بدأ أخيرا عرض المسلسل الوثائقي العربي "عقول مُظلمة"، وهو الإنتاج الأول لاستوديوات "المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام" SRMG، في سبع حلقات، عبر منصة "نتفليكس" العالمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك بعد عرضه على "الشرق ديسكفري". ويُعد هذا العمل الأول من نوعه عربيا، وكما يبدو من عنوانه، فإنه يقدّم قصصا حقيقية صادمة لجرائم هزت مدنا عربية كبيرة وصغيرة على حد سواء. يركز الوثائقي على محاولة فهم دوافع مرتكبيها (والفهم غير التبرير) وتركيباتهم النفسية المعقدة، من دون أن يغفل، لحسن الحظ، أصوات الضحايا وذويهم. ومن غير أن يسقط كذلك، في فخ تصوير هؤلاء المجرمين في صورة الأبطال الخارقين، وهو ما تُقدِم عليه السينما في الكثير من الأحيان، بقصد أو بلا قصد.
ما يلفت بداية في "عقول مظلمة"، هو الرغبة في صناعة عمل عربي، ينافس الأعمال الأجنبية المشابهة، لا سيما تلك التي تعرضها "نتفليكس". الرغبة التي تطرح سؤالا ضروريا: هل من المهم حقا أن يصنع العالم العربي أعمالا توثيقية عن المغتصبين أو القتلة المتسلسلين؟ أم أننا نكون بهذا الشكل، نحرّض على الجريمة، أو نقلد الأميركيين، أو حتى نقارب الفكرة برغبة في الربح وإثارة الجدال، لا أكثر؟
والواقع أن لهذا النوع من الأعمال الوثائقية دورا لا يُنكَر في تسليط الضوء على المناطق المظلمة من النفس، ليس فقط عند مرتكبي الجرائم، بل أيضا عند مرتكبيها غير المباشرين، أي أولئك الذين ربّوا مَن سيصيرون مجرمين سيكوباتيين معادين للمجتمع، مَن مهدوا لهم الطريق إلى الشرّ أو زرعوا في قلوبهم الأحقاد التي انفجرت تاليا في وجوه الأشخاص الخطأ. من شأن هذا النوع من الفهم عادة، أن يدفعنا إلى التأمل في معتقداتنا، وفي مسالكنا في الحياة اليومية، سواء حين يتعلق الأمر بتنشئة الصغار (بالنسبة إلى المجرم ثمة دائم طفولة مكسورة، كما تقول الطبيبة النفسية في إحدى الحلقات)، أو حين يتعلق بأدوارنا في استيعاب واقع بلداننا ومحاولة تحسينه، ما دام فهمنا أن الواقع المتردّي يغذي الجريمة، ويصنع من أبنائه وحوشا مسعورة، تفلت لزمن طويل من نظام العدالة، وتقترف خلال هذا الإفلات المزيد من الجرائم.