أكدت نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا ديناميكية صعود اليمين المتطرف، وتغييره المشهد السياسي في بلد له مكانته السياسية والاستراتيجية داخل البناء الأوروبي، ناهيك عن الانعكاس السلبي المحتمل على تماسك فرنسا الداخلي وموقعها العالمي.
ومن أبرز دروس الجولة الأولى في الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي ترسُّخ اليمين المتطرف وإبراز انتشاره المناطقي والطبقي، وعدم تقدم القوى اليسارية والخضر المنضوية في "الجبهة الشعبية الجديدة". وهو الحدث اللافت غير المسبوق في المعسكر الرئاسي، وترنح تيار ماكرون قبل انتهاء ولايته.
وستتوقف نتائج الدور الثاني، الأحد القادم، على احترام المرشحين لتعليمات أحزابهم، ونسبة التغيير في توجهات الناخبين، وكذلك تركيب التحالفات واختبار إمكان إحياء "الجبهة الجمهورية" (التحالف الواسع الذي يتيح تنازلات بين مرشحي اليسار واليمين والوسط) من أجل كبح صعود اليمين المتطرف ومنعه من إحراز أكثرية مطلقة.
وبانتظار خلاصة استحقاق السابع من يوليو/تموز، تعيش فرنسا ساعات عصيبة يختلط فيها القلق والدهشة والخوف من المجهول. ويتفق كثير من المراقبين على أن قرار الرئيس إيمانويل ماكرون بحل الجمعية الوطنية كان كارثيا، وأن ماكرون كان "مهندس الفوضى التدميرية" بشكل مقصود، إذ تم الكشف عن تخطيط فريق عمله لاحتمال فوز "التجمع الوطني" وتنظيم "تعايش" معه يكون أشبه بالمبارزة، ويمكن أن يكون الاحتمال الثاني انتخاب جمعية وطنية من دون أكثرية واضحة، مع ما يعنيه من تغليب منطق تعطيل الحكم.
التخويف من الآخر
من خلال قراره بحل الجمعية الوطنية، تسبب الرئيس إيمانويل ماكرون في انهيار أغلبيته، وفي التمهيد لسابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة عبر وضع اليمين المتطرف على أبواب السلطة، إذ تصدر "اتحاد قوى اليمين" الذي يقوده "حزب التجمع الوطني" بنسبة 34 في المئة ("حزب التجمع الوطني" لوحده كانت حصته 29.3 في المئة) أي إن تصويته ارتفع بنسبة أربعة أضعاف عما كان عليه في 2017، مع ما يعنيه ذلك من عدم تعبيره عن "تصويب عقابي" بل عن التمتع بقدرة تمثيلية بديلة للقوى التقليدية، خاصة مع المشاركة الكثيفة للناخبات والناخبين (نحو 67 في المئة).
اعتمد اليمين المتطرف على الأولوية الوطنية والشعبوية وأسلوب مواجهة المؤسسات القائمة من أجل الترويج لشعاراته، وكانت هناك عوامل مؤثرة أخرى مثل التخويف من الآخر وربط مشكلات الأمن بتزايد الهجرة واللجوء والتبدل الديموغرافي و"رهاب الإسلام"، وتم أيضا استغلال الفشل الاقتصادي والتضخم لجذب الكثيرين من الطبقات الشعبية والوسطى.
وحلت "الجبهة الشعبية الجديدة" في المرتبة الثانية بنسبة 28 في المئة، وكانت حركة "فرنسا الأبية" (مؤسسها ورئيسها جان لوك ميلانشون) الخاصرة الرخوة في التحالف، إذ جرى اتهامها من قواعد يسارية تقليدية باستيراد مأساة غزة من أجل تسجيل مكاسب انتخابية.