"أرامكو" تنمو وتتوسع بمعايير عالمية في الانتاج والبيئة

اكتشافات غاز واعدة سبقها نجاح طرح الأسهم... و124 مليار دولار توقعات أرباح 2024

"أرامكو"
"أرامكو"
حقل غاز الجافورة، "أرامكو".

"أرامكو" تنمو وتتوسع بمعايير عالمية في الانتاج والبيئة

تعتبر شركة "أرامكو" أيقونة العمل الاقتصادي، ليس في السعودية فحسب، بل في الشرق الأوسط، وهي إحدى أكبر ست شركات في العالم. حملت الأيام الماضية، دفعة جديدة من الأنباء الواعدة للشركة تمثلت في اكتشافات وخطط أعمال ترسخ ريادتها كشركة نفطية دولية صلبة. فمن اكتشاف حقلين للزيت غير التقليدي ومكمن للزيت العربي الخفيف في المنطقة الشرقية والربع الخالي، تنتج مجتمعة 11,437 برميلا من الزيت العربي الخفيف مصحوبة بـ9,4 ملايين قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميا، الى اكتشاف حقلين للغاز الطبيعي ومكمنين للغاز يقدر انتاجهما الإجمالي بـ19,5 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم.

سبق ذلك، ترسية عقود المرحلة الثانية من مشروع حقل الجافورة، وعقود المرحلة الثالثة من توسعة شبكة الغاز الرئيسية في المملكة. وأشار وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان الى أن إنتاج المملكة من الغاز سينمو بنسبة 63 في المئة في عام 2030 وسيصل إلى 21,3 مليار قدم مكعب، في حين يبلغ في الوقت الحاضر 13,5 قدم مكعب.

شبكة الغاز: توسع واستثمارات

أما شبكة الغاز فقد بلغ امتدادها 4 آلاف كيلومتر. وأوضح أن هذه التوسعات، ستساهم بنحو 20 مليار دولار في الناتج المحلي السعودي. ولم يفت وزير الطاقة التأكيد أن السعودية تظل من الدول المهتمة بالحفاظ على سلامة البيئة وبموجب المقاييس المعتمدة عالميا، فهي أقل الدول المنتجة للنفط انبعاثاً للكربون، مقارنة بأكبر دول العالم.

إنتاج المملكة من الغاز سينمو بنسبة 63% في عام 2030 وسيصل إلى 21,3 مليار قدم مكعب. شبكة الغاز بلغ امتدادها 4 آلاف كيلومتر، وستساهم هذه التوسعات بنحو 20 مليار دولار في الناتج المحلي السعودي

وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان

تبلغ قيمة عقود المرحلة الثانية من مشروع حقل الجافورة والمرحلة الثالثة من توسيع شبكة الغاز 25 مليار دولار. وأكد الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" أمين الناصر، أن منظومة الغاز تمثل أهمية لكل القطاعات الاقتصادية وهي ستؤدي إلى تطورات اقتصادية مستحقة خلال العقود المقبلة.

أسهم "أرامكو" في الأسواق

"أرامكو" هي المسؤولة عن إنتاج النفط وصناعته في المملكة العربية السعودية، المصدر الأساس للدخل في البلاد. منذ تأسيسها بموجب اتفاق الامتياز بين السعودية وشركة "ستاندر أويل أوف كاليفورنيا" (SOCAL) في 29 مايو/ايار 1933، وهي تعمل على تطوير أعمالها وأنشطتها، موظفة التقنيات الحديثة والآليات الإدارية العصرية. تعد "أرامكو" الآن من أكبر الشركات في العالم وقدرت قيمتها السوقية في يونيو/حزيران 2024 بنحو 1,807 تريليون دولار، وجاء ترتيبها السادس من حيث القيمة بين الشركات الكبرى المدرجة.

وقد تأرجحت قيمتها السوقية منذ عام 2019 عندما أدرجت في الأسواق المالية بشكل متفاوت، بين الصعود والهبوط، بناء على أوضاع السوق المالي. تمتلك الحكومة السعودية 82 في المئة من حقوق المساهمين، في حين يمتلك الصندوق السيادي السعودي (Public Investment Fund) 16 في المئة. وتمكنت الشركة خلال مدة عام واحد من جمع مبالغ مهمة.

قدرات إنتاجية مستدامة

وطرحت أسهم جديدة خلال الشهور المنصرمة بلغت قيمتها 12 مليار دولار، وتلقت الشركة طلبات على هذه الأسهم المطروحة بقيمة إجمالية تربو على 65 مليار دولار، بحسب وكالة "بلومبرغ"، من المملكة المتحدة وهونغ كونغ واليابان. يدل ذلك على ثقة المستثمرين الأجانب بقوة أداء شركة "أرامكو" والتفاؤل بمستقبل الاقتصاد السعودي.

طرحت أسهم جديدة خلال الشهور المنصرمة بلغت قيمتها 12 مليار دولار، وتلقت الشركة طلبات على هذه الأسهم بقيمة إجمالية تربو على 65 مليار دولار

وكالة "بلومبرغ"

تملك "أرامكو" طاقة إنتاجية مستدامة تصل إلى 12 مليون برميل يومياً. وهي تعمل على تطوير القدرات الإنتاجية لتصل إلى 13 مليون برميل يومياً. لا شك أن هذا المستوى من الإنتاجية مكن السعودية من لعب الدور القيادي في سوق النفط والتأثير على سياسات "أوبك" ثم مجموعة "أوبك+" التي تشمل الدول المنتجة من خارج "أوبك" مثل المكسيك وروسيا. وقد عمدت هذه المجموعة إلى خفض الإنتاج بالتوافق ثم طوعياً من أجل تثبيت أسعار النفط حول مستويات مقبولة تعزز قدرات هذه الدول على مواجهة استحقاقات الإنفاق الحكومي. هذا الدور ليس جديداً، وقد لعبت السعودية دوراً محورياً في تطوير اقتصاديات النفط ومواجهة الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية منذ ستينات القرن الماضي وبعد تأسيس منظمة "أوبك".

برزت في السعودية قيادات سواء على مستوى الوزراء أو الرؤساء التنفيذيين ومساعديهم في شركة "أرامكو". يمكن أن نذكر أن العديد من هؤلاء المسؤولين لعبوا دوراً محورياً في بناء سياسات وتصميم خطط لعمل الشركة في مختلف الأنشطة سواء إنتاج النفط الخام أو تطوير المصافي أو بناء الصناعات التحويلية المعتمدة على النفط.  

تحديات متجددة

التحديات التي تواجه شركة "أرامكو" العاملة في قطاع النفط كبيرة ومهمة إذا أخذنا في الاعتبار التحولات المهمة في اقتصاديات الطاقة والتوجهات السياسية في الدول المستهلكة الرئيسة والساعية للحد من الانبعاثات الكربونية وزيادة الاعتماد على الطاقات البديلة غير الهيدروكربونية. يضاف إلى ذلك أن اتساع رقعة الإنتاج النفطي في دول تقليدية مثل الولايات المتحدة أو روسيا أو دول جديدة في الإنتاج النفطي، تفرض مقاربات مختلفة من الدول العربية المنتجة للنفط وفي مقدمها السعودية. تمكنت الولايات المتحدة من رفع إنتاجها بعد التوسع في إنتاج النفط الصخري إلى نحو 13,3 مليون برميل في اليوم. البرازيل، الجديدة في اقتصاديات النفط، تمكنت من بلوغ إنتاج يصل إلى 3,3 مليون برميل يومياً.

ترى وكالة الطاقة الدولية أن هناك متسعاً من الوقت لكي يبلغ استهلاك النفط ذروته وأن ذلك قد يحصل في عام 2029. عندئذ، يمكن أن يتراجع الطلب ومن ثم تتراجع الأسعار. إلا أن "أوبك" ترى أن ذلك الاستحقاق لا يزال أبعد من توقعات وكالة الطاقة الدولية. ربما تكون ملاحظات "أوبك" مقنعة حيث أن الدول المستهلكة لا تزال تعاني من صراعات في شأن سياسات حماية البيئة، كما أن صعود الأحزاب اليمينية في أوروبا، المعروف عنها معاداة السياسات الهادفة للحد من الانبعاثات الكربونية وتقييد الأنشطة الصناعية والزراعية، يعزز هذا التوجهات التي قد لا تكون ملائمة لرفع مساهمة الطاقات البديلة على الأمد القصير والمتوسط.

بلغ صافي الدخل لـ"أرامكو" في نهاية الربع الأول من السنة 27,3 مليار دولار. ويتوقع أن تبلغ أرباحها 124,3 مليار دولار في نهاية السنة الجارية، ووظفت 7,5 مليارات دولار في أنشطة تكنولوجية متنوعة ومنها الذكاء الاصطناعي

تنويع القاعدة

لكن "أرامكو" تسعى للعب دور محوري في تنويع القاعدة الاقتصادية في البلاد. وهي تعمل لأن تكون من أهم منتجي البتروكيميائيات إلى جانب النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة والغاز.

وبعدما أصبحت الشركة مدرجة في الأسواق المالية، فإن إدارتها لا تملك سوى العمل الدؤوب من أجل تحقيق أفضل العوائد للمساهمين. على الرغم من أن نتائج "أرامكو" للربع الأول من عام 2024 كانت أقل من نتائج الربع الأول لعام 2023، إلا أن الشركة لا تزال على مسار متنام. بلغ صافي الدخل في نهاية الربع الأول من السنة الجارية 27,3 مليار دولار مقارنة بـ31.9 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام المنصرم. وتتوقع الشركة أن تبلغ الأرباح في نهاية هذا العام 124,3 مليار دولار.

واس
جانب من احتفالية تسليم جنرال إلكتريك ڤيرنوڤا أول توربين غاز ينتج محلياً في السعودية

لا شك أن تراجع أسعار النفط خلال الشهور المنصرمة أثر على إيرادات الشركة. لكن الشركة مستمرة في العمل على تحقيق نتائج من أنشطتها الأخرى وهي عملت على توظيف 7,5 مليارات دولار في أنشطة تكنولوجية متنوعة ومنها الذكاء الاصطناعي والأنشطة المستدامة. وأكد الرئيس التنفيذي أمين الناصر أن برامج الاستثمار وتنويع قاعدة الأعمال والمساهمة في التحولات الطاقوية الهادفة لحماية البيئة سوف تمكن من تحقيق أهداف الشركة ومساهميها.

رحلة الشفافية والطرح في الأسواق المالية

بدأت رحلة "أرامكو" مع الأسواق المالية منذ عام 2016 عندما أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نية الحكومة السعودية إدراج 5 في المئة من أسهم الشركة في الأسواق المالية. عندئذ تم تقييم الشركة بتريليوني دولار. وعندما تم الطرح الأولي للشركة (IPO) في عام 2019 جمعت 25,6 مليار دولار من خلال بيع 3 مليارات سهم من أسهم الشركة. مثل ذلك 1,5 في المئة من قيمة الشركة.

إقرأ أيضا: "أرامكو السعودية" أربع سنوات من الثبات

بعد زيادة عدد الأسهم المطروحة للإدراج والمقدرة بـ 450 مليون سهم، تمكنت الشركة من رفع نتائج الإصدار الأولي إلى 29,4 مليار دولار مما أدى إلى تقييم الشركة بـ1,87 تريليون دولار، وذلك يقل عن القيمة المستهدفة، أي تريليونا دولار.

أصبحت البيانات المالية للشركة متاحة ومتوفرة للمساهمين، ولا بد للشفافية أن تعزز الاهتمام بالاستثمار في "أرامكو" وأن تدفع إلى المزيد من تخصيص الأسهم وخفض ملكية الحكومة

ومنذ ذلك الطرح أصبحت البيانات المالية للشركة متاحة ومتوفرة للمساهمين ولكل من يريد الاطلاع على أعمالها ونتائجها. يأتي ذلك عن قناعة واعية لدى السلطات السعودية بأهمية الشفافية، خصوصاً لأهم مؤسسة اقتصادية في البلاد. إذ لا بد للشفافية أن تعزز الاهتمام بالاستثمار في "أرامكو" وأن تدفع إلى المزيد من تخصيص الأسهم وخفض ملكية الحكومة السعودية. قد يؤدي اهتمام  المستثمرين الأجانب في الطرح الأخير إلى صياغة آليات لطرح المزيد من أسهم "أرامكو" في المستقبل ويعزز موارد البلاد ويمكن من تحقيق "رؤية 2030" ويوفر الأموال للاستثمار في قطاعات حيوية أخرى.

يعضد اهتمام المستثمرين لاقتناء أسهم "أرامكو" عمل الشركة على توسيع نطاق أعمالها الداخلية والخارجية. فقد أنجزت الشركة اتفاقاً مع شركة "سيمبرا" الأميركية لتوريد خمسة ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال لمدة عشرين سنة، وذلك ضمن مشروع توسعة "بورت آرثر" العامل في نشاط الغاز المسال، في ولاية تكساس الأميركية. هناك أيضا اتفاق جرى توقيعه مــع شركة "نكست ديكيد" الأميركية لتوريد 1,2 مليون طن سنوياً لمدة عشرين عاماً. تؤكد هذه التفاهمات قناعة الشركة بضرورة تطوير دورها في أسواق الطاقة في مختلف الدول.

إقرأ أيضا: "اللاءات الأربع" للدول المنتجة للغاز

بطبيعة الحال، يبقى الهدف الرئيس لطرح الأسهم توسيع قاعدة المساهمين، وإن كان ذلك يتطلب طرح المزيد من الأسهم وتحفيز العديد من الشركات الاستثمارية وصناديق الاستثمار لتوظيف أموالها في أسهم حقوق الملكية لشركة "أرامكو".

هل سيؤدي طرح وتداول أسهم شركة "أرامكو، إلى تشجيع الشركات النفطية والخليجية الأخرى للاستفادة من تجربتها وفتح المجال أمام المستثمرين المحليين والأجانب لتملك الأسهم في تلك الشركات؟

كان الطرح العام الثانوي الأخير في الخامس من يونيو/حزيران، بلغ 1,545 مليار سهم خصص 90 في المئة منه للمؤسسات و10 في المئة للأفراد. وتعتبر "أرامكو" محفزاً أساسياً للحياة الاقتصادية في المملكة والمنطقة، ومن أهم الشركات التي يتم الآن تداول أسهمها في الأسواق المالية، ويفترض أن تتشجع الشركات النفطية والخليجية الأخرى للاستفادة من تجربتها وفتح المجال أمام المستثمرين المحليين والأجانب لتملك الأسهم في تلك الشركات؟

لا شك أن تجربة تملك الحكومات للقطاع النفطي وشركاته الرئيسة، خصوصاً العاملة في نشاط النفط الخام أو التكرير، تستحق المراجعة المنهجية وتحويل هذه المؤسسات النفطية إلى شركات مدرجة في الأسواق يتم تقييم أدائها بشفافية وتنشر بياناتها بشكل مفصل للمساهمين وغيرهم ومؤسسات التصنيف  الائتماني بما يعزز  مكانتها الاقتصادية ويحفزها للولوج في أنشطة مساندة وتنويع قاعدتها الاقتصادية، وهذا ما تأمل "أرامكو" تحقيقه خلال السنوات المقبلة.

المهارات البشرية

من البديهي أن توسيع قاعدة مساهمي "أرامكو"  يمثل تجربة تستحق التمعن والمتابعة. لكن ما يحقق النجاح لهذه التجربة هو قدرة الإدارة على اقتناص فرص للاستثمار  في الأعمال النفطية وملحقاتها وكذلك الأنشطة الأخرى ذات الصلة باقتصاديات الطاقة والتكنولوجيا الحديثة.

التنمية المهنية للعاملين في الشركة سيعزز الثقة الوطنية وثقة المستثمرين الأجانب والمحليين بالدور الحيوي الذي تلعبه في عملية الانتقال إلى اقتصاديات المعرفة في السعودية

 كما أن تطور الاهتمام بالتنمية المهنية للعاملين في الشركة يعزز الثقة الوطنية وثقة المستثمرين الأجانب والمحليين بالدور الحيوي الذي تلعبه الشركة في عملية الانتقال إلى اقتصاديات المعرفة في السعودية. لا بد من تحفيز المستثمرين الخليجيين والصناديق السيادية في دول المنطقة للاكتتاب في الإصدارات الجديدة التي قد يتم طرحها من "أرامكو"، لما يمثله تملك الأسهم في الشركة من جدوى استثمارية وإمكانات لتحقيق العائد المناسب، حيث تمثل الشركة درجة عالية من جودة الاستثمار ومستوى متدنيا من الأخطار.

وسبق للصناديق الاستثمارية الخليجية أن تعاملت مع استثمارات نفطية في الخارج ولكنها واجهت مشكلات معقدة في العديد من الدول، مثلما واجهت الكويت في  استثماراتها في المصافي، ومنها مصفاة فيتنام. لكن عندما يتم تعزيز الاستثمارات البينية في القطاع النفطي بين دول الخليج، فإن الأخطار ستكون محدودة ومقدورا عليها وربما تكون المنافع  والعوائد مجزية.

font change

مقالات ذات صلة