الانتخابات الرئاسية الإيرانية... خبراء يحذرون من تدني المشاركة

تواجه الفئات المؤثرة التي تستطيع حسم النتيجة الانتخابات أسوأ أزمة اقتصادية

رويترز
رويترز
إيرانية أمام صور للمرشح المحافظ سعيد جليلي في طهران في 4 يوليو

الانتخابات الرئاسية الإيرانية... خبراء يحذرون من تدني المشاركة

لندن– لاحق تدني نسبة المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية المسؤولين والباحثين في طهران الذين تحدثوا عن خلفيات الظاهرة وإمكان تكرارها في الجولة الثانية وما يمكن أن تحمله من انعكاسات على المشهدين السياسي والاجتماعي في البلاد.

وتناولت الصحف الإيرانية قضية تدني نسبة المشاركة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 28 يونيو/حزيران لاختيار خليفة إبراهيم رئيسي الذي قضى إثر تحطم مروحيته. وقالت "آرمان ملي" في تقرير بعنوان "ما أسباب تدني نسبة المشاركة في الانتخابات؟"، في 3 يوليو/تموز أن "عدم مشاركة 60 في المئة من الناخبين في الانتخابات الأخيرة (التي انتقلت إلى الجولة الثانية بين مرشح معسكر المتشددين سعيد جليلي والمرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان) أثار جدلا واسعا وردود فعل كثيرة بين السياسيين وخبراء الشؤون الاجتماعية والمراقبين الذين يحاولون قراءة أسباب هذا الإقبال الضعيف على الانتخابات".

وقال عالم الاجتماع سعيد معيد فر، في حوار مع "آرمان ملي"، إن السياسيين "لم يطلبوا استشارة من علماء الاجتماع عندما كان المجتمع الإيراني يعاني من المشاكل ليروا ما هي المشكلة وحلولها غير أنهم يطلبون استشارة علماء الاجتماع في الوقت الراهن الذي أصبحت المشاكل فيه مستعصية. لا يمكن حث المجتمع على المشاركة في المناسبات الحكومية بسهولة لأننا نواجه مجتمعا مر بتجارب كثيرة على مر التاريخ وبالتالي لا يمكن للسياسيين جعل المجتمع ينساق وراءهم ويشارك في الانتخابات. هذا التوقع ليس في محله".

وأضاف معيد فر: "يتوقع السياسيون زيادة نسبة المشاركة في الجولة الثانية في الانتخابات (يوم 5 يوليو). أعتقد أنه لا يمكن أن نتوقع مشاركة الجيل الشاب والنساء بنسبة عالية في الانتخابات غير أن نسبة الإقبال يمكن أن تزداد بين الفئة المسنة أو الفئات المهمشة. المشكلة هنا أن الحرص على متابعة مطالبات هذه الفئات هي المفتاح لاستقطابهم".

ورأى معيد فر أنه "لا يمكن استقطاب الفئات الاجتماعية المؤثرة في هذه الفترة القصيرة... ولا يمكن فعل الكثير لاستعادة ثقة الشعب في الظروف الراهنة. وأعتقد أن السلطة الحاكمة تعودت على هذه النسبة أي على الحد الأدنى من المشاركة في الانتخابات لكنها بالطبع ترغب في سخونة الأجواء الانتخابية من أجل تقديم صورة انتخابية مليئة بالنشاط للعالم".

وقال الخبير الاجتماعي الإيراني: "لا يمكن حث الناخبين على الاقتراع من خلال أساليب على غرار بث الرعب والقلق بينهم من أن الأوضاع ستسوء كثيرا في حال عدم المشاركة. هذه سياسة غير سليمة لأن الشعب يعتقد أنه غير قادر على إحداث التغيير ويتساءل ماذا إن حدث تزوير في نتائج الانتخابات؟ وهل ينجح المرشح المدعوم من الإصلاحيين في أداء واجبه دون عراقيل في حال فوزه في الانتخابات؟".

أ ف ب
إيرانيات أثناء تجمع انتخابي مؤيد للمرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في طهران في 3 يوليو

وتابع معيد فر: "تواجه الفئات المؤثرة التي تستطيع حسم نتيجة الانتخابات وإحداث تحول وتغيير من خلال الإدلاء بأصواتها أسوأ أزمة اقتصادية، كما أنها تعرضت ولا تزال تتعرض لضغوط هائلة خلال الاحتجاجات في 2017 و2019 و2022، وبالتالي فإن المجتمع الإيراني يشعر بأنه فقد قدرته على التأثير من خلال الانتخابات وفي الساحات على حد سواء".

لا يمكن توقع أن يشارك الجيل الشاب والنساء بنسبة عالية في الانتخابات غير أن نسبة الإقبال يمكن أن تزداد بين الفئة المسنة أو الفئات المهمشة

وقال: "كانت الفئات المؤثرة والكتلة التي قد يحسم تصويتها نتيجة الانتخابات تشارك في الانتخابات من أجل إبعاد المتشددين عن كراسي البرلمان والرئاسة، غير أن نتائج الانتخابات جاءت دائما مغايرة لأصوات المطالبين بالتغيير الذين كان لهم حضور واسع وفاعل في الانتخابات سابقا".
وكتب رحمن زين الدين تقريرا بعنوان "المتشددون يخشون فشلا كبيرا" في صحيفة "مردم سالاري" في الأول من يوليو جاء فيه: "كانت نسبة المشاركة في الساعات الأولى من الجولة الأولى في الانتخابات متدنية للغاية وبدت مراكز الاقتراع فارغة، ما بعث برسائل مثيرة للقلق للمجتمع مفادها أن سعيد جليلي سيكون الفائز وأن قاليباف وبزشكيان غير قادرين على منافسته في الجولة الثانية وبالتالي شهدنا ارتفاعا كبيرا في المشاركة في الساعات المسائية في مراكز الاقتراع من أجل التصويت لبزشكيان".
واعتبر التقرير أن "نتائج الجولة الأولى من الانتخابات حملت رسائل جديرة بالتأمل وهي عدم سماع صوت الشعب. لقد امتنع 60 في المئة من الناخبين عن التصويت معربين بذلك عن احتجاجهم على النظام السياسي. ويعتبر 80 في المئة من الناخبين أن المعسكر المحافظ والمتشدد لا يتمتع بالكفاءة لإدارة البلاد وهذا أمر جدير بالتأمل وهذا يعني أن جزءا كبيرا من الناخبين الذين صوتوا للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في انتخابات 2021 لم يصوتوا للمعسكر المتشدد في انتخابات 2024".
وتابعت "مردم سالاري": "لقد بدأ تدني نسبة التصويت بعد الانتخابات الرئاسية في 2009 ولأسباب عديدة أهمها الإصرار على عدم سماع صوت المحتجين والفئات المستاءة خاصة بعد (الاحتجاجات التي بدأت في سبتمبر/أيلول 2022 بعد مقتل مهسا أميني) والتي شارك فيها عدد كبير من الجيل Z".
وأضاف التقرير: "اعتمد المعسكر المحافظ والمتشدد حلولا على غرار الكذب والاتهامات الكاذبة والافتراء ضد منافسيهم في حين أنهم يتمتعون بكافة الإمكانيات الحكومية للترويج والدعاية لسعيد جليلي لأنهم يشعرون بالقلق والخوف. ويستغل المعسكر المتشدد كل الإمكانيات الحكومية على غرار توزيع المواد الغذائية والدجاج واللحوم في المناطق الفقيرة لشراء أصوات الناخبين في تلك المناطق لصالح جليلي. لا يمتنع المعسكر المحافظ المتشدد عن إنتاج المحتوى المسيء والمليء بالعبارات الركيكة والنابية ضد المرشح المنافس وقلب الحقائق وبالتالي فهم يحاولون الهروب إلى الأمام لعدم إظهار حقيقة نواياهم وأفكارهم للعلن".
وتابعت "مردم سالاري": "بالطبع لا يعلم المعسكر المحافظ والمتشدد أنه غير قادر على التأثير على تفكير الشعب بفضل الشبكات الاجتماعية لأن مطالب الجيل الجديد مختلفة تماما عن مطالب آبائهم. يجب سماع أصوات الجيل (Z) والتأكيد على تنفيذها في حال التصويت لصالح بزشكيان. إذا لم نتمكن من إقناع الجيل الشاب بالمشاركة في الانتخابات والتصويت لصالح بزشكيان فإن الظروف الراهنة للبلاد ستصبح أكثر كارثية مما هي عليه".

ورأى الخبير في الشؤون الاقتصادية والأستاذ في جامعة الزهراء، حسين راغفر، في حوار مع موقع "فرارو" الإخباري أن "البلاد تتجه نحو تنفيذ مطالب الشعب في حال فوز بزشكيان في الانتخابات". 
وتابع أن بزشكيان "لم يكن خيار السلطة الحاكمة بل جرى تأييده في خوض المعركة الانتخابية الراهنة بسبب المطالبات والاحتجاجات الشعبية خلال العامين الأخيرين ولذا ينبغي القول إن حضور بزشكيان في هذه الانتخابات هو انتصار للشعب في تحقيق مطالبه". 

وأضاف: "ترى فئة أخرى أن السلطة الحاكمة قامت بتأييد بزشكيان من أجل التقليل من الضغوط الاجتماعية. لكنني أرى أن بزشكيان نجح في البقاء في هذا السباق بسبب المطالبات والاحتجاجات الشعبية وبالتالي ينبغي على الجماهير التي تشعر بالاستياء من الأوضاع الراهنة الذهاب إلى صناديق الاقتراع لاستكمال انتصارها واستخدام هذه الورقة".

بزشكيان لم يكن خيار السلطة الحاكمة بل جرى تأييده في خوض المعركة الانتخابية الراهنة بسبب المطالبات والاحتجاجات الشعبية خلال العامين الأخيرين ولذا ينبغي القول إن حضوره في هذه الانتخابات هو انتصار للشعب في تحقيق مطالبه

الخبير في الشؤون الاقتصادية والأستاذ في جامعة الزهراء، حسين راغفر

وتابع الأستاذ الجامعي الإيراني: "أداؤنا ضعيف للغاية على صعيد التعاون الدولي الاقتصادي وأهدرنا الكثير من الفرص. حجم الإنتاج ضعيف للغاية ونوعية منتجاتنا متدنية لا نجد لها أسواقا حتى بين دول المنطقة. إن زيادة حجم المبادلات الاقتصادية بين إيران وروسيا في فترات ما أمر مرحلي ومؤقت ولا يمكن البناء عليه لدعم الاقتصاد". ويعتقد راغفر أن "الفريق الاقتصادي للمرشحين مهم للغاية. من الواضح أن السيد جليلي هو السبب في العقوبات الاقتصادية على البلاد في حين أن السيد بزشكيان لم يكن له أي دور في مسألة العقوبات الدولية... نواجه حاليا مرشحين بنظرتين متباينتين: الانفتاح مع بزشكيان والانغلاق مع جليلي".

أ ف ب
ملصق انتخابي للمرشح المحافظ سعيد جليلي في طهران في 4 يوليو

من جهته رأى علي باقري الناشط الإصلاحي والمدير العام للشؤون السياسية في وزارة الداخلية في فترة رئاسة محمد خاتمي، في حوار مع موقع "فرارو"، في 24 يونيو/حزيران أن "الإصلاحيين لا يتبنون سياسة نزع الشرعية عن السلطة الحاكمة لأنها سياسة بدون جدوى. إن السلطة التي فقدت معظم قاعدتها الشعبية تسعى للتعويض عن هذا النقص من خلال ممارسة البطش والانغلاق السياسي والاجتماعي. ترى فئة في المجتمع أن انخفاض نسبة التصويت في الانتخابات لن يؤدي إلى تغيير في السياسات. أعتقد أن خلق ظروف الحوار والمصالحة والتحالفات الكبيرة سيؤدي إلى تمهيد الظروف من أجل تغيير السياسات غير السليمة. إذا شاركت الفئات المنتقدة للسلطة الحاكمة في أركان السلطة وإطار النظام السياسي وصنع السياسات سيؤدي ذلك إلى مقاربات لصالح المجتمع... أعتقد أن حضور بزشكيان في الانتخابات نقطة انطلاق لمرحلة الانفتاح التي تقوم على أساس ممارسة السياسة الإصلاحية لأن مقاطعة الانتخابات التي شهدناها في الانتخابات السابقة لم تؤد إلى تحسين الأوضاع والانفتاح السياسي".
اما إحسان هوشمند الباحث السياسي فكتب في مقال بعنوان "لماذا امتنع أكثر من 60 في المئة من الناخبين عن التصويت؟"، في صحيفة "هم ميهن" في عددها الصادر يوم 2 يوليو: "لقد سجل تدني نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية رقما قياسيا. لقد تصور الإصلاحيون أنهم سيتمكنون من زيادة نسبة التصويت من خلال دعمهم لبزشكيان. فيما كانت نتائج استطلاعات الرأي تشير إلى أن نسبة التصويت ستتراوح بين 42 و56 في المئة فإن نتيجة الانتخابات كشفت أن هذه الاستطلاعات لا تتطابق مع الواقع... قال التيار الإصلاحي قبل الانتخابات إن هذه الانتخابات ستتمتع بالمنافسة ومرشح مختلف عن غيره بدعم من كبار شخصيات التيار الإصلاحي".

قال التيار الإصلاحي قبل الانتخابات إن هذه الأخيرة ستتميز بالمنافسة وبمرشح مختلف عن غيره بدعم من كبار شخصيات التيار الإصلاحي

وأضاف: "لا تعتبر الانتخابات تنافسية بسبب حضور مرشح إصلاحي واحد. شهد المشهد السياسي في البلاد خلال العقد الماضي تحولات كثيرة... غياب مرشح من قيادات التيار الإصلاحي يتمتع بكاريزما لاستقطاب الفئات الصامتة أحد أسباب انخفاض المشاركة. ولكن هذا ليس السبب الوحيد لعدم الإقبال في الانتخابات. لقد واجه المجتمع الإيراني خلال العقد الماضي أحداثا اجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة. وقد أدى استمرار التضخم البالغ 40 في المئة لسنوات عديدة إلى انخفاض القوة الشرائية لفئات واسعة في المجتمع الذي عاش ظروفا قاسية خلال الأعوام الماضية. أثرت هذه العوامل سلبا على العلاقات الأسرية والثبات في العائلة والصحة النفسية للمواطنين... كان لارتفاع نسبة التوتر في العائلات وارتفاع نسبة الطلاق والأمراض الاجتماعية وانخفاض نسبة المواليد وزيادة الشعور بالفشل دور كبير في استمرار الوضع الراهن. لقد أدت موجات الاحتجاجات الاجتماعية ومقتل الكثير من المواطنين إلى عواقب وخيمة على الصحة النفسية للمجتمع الذي أصبح يعاني من استقطاب حاد. أدى الهروب من المسؤولية من قبل السلطة الحاكمة عن أسباب انطلاق الاحتجاجات والإصرار عن استمرار بعض برامجها على غرار زيادة الضغوط على النساء بشأن فرض الحجاب وتقييد الوصول للشبكات الاجتماعية من خلال حجبها إلى آثار نفسية واجتماعية... هذه كلها ضغوط هائلة تضاف إلى موجات التضخم والغلاء والبطالة المتفشية بين الشباب خاصة المتخرجين من الجامعات وموجة هجرة العقول والكفاءات والمستثمرين وممارسة الضغوط على المشاهير والفنانين والرياضيين وتسريح أساتذة الجامعات والطلبة واعتقال الكثير منهم. تشكل هذه العوامل مصدر استياء كبير بين فئات واسعة". 
وتابع: "يجب أن نذكر الفساد المتفشي بين الأجهزة الحاكمة والسياسة الخارجية غير السليمة.. وبالتالي لا يمكن التغلب على هذا الحجم من الاستياء والغضب الشعبي من خلال حضور مرشح إصلاحي واحد في الانتخابات".

font change

مقالات ذات صلة