كان طريق البخور العابر للجانب الغربي من الجزيرة العربية، موضع اهتمام قديم من جانب الإغريق والرومان عبر تاريخهم الطويل، وقد خصّص الرحالة والمؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت (484- 425 ق.م) فصلا من كتابه الضخم "التاريخ" تحدث فيه عن حياة العرب الباذخة، والمحاصيل العطرية التي أطنب في تعداد أنواعها وتبيان طرق قطافها التي وصلت إلى حدود الخيال. وهذه البضائع كانت تستنزف ثروات الإغريق والرومان بسبب أثمانها الباهظة، حيث لم يكن ثمة إمكان للاستغناء عنها في طقوس معابدهم وأعيادهم الدينية، وحتى في الأدوية التي كان يصنعها حكماؤهم.
مع دخول روما عصرها الإمبراطوري، أصبحت السيطرة على طرق التجارة الدولية الشهيرة واحدة من أولوياتها العسكرية، بعدما كانت في عصرها الجمهوري تعتمد على الاتفاقات والوكلاء المحليين. ويبدو أن كتب المؤرخين والرحالة الرومان والإغريق أغرت أغسطس قيصر (63 ق.م- 14 م) بالسيطرة على طريق البخور، وصولا إلى مزارع الطيوب في جنوب الجزيرة العربية، فاستشار حليفه الملك النبطي عبادة الثالث (حكم من 30 إلى 9 ق.م) بالأمر، فرحب بالفكرة ووضع وزيره الداهية سُلَيّ تحت تصرف قائد الحملة أليوس غالوس الوالي الروماني على مصر آنذاك.
لا نعلم إن كان المؤرخ والجغرافي الروماني سترابون (63 ق.م - 24م) قد رافق حملة غالوس، كما يذهب بعض الدارسين، أم أنه سمع أخبارها من صديقه الوالي الروماني، ولكنه نقل تفاصيلها بدقة في كتابه الشهير "الجغرافيا"، ووقف على محطاتها وما اعترضها من صعوبات أدّت إلى فشلها. وكما هو متوقع منه، فقد عزا سبب هذا الفشل إلى خيانة الوزير النبطي سُلَيّ الذي أعدم في روما في العام السادس قبل الميلاد على يد أغسطس قيصر لسبب آخر غير فشل الحملة كما تدل نصوص المؤرخين. وعلى الرغم من ذلك، يصر سترابون على أن الإعدام كان بسبب خيانة سُليّ وتسببه بفشل حملة صديقه غالوس وهي، على ما يبدو، محاولة مستميتة لتبرئة صديقه من تهمة الفشل الذريع الذي أزهق أرواح آلاف الجنود الرومان وأضر بصورة الإمبراطورية في لحظة إعلانها لنفسها.