ولد الكاتب والفيزيائي الإسباني أغوستين فرنانديز مايّو، عام 1967 في مدينة لاكورونيا، في شمال غرب إسبانيا. وهو أبرز أسماء "جيلنوثيّا" الذي سمّي كذلك نسبة إلى ثلاثيته، التي ظهرت خلال العقد الأول من القرن الحالي. كعالم فيزياء، له عدة مساهمات في هذا المجال، أثرت أيضا على عمله الأدبي. غالبا ما تتضمن نصوصه الشعرية والسردية صورا علمية ورياضية، مما يعكس تعقيد العالم الحديث. يشتهر مايّو بـ"ثلاثية نوثيّا"التي نالت استحسان النقاد. بالإضافة إلى رواياته، كتب العديد من المقالات والمجموعات الشعرية. "المجلة" التقت مايّو وأجرت معه هذا الحوار.
استكشاف
هل كنت تخطط لكتابة ثلاثية "نوثيّا" أثناء العمل على روايتك الأولى،"حلم نوثيّا"؟
لا، على الاطلاق. ولكن عندما انتهيت من كتابة الرواية، أدركت أنني بحاجة إلى إكمال التجربة السردية وأردت الاستمرار في هذا الشكل السردي الجديد، واستكشاف كل الإمكانات التي توفرها لي الكتابة ببنية شبكية غير هرمية، وبعد ذلك كتبت "تجربة نوثيّا" ثم "معمل نوثيّا". لا أعرف أبدا كيف أكتب ما أكتبه إلا في لحظة الكتابة، بمعنى أدق أنني أتعلم كتابة الرواية خلال عملية الكتابة نفسها، تماما كما أكتب القصيدة. كل أعمالي بما في ذلك المقالات تأتي من الشعر وبدافع الشعري.
أسعى إلى إنشاء استعارات تتحدث عن عصرنا، وليس استخدام الصور التي استهلكتها الأجيال الأخرى
في "تجربة نوثيّا"، توسعت في المواضيع التي طرحتها في روايتك الأولى، واستكشفت الأشخاص والأماكن في العصر الرقمي. كيف تعكس روايتك، المتصلة المنفصلة، تعقيدات عالمنا؟
حسنا، أنا لست مهتمّا بالعالم الرقمي فحسب، بل أيضا بما أسميه ما بعد العصر الرقمي، وهو عندما يحتاج الرقمي والأنالوغي واحدهما الآخر ويتعايشان. ومن هذا المنطلق، كان هذا التوسع طبيعيا. من ناحية أخرى، فإن جميع رواياتي، وخاصة "ثلاثية نوثيّا"، لها بنية شبكية داخلية، أي أنها لا تتكون من بداية وعقدة وحلّ للعقدة، بل تضم عددا كبيرا من العقد والشخصيات والمفاهيم والأماكن والأشياء وما إلى ذلك، وهي مترابطة بروابط تكون دائما مجازية بطبيعتها. أنا أشير إلى الشبكات التناظرية والرقمية. وهذا ما يضفي عليها طابعا شعريا مع كونها حديثة جدا، إذ أن مجتمعنا اليوم لديه تلك البنية الشبكية. ومن الجدير بالذكر أنني كتبت الثلاثية قبل عقدين من الزمن، لكنها تتحدث عن وقتنا هذا، وهذا سبب منحها جائزة الأدب الأوروبي عام 2022.
كيف دمجت بين الخيال والواقع في هذه الثلاثية؟
دون تحيزات جمالية، بشجاعة ودون خوف، علاوة على ذلك، اليقين بأنني أبتكر روابط مجازية غنية مترابطة، ذات معنى محدد، روابط تخلق العالم الروائي، ولا تهدف فقط إلى إنجاز قطعة أدبية.
تجمع بين عدة عناصر مختلفة في كتاباتك، كشاعر وعالم فيزياء وكاتب مقالات. هل تخطط لأسلوب الكتابة قبل البدء بأي مشروع؟
لا، بل يفرض النوع الأدبي نفسه عندما أكتب. مثلما أسلفت، بالنسبة إليّ، كل ما أفعله هو شعر، متنكرا في أجناس أخرى مثل الرواية أو المقال، لكنه يبقى شعرا.
ما بعد الشعر
استحدثت مصطلح "الشعر ما بعد الشعري". هل يمكنك شرح هذا المفهوم أكثر؟
يتعلق هذا المفهوم بكل ما أسلفت قوله، أي السعي إلى إنشاء استعارات تتحدث عن عصرنا، وليس استخدام الصور التي استهلكتها الأجيال الأخرى. شعر عرضي يمكنه ربط شيء من الثقافة الشعبية بشيء من الثقافة العالية في استعارة واحدة. أو البحث عن روابط جذرية بين الشعر الكلاسيكي وإعلانات السوبرماركت، أو تأليف قصائد يكون العالم الرقمي حاضرا فيها، وما إلى ذلك.
ما الجوانب الواقعية التي تناولتها في روايتك "الأشياء التي رأيناها" والتي جعلت النص محيرا للعقل في عصرنا هذا؟
الفكرة هي أن أكبر شبكة اجتماعية موجودة ليست"فيسبوك" أو "إنستاغرام" أو أي شبكة إنترنت أخرى، ولكنها الشبكة التي تربط الأحياء بالأموات. وعلى وجه الخصوص، فكرة أننا جميعا متصلون، عبر شبكة تناظرية أو رقمية، بشخص مات في الحرب.
يتناقض في روايتك التزامك الأمل مع الخلفية البائسة للحاضر؟
إن الشعور بالديستوبيا شائع هذه الأيام، وهو موجود في كل مكان. أنا لا أتبنّاه. لا أؤمن بالروايات المروعة. كل مجتمع وكل شعب تخيل نهاية العالم بطريقته الخاصة. طوال قرون كانوا يخبروننا أن هذه هي النهاية، وأن العالم ينتهي، ومع ذلك ها نحن ذا. لا أؤمن بخطاب الخوف. أعتقد أنها طريقة للسيطرة على البشر. عندما تغرس الخوف في شخص ما، فأنت تسيطر عليه إلى الأبد. جميع الأوقات والعصور مضطربة وفظيعة بقدر ما هي خيالية وحيوية.
الرأسمالية أدركت أن أفضل طريقة للربح هي إدارة عواطفنا والتلاعب بها
استنادا إلى رواية "كتاب كل الحب"، كيف يتجلى الحب في جوانب أخرى من الحياة العامة، مثل السياسة أو الاقتصاد أو العلوم؟
في كل مكان وبكل شكل. من خلال شعارات السوق وخيالاته، نميل إلى الاعتقاد بأن الحب أصبح اليوم أنقى من أي وقت مضى، لكنه في الواقع أصبح سلعة. بشكل عام، هناك فكرة أن الحجج العاطفية تتفوق على السلطة، وهو فكر خرافي مناهض للعلم، وأجده ضارا بالفكر الغربي، وبأفكار النقد الذاتي، والفلسفة والعلوم والفنون كما عرفناها. إن خطاب الحب هو إحدى الطرق التي تتسلل بها الديانات والخرافات الجديدة المختلفة إلى السوق من الباب الخلفي. قمت بتحليل هذا في كتابي الأخير، "شكل الحشد: الرأسمالية والدين والهوية)" وأسميها الرأسمالية: عندما تدرك الرأسمالية أن أفضل طريقة لتحقيق عوائد اقتصادية هي عدم إجبارنا على فعل أي شيء سوى إدارة عواطفنا والتلاعب بها حتى نفعل كل ما يريد السوق منا فعله، وعلاوة على ذلك، فإننا نفعل ذلك بسعادة.
عمل حياتي
هلا أخبرتنا المزيد عن روايتك الأحدث، "ذرة قلب الأم"...
هذا الكتاب يتمحور حول والدي، وهو طبيب بيطري وعالم غريب الأطوار، وحول حياتي معه. العنوان يأتي كما هو واضح من عنوان ألبوم "بينك فلويد" الشهير الذي تظهر على غلافه بقرة تنظر إلى عدسة المصور، لم يكن والدي مهتما بمحتوى الألبوم بل بتلك البقرة المصورة. بالإضافة إلى ذلك، يروي الكتاب قصة كيف جلبوا بعض الأبقار من الولايات المتحدة إلى إسبانيا عام 1967 على متن طائرة، والمغامرة الرائدة التي كانت في ذلك الوقت. الأبقار تطير. ولكن قبل كل شيء، يتحدث عن معنى أن تولد، وماذا يعني أن تموت، وما هو فقدان الذاكرة. باختصار، من الأفضل قراءته لأنه لا يمكن تلخيصه دون تقليل قيمته. أعتبر هذا الكتاب أكثر أعمالي اكتمالا وأفضلها نسجا. عملت على كتابته طوال 12 عاما. لذا أعتبره عمل حياتي.
متى أدركت أن لديك موهبة الكتابة، وما الذي يهمك ويؤثر على كتاباتك؟
موهبة الكتابة؟ في الواقع، ما زلت غير متأكد من أنني أملك تلك الموهبة. أما بالنسبة إلى ما يلهمني فهو كثير ومتنوع، والعديد منه يأتي من مجالات غير أدبية مثل الفن المفاهيمي، وموسيقى البوب والموسيقى التجريدية، والفيزياء، وما إلى ذلك. ولكن إذا سألتني عن التأثيرات الأدبية العامة، فيمكنني أن أقول إنه الشعر الصوفي الأوروبي الغربي، وأدب أميركا اللاتينية. أدب الواقعية السحرية، وما بعد الحداثة الأميركية.