بعد تسعة أشهر من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، ومعاناة أكثر من مليونين و300 ألف غزّي بسبب النزوح أو القتل أو الإصابة، ما زالت الحكومة الإسرائيلية لا تمتلك خطة لليوم التالي للحرب على القطاع، فيما تحاول الولايات المتحدة الأميركية وضع خطة أو فرضها على إسرائيل كبداية لتحديد ملامح الحالة التي سيكون عليها، فيما لم يبادر أحد بسؤال الغزيين عن رأيهم أو رؤيتهم لليوم التالي من الحرب التي اقتلعت ملامح المدن والشوارع والأحياء والمخيمات.
تحدثت "المجلة" مع عدد من الغزيين، بعضهم لا يزال في شمال قطاع غزة المعزول عن وسطه وجنوبه، فيما يوجد آخرون في المناطق الجنوبية للقطاع. سيطرت الحيرة وعدم التخطيط أو التفكير في رؤيتهم لليوم التالي للحرب على معظم من تحدثنا معهم، وذلك نابع من الضغط النفسي وحالة الفوضى وانشغالهم في قضاء حوائجهم اليومية من توفير الطعام والشراب والتنقل من مكان إلى آخر بسبب استمرار القصف وعمليات القتل الإسرائيلية.
حالة من اليأس تسيطر على غالبية الغزيين النازحين من منازلهم، التشاؤم سيد الموقف، والهمّ الأبرز والأهم بالنسبة لهم "كيف نحمي أنفسنا ومن نحب من أفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء حتى إعلان وقف الحرب؟"، هكذا يقول الشاب إيهاب المغربي النازح من أقصى شمال قطاع غزة إلى وسط القطاع.
في السابق، أي ما قبل الحرب، كان المغربي (25 عاما) يعمل في مجال المونتاج الصحافي مع مؤسسات إعلامية عربية، ومع بدء الحرب على غزة وبسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت واضطراره إلى النزوح وعائلته من منزلهم القريب من الحدود الشمالية إلى منزل شقيقته، اضطر إلى التوقف عن العمل عدة أشهر، يقول: "أنا كنت سهران مع أصدقائي، روحت البيت ونمت، صحيت لقيت الدنيا حرب وكل إشي في حياتي انقلب بدون أي تخطيط أو خطة لحماية أنفسنا على الأقل".
عاش المغربي حياة النزوح خلال الأشهر الثمانية للحرب، مُتنقلا من مدينة إلى أخرى، تارة يقيم في منزل لأقارب وتارة أخرى يضطر إلى المكوث في خيمة، لكن الأهم بالنسبة له أن أيامه تحولت إلى قضائها في توفير الاحتياجات الأساسية أو البحث عن مكان لقضاء الحاجة الطبيعية... "صرنا مش عارفين نوفر الأكل والشرب، ولا عارفين وين بدنا نقضي حاجتنا، مرة في منزل لغرباء، ومرة في مسجد أو مكان عام، وبعدين صار في دورة مياه بين الخيام"، يقول موضحا إنّ أسلوب حياة النزوح الذي فرضه عليهم الجيش الإسرائيلي، أجبره والآخرين على التفكير في قضايا ثانوية يومية، ولم يعد هناك وقت للتفكير أو التخطيط لما بعد الحرب.