادات من النشطاء بشأن تأثيرها على المتاجر التقليدية، يظل المستهلكون سعداء بمشترياتهم التي تصلهم في صناديق كرتونية مبتسمة، وتتصدر "أمازون" باستمرار استبيانات رضا العملاء. وفي سعيها الدؤوب لإرضاء المتسوقين، تعيد الشركة استثمار أرباحها بشكل مستمر في أعمالها. ففي العام الماضي، لم تتفوق أي شركة على "أمازون" في الإنفاق على البحث والتطوير أو النفقات الرأسمالية. تدعي شركات كثيرة اهتمامها بالعملاء، ولكن بالنسبة لـ"أمازون"، يبدو أن هذا الاهتمام حقيقي ومثبت بالفعل.

خلال الجائحة، عمل قطاع التجارة الإلكترونية في "أمازون" بأقصى طاقته، حيث ارتفعت الإيرادات العالمية بنسبة 40 في المئة في عام 2020

ما الذي ينتظر "أمازون" مع دخولها عقدها الرابع؟ في السنوات الأخيرة، انضمت "آبل"، و"مايكروسوفت" إلى نادٍ أكثر تميزا، حيث تجاوزت قيمتهما السوقية 3 تريليونات دولار. ويعتمد تمكن "أمازون" من اللحاق بهما على مدى نجاحها في التعامل مع ثلاثة تحديات صعبة: تباطؤ التجارة الإلكترونية، وزيادة المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، ومواجهة الهجمات من الجهات المنظمة لمكافحة الاحتكار.

وخلال الجائحة، عمل قطاع التجارة الإلكترونية في "أمازون" بأقصى طاقته، حيث ارتفعت الإيرادات العالمية بنسبة 40 في المئة في عام 2020. ولكن في الأشهر الـ12 الماضية، نمت المبيعات بنسبة 5 في المئة فقط، وهي وتيرة تعادل ثلث ما كانت عليه قبل الجائحة. هذه مشكلة كبيرة لأن البيع بالتجزئة، عند تضمين الشحن والخدمات الأخرى التي تُباع للبائعين، يمثل ثلثي مبيعات "أمازون." والأسوأ من ذلك، أن المحللين يعتقدون أن أرباح هذا القطاع ضئيلة، وأنها مدعومة بأعمال الحوسبة السحابية والإعلانات. وكنوع من الرد، سعت "أمازون" إلى التوسع في قطاع البقالة، وهو سوق بقيمة تريليوني دولار في أميركا، إلا أن عُشر إنفاقه فقط يجري عبر الإنترنت. كما بدأت تستثمر في قطاع المستحضرات الصيدلانية. ومع ذلك، حتى الآن، لم تحقق هذه الاستثمارات نتائج ملحوظة.

التحدي التالي الذي يواجه "أمازون" هو التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، خصوصا أن معظم الطلب على هذه التكنولوجيا مرتبط بالخدمات السحابية. ولكن، بفضل شراكتها مع "أوبن إيه آي"، استطاعت "مايكروسوفت" أن تستحوذ على القيادة في هذا المجال، مما أدى إلى تراجع هيمنة "أمازون" في الحوسبة السحابية. ففي عام 2022، كانت حصة "أمازون" السوقية أعلى بـ13 نقطة مئوية من "مايكروسوفت،" ولكن الفارق اليوم تقلص إلى ست نقاط فقط.

وهناك بوادر على أن "أمازون" تتخذ خطوات للتصدي لهذه التحديات. ففي مارس/آذار، استثمرت 3 مليارات دولار في شركة "أنثروبيك،" المنافسة لـ"أوبن إيه آي". وفي هذا الأسبوع، ضمت إلى صفوفها جزءا من الفريق الإداري لشركة "آديبت،" وهي شركة ناشئة أخرى في مجال الذكاء الاصطناعي. ويُتوقع أن ترتفع نفقات رأس المال بنسبة 20 في المئة هذا العام، حيث تعزز الشركة استثماراتها في معدات الذكاء الاصطناعي لتطوير مراكز بياناتها. في الوقت ذاته، تسعى الشركة في قطاع التجارة الإلكترونية إلى استخلاص المزيد من القيمة عبر ربط أعمال البيع بالتجزئة بوحدات الإعلان وخدمات بث الفيديو.

في مجال الذكاء الاصطناعي، ستختبر المنافسة الشرسة من الشركات الناشئة قدرة "أمازون" العملاقة على البقاء في الطليعة

ومع ذلك، قد يؤدي هذا التكامل الوثيق بين أعمال "أمازون" المختلفة إلى تفاقم تهديد ثالث، وهو مكافحة الاحتكار. حيث أصبح المنظمون أكثر حذرا من شركات التكنولوجيا الكبرى، وتنوع أعمال "أمازون" يجعلها هدفا طبيعيا. قد يؤدي الدمج الأقرب لهذه الأنشطة إلى زيادة التدقيق التنظيمي. على سبيل المثال، تقدمت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية العام الماضي بشكاوى ضد "أمازون،" من بينها أن البائعين الذين أرادوا أن تكون منتجاتهم مؤهلة للتوصيل المجاني لمشتركي "برايم" كانوا مضطرين لاستخدام شبكات الخدمات اللوجستية التابعة للشركة. كما أن الهيئات التنظيمية في مناطق أخرى أعاقت خطط "أمازون" التوسعية، مثل طموحها لشراء شركة "آي روبوت"، المصنعة للمكانس الكهربائية الآلية، في الاتحاد الأوروبي.

بشكل عام، قد يكون العقد الرابع لـ"أمازون" أكثر صعوبة من العقد الثالث. إذ سيتعين عليها التعامل مع التدقيق المكثف لمكافحة الاحتكار في قراراتها، مما قد يعوق النمو. كما يمكن أن يأتي وقت تضطر فيه الشركة إلى إيقاف استثماراتها في قطاع البقالة بلا تردد، كما فعلت مع هاتف "فاير فون". وفي مجال الذكاء الاصطناعي، ستختبر المنافسة الشرسة من الشركات الناشئة قدرة "أمازون" العملاقة على البقاء في الطليعة.

ومع ذلك، فإن التزام "أمازون" بعملائها وابتكاراتها المستمرة سيضمن لها وضعا جيدا على المدى الطويل. وعلى مر السنين، توقع الكثيرون سقوط "أمازون"، حيث أطلق البعض اسم "أمازون دوت بومب" على المرحلة التي حضّرت لانفجار فقاعة "الدوت كوم"، وسخر الكثيرون عندما أطلقت الشركة خدمة الحوسبة السحابية الخاصة بها. إن التشكيك في قدرة "أمازون" اليوم سيكون خطأ مماثلا.

font change

مقالات ذات صلة