لا يزال الوقت مبكرا على التفكير في مرحلة "ما بعد التجريد" بعدما تخلى الرسامون عن شكل العالم الخارجي. ذلك الظن لم يكن في محله. أكثر من مئة سنة مرت على ظهور أول لوحة، تخلى رسامها بشكل كامل عن رسم الطبيعة والإنسان والحياة الجامدة.
كل ما نعرفه عن ماليفيتش وكاندينسكي وموندريان صار جزءا من تاريخ الفن، فيما أعمالهم الفنية ذهبت إلى المتاحف. غير أن ذلك لا يعني أن التجريدية قد انضمت إلى المدارس الفنية التي ظهرت في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين بشكل عاصف، غير أن تأثيرها سرعان ما خفت على الرغم من أن أفرادها لم يفقدوا مكانتهم الفنية بعدما كُرّسوا باعتبارهم رموزا للتمرد الفني كما أن نتاجهم لا يزال ينطوي على سحر خاص، مثل التكعيبي جورج براك والسورياليين سلفادور دالي ورينه ماغريت. بقيت الرموز في حين اختفت الظاهرة الفنية. تلك هي حال التكعيبية والسوريالية، وقبلهما الواقعية والانطباعية ومدارس وأساليب فنية كثيرة. غير أن التجريدية التي توقع بعض النقاد حين ظهورها أنها لن تدوم طويلا، قاومت الزمن من خلال تنوع مرجعيات فنانيها ومصادرهم، حتى صرنا في مواجهة تجريديات وليس تجريدية واحدة. لقد توزعت التجريدية بين ممارسات وميول مختلفة، فظهرت تجريدية غنائية وتعبيرية وأخرى هندسية وتقليلية وحركية وشعرية. وكل اتجاه يضم حشدا من الفنانين الموزعين في أنحاء العالم.