يخيم ظل من الكآبة على الاحتفالات بالذكرى الخامسة والسبعين لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يتجلى بعدم اليقين المتزايد في واشنطن بخصوص حملة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن المتعثرة.
إن القمة التي تستمر يومين، احتفالا بذكرى إنشاء حلف "الناتو" في عام 1949، والمقرر عقدها في واشنطن يوم 9 يوليو/تموز، من المفترض أن تحتفل بإنجازات الحلف الرئيسة، ليس أقلها الحفاظ على السلام في أوروبا طيلة فترة الحرب الباردة.
سيرغب قادة الحلف الذي يضم 32 عضوا في التفكير أيضا في رد فعلهم على الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، هذا الغزو الذي أطلق أول صراع كبير في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
في كثير من النواحي، مثَّل الصراع الأوكراني نداء يقظة لكثير من دول حلف "الناتو"، ما دفع الكثير منها إلى تبني زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي حتى تتمكن من الوصول إلى الحد الأدنى البالغ 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المطلوب من الأعضاء لتمويل الحلف.
قبل الغزو الروسي، لم تلتزم بهذا المطلب سوى حفنة من دول حلف "الناتو"، وهذا التقصير كان مصدرا دائما للخلاف بين الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى، مثل ألمانيا، التي فشلت باستمرار في الوصول إلى هذا الهدف.
أصبحت القضية شائكة على وجه التحديد خلال فترة رئاسة دونالد ترمب، عندما انتقد بشكل لاذع المستشارة الألمانية آنذاك أنغيلا ميركل بسبب رفض بلادها دفع ما يترتب عليها للحلف.
وصل استياء الولايات المتحدة من عدم رغبة الأوروبيين في الوفاء بالتزاماتهم المادية للدفاع عن أنفسهم إلى حد ظهور اقتراحات تفيد بأن واشنطن ستنسحب من التحالف تماما، وتترك الأوروبيين ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، لاسيما في حال فوز ترمب بانتخابات البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني.
إن استفزاز ترمب المستمر للقادة الأوروبيين، إلى جانب الفعل الروسي الواضح والصريح في الاعتداء العسكري على دولة أوروبية مجاورة، دفع الكثير من الدول الأوروبية كي تراجع التزاماتها حول الإنفاق في "الناتو" مراجعة جذرية، وكانت النتيجة أن 23 دولة على الأقل من أصل الدول الـ32 الأعضاء ستصل إلى الـ2 في المئة المنشودة خلال القمة المنعقدة الأسبوع المقبل، مع الكثير من الدول الأخرى التي من المقرر أن تسير على خطاها. تلك النتيجة تقارن مع ثلاث دول فقط– من ضمنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة– وصلت إلى الهدف المطلوب عام 2014، عندما بدأت روسيا تدخلها العسكري في أوكرانيا لأول مرة.
يخشى كثير من الديمقراطيين أن السماح لبايدن بمواصلة محاولته لإعادة انتخابه ستمنح الفوز لترمب ببساطة في انتخابات نوفمبر
ويمكن لقادة "الناتو" أيضا أن ينظروا إلى التأثير الإيجابي الذي نتج عن دعمهم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا من حيث تمكين الجيش الأوكراني من مقاومة العدوان الروسي، وهو أمر يعتقد معظم قادة "الناتو" أنه ضروري لردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تهديد أجزاء أخرى من أوروبا، خاصة تلك الدول التي تشكل جزءا من "الناتو".
إن أي عمل عدواني من جانب روسيا ضد دولة منتسبة إلى حلف "الناتو" يمكن أن يثير صراعا مباشرا بين روسيا والحلف، مع كل التداعيات التي يمكن أن تترتب على الأمن العالمي.
هذا وقد استفاد حلف "الناتو" أيضا بشكل كبير من الغزو الروسي من خلال إقناع كل من السويد وفنلندا، البلدين اللذين التزما في السابق بالحياد الصارم في المواجهة بين روسيا والتحالف الغربي، بالتخلي عن موقفهما المحايد والانضمام إلى حلف "الناتو". أدت إضافة هاتين الدولتين إلى "الناتو" إلى زيادة كبيرة في قدرة الحلف على حماية جناحه الشمالي من التدخل الروسي.
بعد التفكير في هذه التغييرات البارزة في تصميم الحلف وقدرته على الاستجابة بفعالية لأزمة دولية كبرى مثل الصراع الأوكراني، سوف يحرص قادة "الناتو" على البناء على هذا النهج خلال قمة واشنطن، ودراسة طرق جعل "الناتو" أكثر مرونة في الدفاع عن التحالف العابر للأطلسي في حال ظهور تحديات أخرى تهدد الأمن الغربي.
ومع ذلك، يتوجب الآن إجراء مثل هذه المناقشات في مواجهة الأزمة السياسية المتفاقمة التي تطورت في واشنطن حول ما إذا كان بايدن البالغ من العمر 81 عاما مؤهلا بما يكفي لولاية رئاسية ثانية.
يأتي ذلك في أعقاب الأداء الكارثي للرئيس خلال مناظرته الأخيرة على شبكة "سي إن إن" أمام ترمب، التي فقد فيها بايدن تسلسل أفكاره في معظم الوقت وقدم كل مظهر لعدم امتلاكه الحدة العقلية اللازمة للعمل كرئيس.
وقد حُكم على أداء بايدن بأنه غير كفء إلى درجة أن الاستطلاعات الأخيرة في الولايات المتحدة أفادت بأن ما يصل إلى 80 في المئة من الناخبين الأميركيين يعتبرون أن بايدن الآن أكبر سنا من أن يترشح مرة أخرى للبيت الأبيض.
الأمر الذي يثير القدر نفسه من القلق بالنسبة للديمقراطيين هو استطلاعات الرأي التي تظهر أن بايدن تراجع أكثر خلف ترمب في السباق إلى البيت الأبيض. حيث أظهر استطلاعان أجريا مؤخرا أكبر تقدم لترمب حتى الآن على شاغل المنصب الحالي، ما جعل ترمب يتقدم بست نقاط على بايدن، بعد أن كان متقدما بنقطتين في فبراير/شباط الماضي.
وقد دفعت حملة بايدن المتعثرة الكثير من كبار الديمقراطيين إلى دعوة بايدن كي يعيد النظر في ترشحه، والتفكير بجدية في التنحي والسماح لمرشح أصغر سنا بالترشح بدلا منه، مثل نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس.
ويخشى الكثير من الديمقراطيين أن السماح لبايدن بمواصلة محاولته لإعادة انتخابه ستمنح الفوز لترمب ببساطة في انتخابات نوفمبر.
سوف يرغب قادة "الناتو" أيضا في التأكد مجددا من أن بايدن يتمتع بالقوة العقلية والقدرة البدنية على التحمل للوفاء بواحد من الأدوار القيادية الأكثر تطلبا في العالم
وفي الوقت الحالي، يرفض فريق بايدن الدعوات الموجهة للرئيس لسحب ترشحه، مع تواصل بايدن نفسه مع كبار الديمقراطيين للإصرار على أنه لا يزال مناسبا بما يكفي للترشح، وإلقاء اللوم في أدائه غير المقنع في مناظرة شبكة "سي إن إن" على حقيقة أنه كان يعاني من نزلة برد، واضطراب الرحلات الجوية الطويلة الذي أصابه مؤخرا.
ويرى كثير من الديمقراطيين أن هذه التبريرات غير مقنعة، خاصة وأن آخر رحلة خارجية لبايدن كانت قبل اثني عشر يوما من المناظرة، الأمر الذي منحه وقتا كافيا كي يستعد لظهوره التلفزيوني.
وبالتالي، مع ما يقال حول أن الديمقراطيين ما زالوا ينظرون بجدية في إبعاد بايدن عن الترشح، فكل الأنظار سوف تتجه نحو الرئيس خلال قمة "الناتو" لرؤية ما إذا كان يملك القدرة حتى الآن على الأداء بشكل علني.
وسوف يرغب قادة "الناتو" أيضا في التأكد مجددا من أن بايدن يتمتع بالقوة العقلية والقدرة البدنية على التحمل للوفاء بواحد من الأدوار القيادية الأكثر تطلبا في العالم. ذلك أنهم يدركون جيدا أنه إذا لم يكن بايدن على مستوى المنصب وما زال ينوي السعي لإعادة انتخابه، فسوف يفتح هذا الأمر الطريق أمام ترمب كي يستعيد البيت الأبيض ببساطة، وهي نتيجة لا يتطلع إليها أي منهم بأي قدر من الحماس.