لا يخرج دور حاملة صفة "السيّدة الأولى"، أو "حرم الرئيس"، عادة عن المهام الناعمة التي عادة ما تكون مكمّلة وداعمة لشخصية الرئيس أو الزعيم، كما هي حال سوزان مبارك في مصر وليلى بن علي في تونس، فالأولى بقي نشاطها محددا في الجوانب الاجتماعية كأن تظهر صورتها على الغلف الأخيرة لسلسة كتب "مكتبة الأسرة" باعتبارها راعية لها، فيما كانت سيّدة تونس الأولى تترأس وتدعم جمعيات خيرية مع وجود أقاويل عن دور سياسي لها. ومع أننا لا نعرف الكثير من زوجات الرؤساء والمسؤولين العرب بسبب الطابع الاجتماعي العربي المحافظ، إلا أن بعضهن كانت لهن أدوار شهيرة مثل جيهان السادات في مصر ووسيلة بورقيبة في تونس. عن هذه الأخيرة جاءت رواية "تراب سخون" التي صدرت أخيرا عن "دار مسكلياني" في تونس للروائية أميرة غنيم، والتي تجمع فيها الكاتبة بين التاريخي والمتخيّل.
تفترض شخصية الساردة جيهان، التي تعمل محرّرة أدبية لدار نشر محلّية، أنها عثرت على "فلاش ديسك" سقط من أحدهم أثناء عراك مع الشرطة، فتكتشف أنه يحتوي على ملفات عن شخصيات مهمة تعهد بها الى روائية مغمورة لتعيد صياغتها، أو كتابتها. ومن خلال الرسائل والمحادثات "الفيسبوكية" والتسجيلات الصوتية الموجودة في هذه الملفات نتعرّف الى حياة وسيلة بن عمّار، عشيقة بورقيبة ورفيقته في النضال نحو الاستقلال ثم زوجته الثانية، بعد انفصالها عن زوجها الأوّل، وترك بورقيبة لزوجته الفرنسية ماتيلد عام 1961، ثم طليقته بعد عام 1986.
في الرواية يظهر بورقيبة، من خلال تسجيلات صوتية لوسيلة، عاشقا يتتبع خطى حبيبته، يراقبها ويتلهف للقائها سرّا وعلانية ويسعى إلى انفصالها عن زوجها الأول، بل لا يتردد في إعلان حبّه أمام هذا الزوج من أجل أن يتنازل له عنها، باعتبار أن عمله هذا سيكون خدمة مشرّفة للجمهورية ممثلة بزعيمها المجاهد الأكبر. في تصرّفاته بشأن الحب، يمارس المراوغة كأيّ عاشق، يكذب ويلعب بالمشاعر ويغار ويندم ويغدر، بل ويصفع زوجته في نوبة غضب ويمزّق خصلة من شعرها وهو "الذي رفع المرأة التونسية إلى مقام لم تبلغه امرأة عربية قبلها"، لكنّه لا يهادن في شؤون الدولة "لن يسمح رئيس الدولة بالفساد ما دام به عرق ينبض". فهو كان يتصوّر أن السياسيين وأهلهم سرّاق "في هذه الربوع السعيدة حتى يُثبتوا العكس"، وإن أثبتوا العكس وبرهنوا "على نظافة أيديهم فهذا يعني أنهم ليسوا سرّاقا فحسب بل سرّاق ونافذون أيضا".