تبدو أجواء عوالم الجريمة والتشويق البوليسية مغرية لعدد من الكتاب لكي يخوضوا من خلالها تجربة الكتابة الروائية، لا سيما إذا كانت تجاربهم الأولى، فمن خلالها يمكنهم أن يفرضوا حضورهم في ساحة أدبية متخمة بالعديد من التجارب، كما يجذبون من جهة أخرى عددا كبيرا من القراء بأسلوب التشويق المعتمد على فكرة البحث عن المجرم، سواء كان ذلك في قضية قتل أو سرقة أو تحرش أو غيرها من القضايا التي تمتلئ بها صفحات الحوادث، ويسعى كل كاتب منهم لأن يصبغ عالم روايته بتلك الصبغة الواقعية التي تجعل ما يتناوله ويتحدث عنه قريبا من القراء ومجتمعهم، بل يحاول أن يجعل القارئ شريكا له في طريقة التعرف الى الجاني، وينقله من زاوية القارئ فحسب إلى المشارك في كشف النقاب عمن يمكن أن يكون صاحب هذه الجريمة.
وقد حفل الأدب العالمي بنماذج عديدة للروايات البوليسية وروايات الجريمة، فبرزت منهم أسماء مثل أغاثا كريستي وآرثر كونان دويل وجورج سيمنون، وعلى الرغم من تفاوت مستوى الكتابة الأدبية بين كل كاتب منهم إلا أنه قد أصبح لهم عدد كبير من القراء والمتابعين يهتمون بإنتاجهم ويسعون اليه بشكل كبير، كما عرف من الكتاب العرب من تخصص في هذا النوع من الكتابة، ولكنه ظل يواجه بأنه نوع من الأدب الموجه الى الشباب والمراهقين وربما يكون ذلك أحد الأسباب التي نقلت هذا النوع من الكتابة الأدبية إلى قائمة الأكثر مبيعا وجعلت عددا من النقاد يصفونه بأنه لا يمثل الكتابة الأدبية الحقيقية.
في الآونة الأخيرة ظهر عدد من الروايات التي لفتت الأنظار لكونها استخدمت عالم الجريمة ولكنها حافظت في الوقت نفسه على ما تفرضه الكتابة الأدبية من فنيات وجماليات، سواء كان ذلك في لغة الكتابة أو قدرتها على التعبير عن طبقات وفئات مختلفة من المجتمع أو انتقالها بين الماضي والحاضر أو غير ذلك من تقنيات وآليات يمكن أن نفصل الحديث عنها مع الروايات التالية.